أين هؤلاء الأصدقاء القدامى الذين كُنت أشعُر معهم فى السنوات الماضية أننا متقاربين كُلياً؟ والأن يبدو لي أننى كُنت أنتمي الى عالم مُختلف، عما هو الأن. ويبدو لي أننا أصبحنا لا نتكلم نفس اللغة ! أشعُر أنني اصبحت غريباً ومنبوذاً، أتنقل بينهم هُنا وهُناك ولا أجد أي من كلماتهم أو أهتماماتهم يثير شغفي. أصبحتُ صامتاً لأن لا أحد منهم يستطيع فهم حديثي. أنه لأمر رهيب أن تلتزم الصمت بينما لديك الكثير لتقوله. هل خُلقت لحياة العُزلة أو لحياة لا أستطيع فيها التحدث مع أحد ؟ عدم المقدرة على تبادل أفكاري مع الأخرين، أسوء وأفظع أنواع العزلة لي على الإطلاق. الإختلاف عن الاخرين هو أقسى وأفظع من أي قناع حديدي يُمكن للفرد أن يُعزل بداخله.
ستزهد في أشخاصٍ لم يبادلوكَ شعورًا تمنيته، وستندم على كل شيءٍ بذلت مِن أجله الكثير وما وجدته، ستفهم أنك كنت أولى بالتعب الذي قدمته، وستُذكَر أمامك الأسماء ولن تهتز، والذكريات ولن تحن، ستمر بالأماكن ولن تشُم نفس الرائحة، ستراهُم بعينك ولن تراهم؛ كل ما رغبت فيه بشدة، ستفقد شغفك فيه عن قناعة؛ مع الأيام ومواقفها، والليالي ووحدتها والتجارب وقسوتها، ستُدرك جيدًا أنك لست أقل من أي أحدٍ كي تُطوى لك البُلدان، وتُقطَع من أجلك المسافات، وتُقدَّم لك التنازلات والتضحيات، وأنَّ الذي كنت تفعله بخوفٍ من أجل أحدهم ليبقى، كنت أولى أن يقدمهُ لك العالم كله.. لتطمئن!
-نحنُ نُفرط في التأنقِ من الخارج، نحاول أن نعلي أصوات ضحكاتنا قدر الإمكان، أن نبتسم إذا ما سألنا أحدهم عن جرحنا، ألا نبالي إذا ما حُطت أياديهم على نقاطِ ضعفنا مدعيين القوة، نحن نزيف مشاعرنا، موهوبون بتزوير شعور بشعور مناقض له، نلبس ثياباً لا تليق بقلوبنا، فقط خوفاً من أن يعلم أحدهم مدى الفوضى التي بداخلنا وذلك السكون الذي يكادُ أن يلتهم بقايانا فنسقط ونحن الذين حاربنا للوقوف بثباتٍ حتى تقرحَت أقدام الحقيقة..
تتجاوز سِنّاً معينًا، سوف تصبح الحياة لديك ما هي إلا خُسران مستمر، الأشياء المهمة في حياتك تبدأ في الانزلاق من بين يديك، شيئًا تلو الآخر، مثل مشط يفقد أسنانه، والأشياء التي تحل محلها هي أشياء زائفة عديمة القيمة، قوتك البدنية وطموحاتك وأحلامك ومبادئك وقناعاتك، وكل المعاني، أو مرة أخرى، الأشخاص الذين تحبهم، واحداً تلو آخر، يتلاشون، بعضهم يعلن رحيله قبل المغادرة، فيما يتلاشى بعضهم الآخر فجأة دون سابق إنذار، وحينما تفقدهم لا يمكنك استردادهم مرة أخرى، ولن يفيدك أبداً البحث عن بدائل، إنه وضع في غاية الألم. إنك ستبلغ الثلاثين قريبًا، يا سيد كاوانا، ما يعني أنك من الآن فصاعداً ،سوف تدخل تدريجيًا في مرحلة الغروب - سوف يكبر سنك، ولعلك بدأت تشعر بذلك الإحساس المؤلم بأن هناك شيئًا تفقده، أليس كذلك؟!
مرحبا! ،لقد بدأت بالفهم ي صديقي أليس كذلك؟! علمت أنه يجب عليك إحتضان نفسك بكل مافيك، إحتضان كُل مابداخلك وخارجك، إحتضان اعماقك، وظلماتك، ادركت ذلك الضوء، واصبحت تدرك أن بدخول الضوء حتما يتلاشى الظلام، اسمح له بالتمكن أكثر وأكثر، عانقه، اجعله يعانق أخطائك، وقراراتك الساذجه الغير مُرضيه، البعض لديه ظلام في اذهانهم، والبعض في قلوبهم، والبعض في أرواحهم، ادرك ظلمتك اين هي بالضبط ابحث عنها وافهمها وتقبلها، لاتخف من ظلامك عندما يحيطك، بل اصنع معه السلام، فهو افضل طريقة للتعرف على نفسك، فهو السبيل الوحيد للسماح بدخول الضوء لعتمتك، حتما السبيل الوحيد!
-أحياناً تُحاوِل الهروب مِن هذا العالم، من هذا العالم الذي تَملأه الكآبه، لكنك لاتستطيع!
لا يَتركك وشأنك، يَتشبث بِك ويُغرقك إلى الاسفل يُغرقك الى أعماق اليأس
لن تَستطيع الهروب مهما حاولت
فلقد أمسك بِك ولن يَتركُك، أنت الآن سوف تَتذوق جُرعهً مِن الهلاك، سوف يُرغمك على الخضوع له
فأنت الان لَستْ سِوى شَخصٌ يُحاول
النَجاه، لكِنك لنْ تَستطع.نقف في طوابير مكدسة
تُلقى علينا أيامنا من الأعلى
فتسقط الأحمال على ظهورنا متباينة
منا يحمل يومه خفيفًا ويعدو به،
ومن يحمل يومه منحنيًا ويعرج به،
ومن يحمل يومه منكسًا و يحبو به.
لكننا جميعًا في النهاية نغيّر أماكننا.
إياك أن تثق كثيرًا بالأرض
التي تقف عليها، تحرّك، فلاشيء
من هذا الجنون ثابت، ما ان تأمن
حتى تهوي.“.