بعد أن سقطت الشمس في حضن الظلام ، و أنيرت في المدينة كل المصابيح، خرجت هيكات من دار الحكمة تجر خطاها الثقيلة و هي في حالة صدمة ، عقلها متوقف و نفسها مسلوب، تمشي كشبح من أشباح تيكيا التي لا تعرف من أين أتت أو ما هي وجهتها، تمشي في أزقة فارغة يعمها سكون رهيب، و كأنها لم تكن تعج بالحياة منذ وقت قريب.
"هيكات.....هيكاات.....هيكااات" ، حاولت باندروهيرا أن تعيد صديقتها إلى أرض الواقع بالصراخ و هزها لكن دون جدوى ، و بعد عناء كبير إستطاعت أن تخرج منها ببضع كلمات " زرياب....مخطوطة.....أضعتها"، "زرياب....مخطوطة....أضعتها"......
جعلت تكرر هاته الكلمات بنفس الوجه المتصلب و الذهن الشارد .
- "حسنا،حسنا هوني عليك لندخل إلى منزلي و نتكلم، لقد خبزت أمي كعكة الفراولة التي تحبينها ،تأكلين منها و تحكين لي القصة كاملة".
قالت باندروهيرا ذلك بلطف محاولة تهدئة رفيقتها ثم أمسكت يدها و قادتها معها إلى الداخل . بعد أن جلستا بالردهة ، ناولت هيكات كأس ماء و وضعت أمامها قطعة كعك على الطاولة و انتظرت خروجها من تلك الحالة لتسألها عما حدث.
-" هللللل فقدت عقلك؟؟؟ كيف تثقين بشخص لم تقابليه من قبل ، ذلك ليس من عاداتك !! أم أنه هوسك بالتاريخ مجددا ، كنت أعلم أن فضولك سيقودك للجحيم يوما ما."
- " ليس فضولي فقط لقد......لقد قرأت الثقة في عينيه و أحسست بمجرد أن وقع نظري على وجهه أنه شخص لا يعرف الغدر أبدا ، أنت تعلمين أن إحساسي لم يخطئ من قبل"
-" و ها قد أخطأ هاته المرة ، و ياليته أخطأ في شيء هين ، لقد فقدتي أهم كنز في الدار ، لم يسبق لغير الحكماء رؤيته لكنك نلت شرف ذلك ، جدك سوف يفقد صوابه بالتأكيد، ليس وحده بل هيئة الحكماء ككل ، لن يشفعوا لك أبدا . لا أستطيع تخيل ما سيفعلونه
بك ...."
- " يجب أن أذهب الآن و أخبره قبل أن يكتشف ذلك وحده، إن فعل سيكون رد فعله أسوء"
-"لا لا لا لااا ...إياك أن تخبريه اليوم ، لقد رأيت السيد هيبينوس عندما كنت عائدة من العرض، كان بالحديقة يقطف النعناع و طلب أن أحضر له بعض الهيل من منزلنا لأنه نفذ من عندكم، قال أنه سيحضر طبقا مميزا للعشاء لقد بدى في مزاج جيد للغاية، أرجوك لا تعكري صفوه بهذا النبأ." فكرت قليلا ثم أكملت: " إني أستبعد الأمر و لكن ربما إحساسك في محله ، ربما يدرك السارق خطأه و يعيد المخطوطة ولن يكتشف بذلك أحد الأمر."
-" لا أدري يا باندروهيرا ، تعرفين علاقتي بالكذب لم تنجح يوما"
-"لا أشجعك على الكذب بل على تأجيل الحقيقة لوقت لاحق"
إنتفضت هيكات من مكانها واقفة و قالت : " لا يمكن علي إنهاء الأمر و إخباره الآن"
-" فكري جيدا يا عزيزتي فهذا ليس بأمر هين"
-" فكرت و انتهى"
-" سأرافقك إلى المنزل إذن"
-" لا بأس يا باندروهيرا أنا بخير"
-" حسنا إذا لا تنسي أن تأخذي قطعة الكعك معك لتأكليها لاحقا "
رافقت باندروهيرا صديقتها إلى الباب ثم أخذت تراقبها و هي تعبر الشارع نحو المنزل المقابل في تردد و تحثها على الاستمرار كلما أدارت وجهها لتنظر إليها مستجدية التشجيع.
وقفت هيكات أخيرا أمام بابهم و بين يديها طبق به قطعة من كعكة الفراولة ، أخذت نفسا عميقا و أغلقت عينيها لبرهة ثم فتحتهما و كانتا تعكسان نظرة حازمة عازمة على قول الحقيقة سرعان ما تلاشت عندما فتح الحكيم الباب قبل أن تدقه الفتاة و وجهه باسم و روحه يغمرها السرور فلم يهن عليها و لم تستطع أن تفسد مزاجه.
أنت تقرأ
أرواح هيكات
Fantasíaعندما تتغير الأرض لتصبح عالما من الاساطير و الخيال و يتحول حاضرنا إلى قصص يرويها الأجداد لأحفادهم قبل النوم..... مخلوقات خرافية، مغامرات سحرية و أحداث مثيرة يعيشها أبطالنا خلال رحلتهم لإنقاد عالمهم....