الغابة الزرقاء

81 9 4
                                    

- تعلم أن ظهرك لن يحميك إلى الأبد ايها الصغير
_لكنه سيحميه هو...رد الطفل على الحكيم بعد أن وقف كاشفا عن وجهه الجميل ذو الأنف الدقيق و الشفتين الزهريتين الممتلئتين الذي لم تكفي براءته لتخفي ما تعكسه عيناه العقيقيتان الزرقاوان من عاصفة غضب عارم مقرون بإصرار و ثبات على موقفه لمساعدة رفيقه الضعيف اللتان غار هيبينوس باعماقهما محاولا اكتشاف السر وراء سحرهما الاخاذ ، ثم استفاق من توهانه على استطراد الفتى حديثه و العزم يملأ صوته الناعم : .. و لننن اسمح لك انت أيضا بإيذائه ايها العجوز ...

عندها وقع نظر حكين الزمان على الكائن الذي كان يحميه الطفل
_أنه...أنه...أنه صغير سبيروكا، لكن ...لكن...كيف يعقل هذا!؟ بحثت في كل غابة سحرية على وجه القارة و لم أجد أثرا له ! صرح الحكيم بذلك في تساؤل و تعجب و هو يمد يده ليلمس المخلوق الاسطوري ، فاعترضها الصغير و أزاحها بعنف قائلا: اخبرتك أني لن اسمح لك بايذائه ...
_لا تقلق ايها الفتى تلك ليست نيتي ، اني مستغرب فقط وجوده خارج الغابة السحريه خاصة أنه لم يتعلم الطيران بعد . عندما دخلت الغابة الزرقاء بحثا عنه
لم اتخيل ان يكون فتيا إلى هذا الحد لا يمكن أن يفصل عن الغابة الآن، قد تستطيع والدته مساعدتنا لكني أتساءل ما أخرجه من مسكنه ؟
_لقد خرج ليبحث عن...مهلا لحظه هل سمحت لك الغابة بالدخول!!؟؟ انها لا تسمح لاحد بذلك!!!
اخبرتني الشجرة الام أنه قبل اصطدام الجرم السماوي العظيم خرجت منه أرواح اندمجت مع تربة الغابات ثم درعتها بقوتها لتحميها من المطر النيزكي السحري الذي قضى على الحضارة القديمة و أعاد تشكيل الأرض، و أن الغابة الزرقاء اول غابة ارتدت لونا غير الأخضر و أصبحت نباتاتها، حيواناتها و حتى تربتها زرقاء كما أنها الاولى التي اكتسبت صوتا.
ناهيك عن شكلها الجديد بدأت همساتها تخيف الناجين القلائل من عشيرة البشر. لم يفهموا السحر انذاك لذلك اعتقدوا أن مرضا اصاب الطبيعة فغيرها، و بدل محاولة فهمها بادروا بالتخص منها فاشعلوا النيران في أرجائها لعلها تخلصهم من روعهم لكن صرخات الأشجار التي مزقت صمت تلك الليلة السوداء لم تزدهم إلا رعبا، و في لحظه ارتفعت أجساد المعتدين بقوة في الهواء و قذفوا نحو حدود الغابة ثم هبت رياح دائرية أحاطت بالنار مشكلة اياها كاعصار صغير علا نحو السماء إلى أن اختفى و منذ ذلك الوقت و كل من يحاول دخولها يقذف بقوة و يكسر اطرافه....هاهاهاها حدث ذلك مرة ليوسيس ابن الجزار و هو يطاردني و لو لا مؤخرته السمينة التي خففت أثر السقوط لكسر أكثر من ذراعه هاهاهاها...
قهقه الطفل إلى أن سالت الدموع من عينه ثم مسحها بطرف اصبعه و اردف: لابد أنك مميز أيضا يا سيدي
-أيضا؟ ماذا تقصد بذلك أيها الصغير؟
لأنني كذلك ، رد الفتى و ابتسامة حماس تعلو محياه ثم أكمل، عندما سألت روح الغابة لماذا لا تقذفني أنا أيضا أجابت أني مميز وأن هذا التميز سيحمي الجميع يوما هههه أحبها كثيرا لكنها تبالغ أحيانا ...
- إني أوافقها يا صغير ،يبدو أنك فعلا كذلك...
و الآن، صديقك متعب للغاية و السبيروكا في هذا السن لا يستطيع الإبتعاد عن الغابة مصدر قوته كثيرا ،و قد تقلق والدته إن عادت و لم تجده
- لن يحدث هذا
- و لما يا صغير؟
ليس لديه واحدة، وجدت بيضة بحجم البطيخة مدفونة تحت شجرة الياسمين منذ سنتين ، كانت لامعة و جميلة ،اعتقدت أنها ستكون إضافة لطيفة لمنزلي فأخذتها معي و بعد ثلاثة أيام بدأت تتدحرج و تلحقني في الارجاء و في اليوم الخامس فقست و خرج منها بيغاسوس....
-مممم هذا مثير.. علق هيبينوس و هو يمشط لحيته البيضاء بيده اليمنى و ينظر للسبيروكا باهتمام ... ثم أضاف : و لكن تعلم أن بيغاسوس إسم نوع من الاحصنة و هذا ليس حصانا
- بالطبع أعلم لكنه يعجبني.... إتبعني الآن يمكنك أن تكون ضيفنا الليلة .
اتجه الجميع نحو الغابة و بمجرد أن وطئت قدم الطفل التربة الزرقاء البراقة حتى تعالت الهمسات "مرحبا بعودتك....مرحبا بعودتك...مرحبا بعودتك...."
- حسنا حسنا لا تخجلوني ، أجاب الفتى و هو يحك مؤخرة رأسه على استحياء ثم استدار نحو الحكيم و قال: انهم متحمسين فلم نستقبل ضيوفا منذووووو...
لم نستقبل ضيوفا أبدا هههه..
- لم يصدرو صوتا عندما زرت الغابة صباحا
- كانوا يشعرون بالخجل لأنهم رأوك لأول مرة لا غير، الآن انت صديق.

أكمل هيبينوس طريقه خلف الطفل و هو يتأمل تفاوت درجات الازرق التي تكسو الغابة، و يستمع لرفيقات الزهور المجنحات يرقصن و يغنين مع الطيور بحناجر من عبق الزعفران، إلى أن وصلوا لكهف مخفي خلف ستار من نبات مجد الصباح، أزاحه الفتى و أدخل ظيوفه ليقف الحكيم عند المدخل منبهرا بجمال المكان
و كان أول ما لفت نظره الينبوع الذي تتدفق منه مياه تشع بضوء أزرق سماوي ينعكس على أحجار الإسكندريت المنبثق من بين صخور الكهف فيضيؤه بوهج خلاب، لتنصب تلك المياه بحوض منحوت على أحجار تعلو تدريجيا عن أرض الغار،ثم لمح كومة من الكتب و المخطوطات مكدسة و بجانبها لحاف و سلة بها توت بري، فلتفت نحو الفتى و سأل: ما كل مواد القراءة هاته يا صغير ؟
أجاب الفتى في استنكار و سأم: أوووه .. ما بالك و كلمة صغير يا سيدي ؟ أنا لست صغيرا ، عمري عشر سنوات، كما أنك تهين جمالى بدعوتي فتى إني فتاة ألم تفقه ذلك بعد؟ أنظر...و نزعت الطفلة قبعتها لينسدل شعرها الأسود اللامع بزرقة سماء ليلية لتتابع قائلة:
هيكات......يمكنك مناداتي هيكات ....

أرواح هيكاتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن