أصوات الزغاريد تملأ المكان، السيدات يرقصن بفرحة كبيرة..
ويغنون الأغاني الشعبية بحماس شديد، ولكن..
لا أحد ينظر لتلك المسكينة، الجالسة بوسط هؤلاء النساء جميعًا بفستان زفافها..
هي..
مجرد فتاة، بلغت عامها الثامن عشر منذ أيام..
قرر والدها أن يزوجها لشخص لا تعرفه من الصعيد، غير عابئًا برفضها التام ورفض والدتها لما يريد، شعرت "ورد" أن حياتها على وشك أن تنتهي..
فقط لوجود بعض المشاكل بين عائلتها وعائلة ذلك الشخص، سيضحون بها لتصبح هي الشيء الذي يتم الصُلح به..
فهي سوف تترك كل ما تُحب، سوف تترك أصدقائها ووالدتها...
لتصبح مسؤولة عن شخص لم تراه سوى مرة واحده، وبتلك المرة رأت القسوة بعينيه..
رأت ملامحه الحادة وعيونه التي تنم نظراتها على برودة مشاعره..
ولكنها رأت بعض الحب مُختبئ بين القسوة التي يظرها، لا تعلم ماذا حدث لكنها دلفت لغرفتها باكية على ما يحدث لها..
لم تدعه يراها بأي مرة أتى بها لمنزلهم،
فاقت من شرودها على صوت والدتها مخبرة إياها أن زوجها ينتظرها بالخارج ليذهبوا إلى منزلهما، نهضت "ورد" من موضعها وهي تريد أن تسقط على الأرض باكية وتسأل والدها لِمَ كل هذا!؟
لِمَ لا يراها سوى مجرد سلعة!؟
نزلت حيث مكان وقوف "زيدان" زوجها، نظر إليها بصدمة ظهرت بوضوح على وجهه..
هل استجاب ربه دعواته!؟
اقترب منها "زيدان" وهو يشعر أنه مسحورًا من جمالها..
هل حقًا ستصبح زوجته!؟
هل حقًا ستكون بين يديه!؟
اقترب منها ببطئٍ شديد وقد شعر بغصة مؤلمة وهو يشاهد ذلك الخوف الذي ظاهر بحدقتي عينيها، وهمس لها بإذها قائلًا:
_ واضح إن دعواتي كل ليلة لربنا مراحتش هدر، مبروك عليا أنتِ يا وَردتي..
ثم ابتعد وهو يشاهد تلك الصدمة المرتسمة على وجهها، والتساؤلات العديد التي بعينيها..
وأمسك كفها بين يديه بتملك شديد، جالسين بسيارته الفارهه ذاهبين إلى منزلهما وسط فرحة أهلهم الشديدة لهما..
أردف "زيدان" بهدوء قائلًا:
_ عارف إنك مغصوبة عليا، وعارف إنك بتفكري وبتقولي مين ده اللي هتجوزه وأنا معرفش عنه حاجه، بس يمكن يمكن يعني ربنا يحببك فيا وتحبيني زي مانا بحبك كده..
وهتقوليلي حبتني إمتى هو أنت كنت تعرفني ولا شوفتني!؟
هقولك هتعرفي كل حاجه في الوقت المناسب يا وَردتي...
ولم يتفوه بحرف آخر ولم ينتظر منها أي رد على حديثه، فهو على علمٍ تام بمشاعرها المختلطة حاليًا....
وجدت "وَرد" السيارة تتوقف أمام ڤيلا ضخمة للغاية، مُحاطة بالأشجار من كل مكان، وهناك حُراس واقفين يحرسونها مرتدين بذلات سوداء..
أردف "زيدان" بهدوء قائلًا:
_يلا يا وردتي انزلي..
التفتت له ناظرة له بتعجب من ياء الملكية التي وضعها بإسمها، ولكنها لم تطيل النظر إليه بسبب خوفها منه ومن ملامحه الحاده..
ونزلت من السيارة وهي تنظر للڤيلا وللحديقة التي بجانبها كأنها طفلة بيومها الأول تستكشف العالم من حولِها، نمت بسمة على شفتيها عندما رأت زهور الياسمين والفُل بالحديقة..
