حين تسقط روما - المقدمة

489 19 12
                                    

المقدمة

لازلِت أذكر يوم سقوط روما..
البشر يركضون بكل مكان..
البالغين يصرخون كالأطفال..
الأطفال تبكي بجوانب الطرقات دون أن يلتفت لهم أحد.
كان يومًا داميًا،بعينيّ رأيت جثث الجنود الغارقة بالدماء،شممت رائحة تفحم المنازل،رأيت السوق الذي اعتدت على زيارته مع والدتي محطمًا،اختفت رائحة العطور والأقمشة الساحرة الملونة،غاب صوت العازفين والمغنيين وتركوا فقط الدمار والرعب،الكثير من الجنود خلعوا ثيابهم وركضوا نحو دكاكين الملابس المهجورة وارتدوا ثياب النساء..أملًا في الفرار من الهلاك.
الكثير منهم فقدوا كرامتهم قبل بيوتهم وأموالهم ونفوذهم بينما يهربون كالفئران.
الجميع يركض،الجميع باستثنائي أنا.
طالعت النساء يركضن بكل مكان يبحثن عمن يساعدهن،فالرجال سيموتون وحسب،أما النساء فسينتهكن من الغزاة ويجعلوهن يمتن ألف مرة قبل إعتاق أرواحهن.
كنت أقف بين كل هذا بغرابة،لا أعلم ما سيحدث تاليًا،لا أعلم ما يجب أن أفعله بدوري.
البرابرة قادمون وعليّ أن أهرب،البرابرة قادمون ولن يرحموني،البرابرة قادمون ولا يوجد من يحميني.
ماذا أفعل الآن؟!
هل أركض مثل النساء أبحث عمن يساعدني؟هل أبكي كالأطفال؟!هل أحاول إنقاذ نفسي بأي طريقة كما يفعل الرجال؟!أم عليّ الإستسلام وحسب؟!
البرد يحيط بجسدي،يا إلهي ماذا حدث لسماء روما الصافية التي رأيتها من نافذة غرفتي في الصباح؟!!
كانت زرقاء وصافية وجميلة قبل لحظات،والآن السماء يكسوها الدخان الكئيب،ورائحة المنازل التي احترقت تزكم الأنوف.
ماذا سأفعل الآن؟!
كنتُ وحيدة وخائفة وذكرى من فقدتهم لازالت ترعبني،لكن فجأة أفقت على لمسة بدلت كل شيء!

