حين تسقط روما - الفصل الثالث

60 3 0
                                    

الإمبراطوريات العظيمة مصيرها واحد..
تبدأ ككيانٍ يُرعب الملوك قبل الشعوب..
ثم تنحدر شمسها إلى الغروب..
الحياة لا ترحم حتى إرث العظماء الخالدون..
مصيره الإندثار وتبقى الحكايات تُخبرنا عن الغزاة الحالمون..
والبشر ليسوا إستثناءًا،هم أيضًا إلى الغروب منتهون..
***

وكأن أصواتُ الكونِ أجمّع..

تُنصب الانَ في ثقوبِ رأسيّ..

شُتات، رهبه، قلق، أرقٌ وندّم..

ضّجيجٌ لا يحتمِل العقلُ إستيعابُهُ..

أحتاجُ إلىَ ألفَ تعويذةٍ تُرتل فوقَ رأسيّ..

لـ تُخرِس ذلكَ الضّجيّج ولو قليلًا..

فقد شارفتُ علىَ الإنفِجار.

~~~

>خاطرة بقلم حوراء علي<
******
~روما~

لقد مر شهر لكن أشعر وكأنها سنوات طوال تلك التي مرت بعد وفاة والدي..
شهر مر كالجحيم المستعر عليّ..
شهر مر وأنا غارقة في الوحدة والحزن والإكتئاب..
القصر الذي أعيش به أوسع من منزلي القديم بأضعاف،ويمتاز بإطلالة ساحرة على البحر وهو شيء كنت لا أملكه في منزل والدي..هناك خدم أكثر مما كان لديّ من قبل،وهناك سيارات أحدث وأكثر مما كنت أملك وجميعها تحت إمرتي،وهناك أشخاص مستعدون للقيام بأي شيء قد أطلبه..
في الماضي كنت لأسعد بإمتلاكي كل هذا..
بل إني حاليًا لو امتلكت نصف المتاح لي بوجودي تحت حماية الدون لربما رحل عني الحزن والإكتئاب..
لكني لست كذلك،والسبب ببساطة أني لا أمتلك أيًا من تلك الرفاهيات..
منزل والدي كان أصغر من هذا القصر لكنه كان ملكي..
كان لديّ سيارة واحدة أقل حداثة من سيارات الدون لكنها كانت ملكي..
حياتي في منزل والدي كانت ملكي والآن لم تعد..
كانت تلك الجملة تختصر كل حالتي..
أنا لم أعد حرة!
أنا لم أعد أملك..أنا مُمتلَكة..
وفوق كل هذا أنا وحيدة..
أنا مرتعبة ولا يمكنني التفكير بأي شيء عدا والدي..
أتسائل كل لحظة كيف كانت أيامه الاخيرة؟!المحامي الوغد أخبرني أن والدي علم منذ ما يزيد عن ثلاثة أشهر بأن الإفلاس هو مصيره،وقد كان خائفًا من اللحظة التي سيخبرني بها بتلك الحقيقة..
إرتعبت لفترة أن أتسائل حتى بيني وبين نفسي إن كان هذا ما قتله..
لم أحاول أن أطرح الفكرة على عقلي حتى فقد كنت أعاني بالفعل من آلام الحمى التي تبعت نومتي بجوار قبر والدي ثم إفاقتي على حقيقة أن أيًا مما أصابني ليس حلمًا!.
لم يكن ينقصني ذنبًا آخر لأحمله لذا تجنبت قدر استطاعتي طرح ذلك السؤال قبل أن يتملكني اليأس والإحباط في النهاية ويغرقاني ببئر عميق لا نهاية له..
عندها أنا لم أطرح السؤال وحسب بل أنا أخذتها كحقيقة راسخة!
أبي مات خوفًا من إخباري بحقيقة أننا أفلسنا..
لم يتحمل حقيقة أنه سيطلب مني ترك كل أغراضي والتخلي عن الرفاهية التي كنت أعيش مُنعمة بها..
أبي أصيب بتلك السكتة القلبية ليس بسبب إفلاسه بل لأنه خاف من ردة فعلي..
وأنا روما القاسية..لم ولن أكون أبدًا مثالية..
أعلم أني أنانية وغبية ومدللة..وقد اعترفت أني بالفعل كنت سأغضب وأثور وربما أخاصمه وأحمله المسئولية للمتبقي من عمري..لكن بداخلي أتى صوته يدافع عني أمام نفسي اللائمة..سمعت والدي يخبرني أن السبب هو كوني لم أتخيل تركه لي ووفاته..
وأنا بالفعل لم أتخيل بحياتي أن أبي سيموت ويتركني..
وإن خيرني أحد بين الثروة ووالدي كنت سأختاره دون تفكير..
الندم كان ينهشني..
ليتني انتظرت تلك الليلة واستمعت له..
ليته أخبرني بشعوره بالخوف من ردة فعلي..
ليته أخبرني أنه سيموت لو لم أتقبل حقيقة وضعنا الجديد..
ليتني لم أخرج ليلتها وأخبرته بأني أحبه وأريده أن يبقى معي وحسب..
ليته سمع تضرعي البارحة للسماء أن تعيده لي أو تأخذني إليه بأي مقابل..
أغمضت عيناي لأتمالك نفسي وحاولت ألا أبكي مجددًا..
كنت أجلس بالشرفة المطلة على البحر داخل غرفتي التي كانت ملجأي الوحيد من كل ما أقاسيه وأعانيه..الحياة خارج هذا المنزل مخيفة والحياة بداخله مؤلمة..