فاقت من شرودها على قبضة "زيدان" التي شعرت بها تُمسك يدها بتملك شديد، ودلف كلاهما إلى المنزل وعندما رأته من الداخل ابتسمت بإنبهار وهي ترى كم اللوحات والتُحف جميلة الشكل والمظهر، يبدو أن زوجها يتمتع بذوقٍ رائع..
أردف ببسمة بسيطة ونبرة لطيفة للغاية قائلًا:
_عجبك البيت يا ورد!؟
أومأت له بالموافقة وعينيها تتجول بالمنزل مُستكشفة إياه..
حملها بين يديه على غفلة، صدرت منها شهقة عالية مِن فعلته تلك، ونظرت له بعيون مصدومة وهي تقول بخجل شديد:
_ لو سمحت نزلني كده مينفعش..
لم يرد "زيدان" عليها وصعد بها إلى غرفتهما، وأنزلها أمام الباب، قائلًا بحب:
_ كل هدومك جوا غيري والبسي إسدال علشان نصلي سوا، يلا هستناكي..
أومأت له "ورد" موافقة وبدلت ملابسها مرتدية إسدال الصلاة..
وقفت أمام المرآة وهي تمشط شعرها الطويل الذي يمتلك لون كالبندق..
أردفت محدثة نفسها وهي تقول:
_هو ليه بيعاملني حلو كده!؟
إزاي بيقولي ربنا استجاب دعائي وهو أصلًا أول مرة يشوفني النهاردة..
إيه الحيرة دي بقى..
بس ده الفرق بيني وبينه كبير أوي، اتناشر سنة مش قليلين برضو..
بس مش يمكن يا ورد ده اللي يعوضك عن كل حاجه وحشة شوفتيها، قسوة أبوكي وضربة ليكِ وكل ده يمكن يكون هو فعلًا العوض..
ربنا يستر ومتكونش المعاملة الحلوة دي مقتصرة على النهاردة بس..
ثم تنهدت بتعب ولمت خصلاتها على شكل كعكة وارتدت حجابها ونادت على زوجها حتى يصلوا سويًا، دلف "زيدان" للغرفة بعد أن أبدل ملابسه لأخرى بيتيه مريحة..
وبدأ الصلاة وبدأت معها حياة جديدة لشخصين تقابلا صدفة، ولكن تلك الصدفة هي التي قلبت حياة "زيدان" رأسًا على عقب، وجعلته عاشق ولهان، لا ينام الليل من كثرة تفكيره بتلك الجميلة صاحبة العيون السماوية..
كيف لها أن تكون بكل هذه الرقة وتمتلك هذا القدر من الجمال!!؟
تلك المجهولة التي رآها وهي بحديقة قصر عائلة آل السيوفي، تقطف أزهار الياسمين وهي تبتسم بسمة سحرت قلبه جعلته مجنون بها، واقعًا بهواها، متيمًا بها.. لقد تخطى جنونه بها جنون قيس بن الملوح بمحبوبته ليلى..
فلقد أضحى يراقبها بكل مكان تذهب إليه، حتى أنه صار على عِلم تام بكل ما يخصها..
انتهى كلاهما من الصلاة، نظر "زيدان" إليها كالمسحور الذي أُلقت عليه لعنة جعلته غير قادر على عدم النظر إليها..
أردف قائلًا بهيامٍ شديد وعيون تتفرس بها وبوجهها:
_أنيري مَكَانَ البَدرِ إِن أَفَلَ البَدرُ وقومي مقام الشمس ما استَأْخَرَ الفَجرُ..
ابتسمت "ورد" بخجلٍ شديد وهي تنظر إلى الأرض غير قادرة على النظر بعيونه، وأردفت بخفوت:
_ دي قصيدة قيس بن الملوح أو "مجنون ليلى" لحبيبته ليلى صح!؟
ابتسم الآخر لها وأومأ برأسه موافقًا وهو يقول:
_أيوا فعلًا مجنون ليلى هو اللي قال بيت الشعر ده، بس اللي بيقوله دلوقتي هو مجنون ورد مش مجنون ليلى..
