ترحال

114 4 0
                                    




في أرضٍ شاسعة تزيّنت بتضاريس تنوعت من النقيض للنقيض.. وفي سهلٍ على شيءٍ من الاتساع بأرضٍ حجرية وأشجارٍ تفرقت فيه تتسلل جذورها بين الصخور بعناد.. في وسط ذلك السهل تقع مدينةٌ حصينة ذات أسوارٍ من الطين الآجر تتخلله الحجارة متنوعة الحجم لتزيده صلابة، وأبراج مرتفعة تعلوها أعلامٌ ذات لونٍ أحمر، تتوزع عليه ثلاثة أبوابٍ خشبية ثقيلة عظيمة الهيئة.. ووسط ذلك السور تقع المدينة بأحيائها المختلفة والبيّنة في هيئتها وحال سكانها.. بينها المنازل الضيقة الصغيرة التي لا تتجاوز طابقاً مكونةً من عدة غرفٍ محدودة، وبينها القصور الواسعة التي ترتفع طابقين أو ثلاثاً، بذات اللون الطيني الذي صبغ بصبغةٍ حمراء مع نقوشٍ بيضاء تحيط البناء وتزيّن الشرفات والنوافذ..

تحتوي المدينة على سوقٍ كبير في جانبها الغربي، وعدة أسواقٍ صغيرة موزعة في أحياء أخرى منها.. وفي جانب السوق الكبير، يقع نزلٌ متوسط الحجم يؤوي في المعتاد أصحاب القوافل ومرافقيها من الحرس أثناء وجودهم في المدينة.. وعن يمينه منزلٌ أصغر حجماً يضمّ عدداً من الرجال الذين امتهنوا حراسة القوافل بأنواعها مقابل أجرٍ معلوم.. يقطعون الأراضي من هذه المدينة لمدنٍ أخرى ثم يعودون إليها في رحلاتٍ لا تنقطع مستعينين بمهاراتهم في القتال وصلابتهم في مواجهة المرتزقة واللصوص ومعرفتهم بهذه الأراضي معرفةً تامة..

لم يكن المنزل يمتلئ عادةً بساكنيه، إذ غالباً ما يغيب نصفهم في تلك الرحلات، ويبقى النصف الآخر ليرتاح بعد إحداها بانتظار موعد رحلته التالية.. وبينهم كان شابٌ في منتصف العشرين من عمره اسمه شريد.. لم يكن من هذه المدينة بل أتى في إحدى القوافل بعد أن تجاوز السابعة عشر من عمره، وبقي فيها عندما استطاب هذا العمل الذي لا يكلفه الكثير، ولا يحتاج منه مهارةً يدوية إلا إتقان القتال بشتى الأسلحة، بالإضافة لخبرةٍ لا بأس بها بالعراك اليدوي..

ذلك النهار، سمع شريد من يناديه من غرفته قائلاً إن لديه زائرٌ يطلبه بالاسم.. تحمس شريد وهو يتوجه خارج المنزل للقاء ذلك الشخص الذي لن يكون إلا صاحب إحدى القوافل.. لديه سمعةٌ جيدة مؤخراً، وأصبح العديدون يطلبونه بالإسم، مما يرفع سهمه بين رفاقه ويجلب له زبائن شتى.. لكن ما لم يتوقعه هو رؤية امرأةٍ وحيدةٍ تقف خارجاً بانتظاره..

بدت له المرأة أنها لا تكبره بكثير، ترتدي عباءةً سابغة من الصوف بلونٍ قمحي تلائم الشتاء الذي حلّ على المدينة بقسوة، تزين أطرافها الأمامية بخيوطةٍ ملونة ومطرزة بأشكالٍ مختلفة.. تضعها فوق رأسها وتصل حتى كاحليها فلا يكاد يبدو منها الكثير إلا الخف الجلدي الذي تنتعله، ولا تظهر شيئاً من ثيابها القطنية البسيطة المكونة من جلبابٍ طويل أخضر، وحزامٍ قطني يلف خصرها، بالإضافة لقميصٍ بلا كمين يصل ركبتيها ترتديه تحته لتغطية جسدها بصورةٍ أفضل.. تتلثم بوشاحٍ أسود من تحت العباءة لا تظهر منه إلا عيناها، ولا يبدو منها عداها إلا يداها الخاليتان من أي زينة عدا الحناء الذي صبغ أصابعها كاملةً وباطن كفها بصبغةٍ حمراء زاهية..

ترحالحيث تعيش القصص. اكتشف الآن