قاهر الرياح البداية...

98 14 6
                                    

أحيانا لا أصدق ما أقرأه في المخطوطات العتيقة أرض بدون سحر!!!؟ غابات صامتة!!!؟ محيطات مظلمة والأغرب عشيرة البشر هي الوحيدة العاقلة!!!

-احذري السقوط يا........
وقبل ان ينهي الحكيم جملته كانت كومة من المخطوطات شبه المهترئة تغطي جسد هيكات الممدد على أرض مكتبة دار الحكمة

-حذرتك مرارا من صعود السلم وانت تحملين العديد من اللفائف، ينتهي بك الحال دائما بالسقوط. قال الحكيم ذلك دون أن يرفع نظره عن الورقة التي يكتب عليها بريشة العنقاء خاصته
أجابت هيكات بعد وقوفها وهي تنفض الغبار عن ثوبها الطويل البني المزخرف بألياف وخطوط ذهبية والذي يعد ثوبا موحدا لخادمات الدار: لاتقلق يا سيد هيبينوس فبقدر مهارتي على السقوط اني أجيد الوقوف مجددا في كل مره
-أعلم يا صغيرة، فرغم تسرعك و انعدام تحكمك بالغضب إلا أني أقر بتفانيك و اصرارك أهم ما يجب أن يتسم به حافظ المستقبل ليقبل في الدار،  هذا ما رأيته في عينيك ذلك اليوم....
وسبح حكيم الزمان لوهله بذاكرته إلى أول مرة إلتقى بها هيكات منذ تسع سنوات خلال بحثه عن مخلوق السبيروكا الاسطوري.....
في قرية نائية تكاد تكون منسية لا يحب سكانها الغرباء ولايرحبون بهم .
دخل هيبينوس حانة رثة انصبت عيون كل زبائنها البائسة عليه تترقب حركاته في صمت وتنتظر كلماته

-ماذا تريد يا هذا؟ نطق صاحب الحانة أصهب الشعر أشعث اللحيه بغضب غير مبرر وهو يحمل مغرفة طعام بيده ويشير بها

أجاب الحكيم بتواضع: سلاما وطعاما

-لاأضمن لك السلام إن بت في المكان، أما الطعام أرجوا انك تملك ثمنه؟

أزاح هيبينوس عباءته البنية عن جانبه الأيمن وأشار إلى صرة النقود المعلقة بحزام خصره الجلدي دون أن يجيب

-حسنا اذا إختر طاولة و سأحضر لك الموجود، حساء يقطين وخبزا أسمرا هذا كل ما تحصل عليه واعتبره كرما منا و شكرا مسبقا لمغادرتك في أسرع وقت، قال ذلك باستهزاء تصاحبه ابتسامة ساخره
وبكل هدوء سأل هيبينوس:هل يمكنني أن أحصل على ماء وشعير لحصاني أيضا؟

-يبدوا انك جننت ايها الغريب الا تكفينا انت علينا أن نبتلى بحيوانك أيضا؟

-سأدفع الضعف
نظر إليه صاحب الحانه بغضب وخرج لبرهة ثم عاد وفي يده صطلين حديديين أحدهما به ماء والآخر قليل من الشعير ووضعهما بعنف أمام طاولة الحكيم وقال : سآخذ ثلاثة أضعاف و لا تتوقع مني أن أطعم دابتك بنفسي .
حمل هيبينوس الدلوين بعدما أنهى طعامه ووضع بعض القطع الفضية في يد الرجل الأصهب مبتسما

-شكرا على الطعام 

-فقد انقلع أيها العجوز
ثم خرج وبدأ يطعم قاهر الرياح وهو يربت على رأسه ويقول : أعلم أن الرحلة قد طالت هذه المره يا صديقي لكننا سنعود للديار ، ما باليدي حيله الغابه الزرقاء كانت أملنا الاخير، يبدوا أننا لن نجده أبدا .صهل الحصان صهله خفيفة وكأنه يقول لا عليك سننجح بالتأكيد فإن لم نجده نحن سيجدنا هو ثم حك رأسه على كتف هيبينوس مواسيا إياه .
وفجأة أدار قاهر الرياح رأسه نحو الشمال بحركه سريعة وتسمر في مكانه مصغيا بإمعان لصمت سحري يحمله النسيم ،ثم انطلق مخترقا الهواء كأن روحه تستدعيه وشعره الفضي المموج يطير خلفه متجاهلا لأول مره منذ قرون نداءات خليله حكيم الزمان و أوامره له بالوقوف .
طاقه هائله لا تقاوم تجذبه ، شعور غريب بالشوق والإنتماء يجره ، لايستطيع تفسير حاله لكنه يعجبه، كل ما يعرفه أنه عليه أن يعدو، عليه أن يعدو في ذلك الاتجاه.....
نظر العجوز إلى باب اسطبل الحانه و تمتم بكلمات غير مسموعة فخرج حصان بني منه امتطاه على عجل و تبع قاهر الرياح...
يعلم يقينا استحالة إدراكه  إذ حتى بين المخلوقات السحرية يعد القاهر فريدا من نوعه و لا يستطيع أن يتحكم به كباقي الحيوانات العادية فإرادته لا تكسر، لذلك اكتفى باللحاق به و مشاركته بصره لعله يرى ما أسره.
و على أعتاب القرية قريبا من مدخل الغابة الزرقاء شاهد الحكيم من خلال عيني صديقه مجموعة أطفال يحملون أغصانا يضربون بها شيئا أو شخصا...
تحرك فتى ممتلئ الجسد من مرمى بصره، فإذا به يلمح  طفلا رث الثياب ساجدا على ركبتيه داكا رأسه في الأرض يتلقى الضربات و الركلات منهم دون أن يحرك ساكنا. و بمجرد أن سمع الفتية صهيلا مدويا استداروا ليروا الخيل الفضي مندفعا نحوهم و البرق يخرج من عينيه مالئا أفئدتهم رعبا، فتعالت صرخاتهم وتبعثروا فرارا في كل الاتجاهات يصطدم بعضهم ببعض.

  وقف قاهر الرياح أمام الطفل الذي لم يتزحزح من مكانه ، فأرجع ساقه اليسرى إلى الخلفي ثنى ركبته ثم مد الساق اليمنى نحو الأمام و أنزل رأسه نحو الأرض إلى كلكله في إنحناءة ملكية و بقي على تلك الحالة إلى أن أدركه الحكيم الذي ترجل من على الصهوة ثم أمسك لجام الفرس و همس في أذنه متمتما مجددا و أعطاه ضربة خفيفة بكفه على الكفل لينطلق عائدا إلى سيده.
و شرع في حيرة شديدة يتأمل تارة خليله و تارة الفتى الساجد و ألاف الأسئلة تدور في خلده. 



أرواح هيكاتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن