«ليس غريبًا على المرء أن يتفنَّنَ بتعذيب نفسه، يتناقض أمام الجميع ثمَّ يُهزم أمام هشاشته، ومهما حاول النكران، سيجد نفسه غارقًا في لوحةٍ رسمها لذاته عنوانها الذهاب للعيش ميتًا.لقد كان أنا، الشخص الذي قُدِّرَ له الذبح، من تراه يقف على المقصلة وحيدًا، لا يجد باكيًا عليه ولا منتحب، ولا حتى من يرميه بالحجاره، لا أحد يعرفه ولم يبذل جهدًا لتعريف نفسه، عدا رجل واحد، يقف بعيدًا متشمِّتًا ويصرخ: يا لها من حياة حقيرة، عليكَ إنهائها!
فإن التفتَ للخلف لن يجد ذابحًا له، كان عليهِ قطع حبل رقبته بنفسه، حتى يصير المُعدِم والمَعدُوم.وإن سألته إن كان مخذولًا؟ سيخبركَ أنه يشعر بذلك من اللحظة التي ولدته فيها أمه.
ولستُ بمُبالغٍ، ولستُ اتصنَّع الأذى؛ فإنَّ وصفي لخيباتي تصرًُ على أن تكون أكبر من لغتي، حتَّى لم تعد ثمانيةٌ وعشرون حرفًا تكفيني، وأنا جاهلٌ غير عارف للغةٍ أخرى.
حتى عدتُ أعتبُ على الإكتئاب كلَّ يوم؛ فقد احتوى ملايين التعساء، أما استطاع احتوائي معهم؟ أم أنَّ حزني قد تعداه وما عاد يتحمله؟ فقد بتُّ أتسائل عن فائدة كلِّ ما قرأت من كتب، إن وقفت عاجزة ولم تسعفني على شرح ما يمرُّ في داخلي من أزمات.
الناس تستمر بوضع العقدات في دواخل بعضهم، وإنَّ أول عقدة تُعقد تكون بعد أول حرمان أو عقوبة أو رفض، وعقدتي الأولى كانت حرماني من والدتي بموتها في أول ساعات عيشي، محوِّلةً عيد ولادتي إلى ذكرى سنوية لجنازتها.
ذلك يثبت أنَّ تعاستي قد ولدت معي، على عكس بقيَّةِ الأحياء، من صُنِعت أمراضهم بسبب بنو البشر، مُنبتينَ فيهم الزرع الفاسد حبَّةً حبَّة، حتَّى تظهر رائحة انطفائهم، ومُلقينَ اللوم على الفطرة البشرية بكلِّ وقاحة!
ومن تنكيدات الحياة علي، أنَّها جعلتني أعيش تعاستي وحيدًا؛ فحتَّى والدي اختار جعلي يتيمًا بمشاعري، وقسى عليَّ مُذكِّرني بذنبي حين قتلتُ الورد بولادتي.
إلَّا أنَّني لستُ بِلائمٍ له، بل أشفق عليهِ كثيرًا؛ فحياته تحبلُ كثيرًا بالأحزان، ومشكلتها أنَّها تلدُ توائِمًا.
بدايةً من زواجه التقليدي وتركه لمحتلَّةِ قلبه بعيدًا، مرورًا بإفلاسه في بلاد الغرب، ثمَّ عودته إلى منشأه خائبًا، مزفًا لخبر فشله خارج عِراقِه، ومن بعدها ولادتي ضد إرادته، انتهاءً بوفاة والدتي، من كانت خير حاملٍ لهمِّه، متحملةً لهزائمه، وشريكة بلائه.كلُّ ذلك يجعلني أشكُّ في أنَّ الحياة لديها تحيِّزٌ مسبقٌ ضد والدي، رغم قضاءه لحياته بأكملها وهو يجمع أناسًا يشهدون عند الله بأنَّه يستحقُّ الجنَّة.
أنت تقرأ
الطَّلِيس.
Cerita Pendekمن ينامُ مع الأعمى؛ سيستيقظ وهو أحوَل. - طلَسَ يَطلِس، طَلسًا، فهو طالِس، بمعنى مطموس العين. كُتبت في الثالثِ والعشرين مِن يوليو ٢٢.