داخل المنزل الجميع يتجاهلني،فقد ترددت شائعات بأني حبيبة الدون وهذا هو السبب الذي يجعله يبقيني بقصره..وأنا لم أهتم،ليس لأني لم أخف أو أتضايق،فالحقيقة أني شعرت بالضيق من همساتهم التي لا تتوقف واتهاماتهم،والحقيقة أيضًا أني مرتعبة من الدون وأحاول تجنب الحديث أو الإحتكاك به..
لطالما ارتعبت من الدون وتجنبت التواجد بمكانٍ واحدٍ معه،والآن ها أنا أقيم بقصره..
صحيحٌ أنه مشكورًا وبسبب انشغاله خلال الفترة الماضية لم يقِم كثيرًا بمنزله،لكن وجودي بقصره مرعبٌ كفاية حتى ولو لم يكن معي..
الأيام الماضية أكدت لي أن شخصًا ما قد لعنني بالتأكيد.
وبالعودة للسبب بصمتي على همسات الجميع من حولي وتجاهلها،كان أني ببساطة لا أملك حلًا آخر سوى صم أذناي عن أقاويلهم..
الأمر ببساطة أني لا أملك بيتًا أو ملجئًا آخر لأذهب له..
خرجت من أفكاري المظلمة لأخرى أشد ظلمة ما أن رن هاتفي برقم ماريتا،فطالعته بصمت متذكرة الحياة خارج هذا البيت..قبل بضعة أيام أقنعتني ماريتا بالخروج معها والذهاب للتسوق،وللأسف وافقت لأعود بعدها بإحباط ويأس يملؤ صدري..
في الماضي كان التسوق هو وسيلتي لتغيير مزاجي..أخرج من البيت وأقضي ساعات بين متاجر الثياب والعطور ومستحضرات التجميل،ثم أعود للمنزل حاملةً عشرات الحقائب مع إبتسامة سعيدة وبهجة تملؤ صدري..
أما الآن فلا بطاقة ائتمان ولا مال يعني أني لن أشتري أي شيء،ويعني أيضًا أن التسوق لم يعد وسيلة للإستمتاع،بل وسيلة للتعذيب وتمريغ ما تبقى من كبريائي الجريح.
الدون لم يعرض عليّ منحي أي مال وأنا ما كنت لأطلب،يكفيني أني أقيم بمنزله..وقد كنت غبية كالعادة لعدم رؤيتي لتلك الحقيقة والتفكير بالمترتب عليها قبل الخروج من المنزل..
يومها استمرت ماريتا بتقليب الثياب والشراء بينما أنا أطالعها وأمنحها رأيي مُحاولة ألا أظهر لها ضيقي فلا ذنب لها في النهاية..
ماريتا كانت الوحيدة التي تحاول التخفيف عني ومساندتي فعلًا،وقد عرضت على استحياء أن أترك منزل الدون وأقيم معها،ليس لأنها لا ترغب قد عرضت بخوف..الأمر فقط أنها ترتعب من الدون مثلي ولا تريد استفزازه لو علم أنها تحاول إخراجي من قصره قبل أن يأمر هو بهذا.
فأنا لستُ غبية..حمقاء ومتهورة وبائسة ربما،لكني للأسف لستُ غبية وقد فهمت أن عليّ مغادرة هذا القصر في النهاية عندما ينتهي كرم الدون.
وماريتا قد فهمت هذا أيضًا،وأنا أخبرتها أني إذا لم أعثر على حل سأضطر للإقامة معها لبضعة أيام بعد طردي من منزل الدون،وبعدها أغلقنا الموضوع ولم نتحدث به.
فيما بعد اتجهنا لمطعم لنتناول الطعام مع أصدقائنا أو لنقل مجموعة الأفراد القائمين الذين ظننتهم أصدقائي فيما مضى..
بهذا اليوم أفقت على صفعة زيف علاقتي بجميع المحيطين بي عدا ماريتا بالطبع.
صديقاتي من الفتيات جميعهن كن شامتات من وضعي الجديد،ولم يتوقفن عن تذكيري به وسؤالي عما سأفعله لحل تلك المشاكل التي تحيط بي بطريقة ساخرة ومهينة رغم علمهن بأني لا أملك أي حل،ورغم علمهن أني أتألم من أحاديثهم.
أما أصدقائي الشبان ورغم أن بعضهم بالفعل يرافق فتيات من مجموعتنا،إلا أنهم جميعًا بلا استثناء عرضوا عليّ أن يستأجروا لي شقة مقابل ممارسة الجنس معي وقتما أرادوا.
الجميع يسعى لحصد الجائزة سواء كان بإهانتها أو نيل عذريتها وتمريغ كرامتها وكسر أنفها المتغطرس.
لطالما أظهرت جمالي وسعدت به..هذا ما علمني إياه أبي،أن أكون دومًا فخورة بما أنا عليه..
لكني الآن أتمنى الإختفاء والإبتعاد..
لقد كرهت جمالي وحياتي وتمنيت أن أتلاشى..
أخبرني أبي أن أكون فخورة دومًا بكوني فتاة جميلة وألا أخجل من نفسي أبدًا،لكني لستُ فخورة بنفسي الآن..ربما لو كنت فتاة عادية لتركني الجميع وشأني.
أغلقت الهاتف وقررت أني لن أغادر غرفتي اليوم لأعود مساءًا أبكي ما أصابني طيلة النهار كما حدث ذلك اليوم..أُفضل تحمل همسات الخدم بالقصر عوضًا عن هذا.

حين تسقط روماحيث تعيش القصص. اكتشف الآن