&&&&&&&&&&&&&

الملخص الداخلي

لطالما أحببت والدي،لم أخبره يومًا أني أحبه،لكني واثقة من علمه بحبي له.
أبي كان رجلًا طيبًا،عاشقًا للتاريخ ومحب للحياة،وقد علمني أن أحبها مثله.
لذا لطالما أحببته وأحببت كل ما تعلمته منه،لكن...
"روما"
الصوت الثقيل ملأني هلعًا،جاعلًا قشعريرة تسري داخل جسدي من فرط الخوف وقطع حبل أفكاري،فمنحت تركيزي للرجل الستيني الجالس خلف المكتب الفخم من خشب الزان..كان هذا هو جوفري كاشو فيرو،حفيد الدون فيتو أول من تم تلقيبه بزعيم الزعماء هنا في صقلية.
(صقلية هي جزيرة Sicilyالإيطالية،تُلفظ بالعربي سيتشيليا أو سيسيليا..وتُعتَبَر أكبر جزيرة في البحر المتوسط)
جوفري كان زعيم من يحبون تسمية أنفسهم بالرجال الشرفاء Men Of) Honor).
بصغري كنت أتساءل كيف لرجال المافيا أن يمتلكوا شرفًا،ثم كبرت وأصبحت أعي أن العالم كله بلا شرف وهم يتعاملون مع العالم بالطريقة التي يستحقها،لكن لم يعني هذا أبدًا أن أتقبلهم أو أتقبل عملهم،كنت أخاف منهم وأحاول قدر الإمكان ألا أحتك بأيٍ منهم.
لطالما توسلت والدي أن نترك كل شيء ونهرب دون رجعة لكنه لم يستمع لي.
ليته استمع لي،على الأقل ما كنت أصبحت هنا الآن جالسة وأمامي أغلظ الرجال قلبًا،الدون جوفري كاشو فيرو ليس رئيس إحدى العصابات بل هو (الدون) أي أنه زعيم زعماء المافيا في سيسيليا..هو أخطر رجل في إيطاليا،وربما هو من أخطر الرجال في العالم.
جوفري هو تمساح،بل هو ذلك التمساح الأفريقي الضخم الذي رأيته بأحد الأفلام يتناول كل ما يقف بطريقه،التمساح غوستاف!
(غوستاف هو اسم تمساح يبلغ طوله 6 أمتار (18 قدما)،موطنه في بوروندي بأفريقيا،يشاع عنه بأنه ابتلع بمفرده أكثر من 300 إنسان)
"إذًا ما رأيك بعرضي؟"
أفقت من شرودي،والذي افترضت أنه طريقتي للهروب من الواقع الأليم الذي أعيشه منذ فترة،عدت أطالع العيون الزرقاء القاسية وأنا بالكاد أتنفس وبصعوبة التقطت عدة أنفاس قصيرة على أمل أن تهدئني دون منحه إنطباعًا بأني خائفة،لكن تلك الإبتسامة الساخرة الخفيفة التي إرتسمت على محياه أنبأتني بوضوح فهمه لخوفي،لذا قررت أن أرد أيًا كانت النبرة التي سأرد بها..وأيًا كان الشعور اللعين الذي سيصله.
"عفوًا دون جوفري،أنا لا أفهمك..هل ترغب بالزواج بي؟!"
إرتاح بمقعده وهو يرد ببرود:
"لا،بالطبع لن أتزوجك"
امتلأت عيناه بالإزدراء الذي لم يحاول إخفائه من إجابته:
"أنتِ لستِ إيطالية بالكامل لآمنكِ يا فتاة"
قست عيناه أكثر وهو يكمل ببرود:
"أنا فقط أريدك أن تحملي طفلي،وبعدها لا مكان لكِ بقصري أو بحياتي أنا ووريثي"
إبتلعت لعابي بصعوبة في محاولة للتغلب على قرف الفكرة..ذلك الملعون الستيني الخَرِف،من أوحى له بأني أرغب بإنجاب أي طفلٍ له؟!
أتراه يعلم بما حدث؟!
إتسعت عيناي لثوانٍ والرعب يتضاعف داخل صدري،لكن عاد طلبه المقزز يشغل كل حواسي،كيف بحق الآلهة تخيل ذلك الوغد أني قد أفكر أن...
لاحت ببالي خاطرة للحظة أيقظتني وذكرتني بوضعي قبل أن يضربني الواقع الأليم مجددًا،أنا بالفعل في وضعٍ حرج!
إبتلعت لعابي بصعوبة مرة أخرى في محاولة للتخلص من تلك العقدة المُرَة التي تتصاعد إلى حلقي،حاولت إخفاء رعبي ورجفة يداي بينما أسأله:
"وإن رفضت؟"
لم أكترث لإبتسامته المستهزئة،وحاولت تجاهل إلتماع عينيه بالشر بينما يرد:
"لن أجبركِ حلوتي،لكن عندها ستنتهي حمايتي لكِ،وابحثي عن شخصٍ غيري يحل أزماتك العالقة"
ومع رده الهادئ الذي زلزل كياني،لم أتمكن من السيطرة على استيائي وارتفعت عصارة معدتي فسقطت أرضًا أفرغ كل ما بها.
كان الموقف سيئًا لدرجة أني وبتلك اللحظة الصعبة،وبينما المشاعر القاسية تعصف بصدري عدت لحديثي مع نفسي هربًا من الواقع المؤلم الذي أعيشه.
أبي كان يحبني وأنا أحببته لكن لم أخبره أبدًا بهذا،فهل كان إنتقامه من عدم بوحي بإمتناني وحبي له،هو تسليم المتبقي من حياتي لذلك الوغد؟!
***
اللعنة عليّ،ماذا أصابني بحق الجحيم؟!
همستها برأسي وأنا مستمر بإلتهام شفتيها،كنت أرتشف من رحيق شفتيها ولا أشبع،طعم النبيذ الأبيض مع البرتقال اللاذع يسكراني أكثر ويثيراني لتقبيلها أكثر وأكثر،انتويت ألا أترك مكانًا بجسدها المثير إلا وسأختمه بشفتاي،وتحول هدفي لسرقة تلك الأنفاس الهادرة التي تزفرها لصدري كما سرقتها هي كلها.
ثيابها بلحظة نُزِعَت بيديّ العابثتين،وشعرها أصبح مشعثًا من تشابك أصابعي بجنون داخله،جذبت شعرها للخلف أرغمها على رفع رأسها فهرب أنين صغير من بين شفتيها فاسحًا المجال للساني لتعميق القبلة وإقتحام فمها،بشرتها ذات الملمس الناعم أسفل يديّ كانت تحرقني،ولم أتخيل أن أكتفي أبدًا من تقبيل تلك البشرة الساحرة المتوهجة ولعقها،وبينما كنت أدفعها للخضوع لسيطرتي ببالي كانت تدور فكرة واحدة...
نعم أنا فزت!
نعم أنا حصلت على كل شيء!
نعم لقد نلت انتقامي!والآن سأنعم بجائزتي الجميلة،بشعرها الأشقر ومنحنياتها المثيرة المغوية.
دفعتها لتستلقي على الفراش دون التوقف عن تقبيلها،لساني كان يعبث بفمها جاعلًا أي مقاومة منها تذوب،كحال ساقيها التي تهاوتا منذ قليل،بذات الوقت إتجهت بإحدى يدي لأزرار قميصي لأحلها..إنحدرت يدي أمررها من عنقها حتى نهديها أداعبهما وأعتصرهما بكفي،فإنتفضت أسفل مني بتأوه مُعذب لكني لم أمنحها فرصة للتراجع،فقد إنحدرت يدي الأخرى للأسفل بحثًا عن جائزتي القيمة التي سأنالها عدة مرات الليلة.
لقد أمنيت نفسي بهذا اليوم طويلًا،أخبرت نفسي أني سأنالها أيًا كان الظرف،لأعلن إنتصاري على كل جزء لعين من مملكتي والتي أصبحت هي جزءًا منها.
تركت شفتيها للحظة لنلتقط أنفاسنا،ونظرت لعينيها اللتان أظهرتا لونهما الحقيقي من هذا القرب،كانتا خضراوين كالعشب المظلل بالصباحات الممطرة،ساحرة وندية وكئيبة.
مليئة بالكآبة!
ورغم تلك الكآبة كانتا مليئتان بالحياة والدفء،تلك الحياة التي تمنيت نيلها لسنوات طويلة،تلك الحياة أصبحت لي الآن.

إنحنيت أُقبل تجويف عنقها وشفتاي تلتهم كل ما تقع عليه في طريقها لنهديها،لأسمع أنينها وهي مغمضة العينين وتهمس من بين تأوها:

"ڤاليريو"

ليتجمد جسدي فجأة كما تجمد عالمي!!
*****

حين تسقط روماحيث تعيش القصص. اكتشف الآن