توردت وجنتيها بشدة، ناظرة للأرض بخجلٍ شديد فهي غير قادرة على وضع عينيها بعينيه...
أمسك "زيدان" بكفيها مُقبلًا إياهم بعشق شديد، ناظرًا لعينيها بعمق..
وأردف بهدوء قائلًا:
_ بصي يا ورد، أنا عارف إنك متلغطبة وحاسة بحجات كتيرة ومستغربة كل اللي بيحصل..
بس اللي أقدر أقولهولك إني بحبك ومحبتش حد غيرك في حياتي، أنتِ بقيتي شاغلة كل تفكيري يا ورد..
ممكن تستغربي إني إزاي باين عليا كل الشدة دي وبقولك الكلام ده، بس أنا كنت مستني أشوفك تاني علشان أقولك كل اللي أنا بقوله دلوقتي ده..
ويلا بقى ننام علشان خاطر مبحبش السهر أنا..
ونام كلاهما على السرير وهي بين أحضانه تشعر بمشاعر كثيرة بداخلها..
صدمة، خجل، قلق، فرحة..
كل تلك المشاعر مبعثرة بداخلها..
لحظات ونامت بسكينة بين أحضانه، غير عابئة بأي شيء من حولها..
عندما شعر "زيدان" بأنفاسها التي انتظمت شدد عليها بأحضانه مُلثمًا جبهتها بعمقٍ شديد، ولحظات وذهب هو الآخر بنومٍ عميق..
_______________________
استيقظت "ورد" من نومها، ونظرت لزيدان وهو نائم، يبدو بغاية اللطافة وهو نائم..
ابتسمت دون أن تشعر وهي تنظر لملامحه الرجولية التي أحبتها، ثم نهضت من موضعها وبعد لحظات كانت واقفة بالمطبخ تحضر الفطور لزوجها...
كانت واقفة وشعرها منسدل على ظهرها، وهي ترتدي فستان بيتي باللون الأزرق السماوي..
مما جعلها فاتنة للغاية..
فتح "زيدان" عينيه ونظر حوله، لم يجد "ورد" بجانبه، تعجب بشدة فأين يمكن أن تكون ذهبت!؟
نهض من موضعه نازلًا للأسفل، ووجد تلك الحورية الفاتنة تُحضر طاولة الطعام..
نظر إليها مسحورًا مفتونًا بجمالها الأخاذ، تلك الفاتنة هي زوجته التي يذوب بها عشقًا..
همس "زيدان" لنفسه قائلًا:
_هي إزاي حلوة كده!؟
ثم اقترب منها بهدوء وهو يقول بابتسامة:
_ صباح الورد يا ورد..
نظرت إليه "ورد" بابتسامة هي الأخرى ولكنها كانت متوترة للغاية، فهي ليست معتادة على هذا الغزل..
ولكنها لم تعتاد إلا على إهانة والدها لها، وضربة المبرح لها ولوالدتها..
لم تجد من يكن حنون عليها، لم تجد سوى القسوة فقط..
أردفت بهدوء:
_ صباح النور يا زيدان..
أنا نزلت عملت الفطار وأنت نايم..
تحب احطه دلوقتي!؟
أومأ لها موافقًا بهدوء..
فدلفت للمطبخ وأحضرت الطعام..
جلسوا سويًا وقبل أن يفعلوا أي شيء رن جرس الباب..
نهض "زيدان" ليفتح بينما "ورد" وضعت حجاب على رأسها..
فتح "زيدان" الباب لترى ورد فتاة ذات جسد فاتن وشعر أشقر ترتمي بأحضان زوجها وهي تصرخ من الفرحة، وهو أيضًا ظهرت عليه الفرحة الشديدة وهو يعانقها..
شعرت "ورد" بالدموع تتجمع بمقتليها، وأنفاسها أصبحت بطيئة، نظرت إليهما بصدمة وهي تقول:
_أنتِ مين!؟
وإزاي تحضني جوزي كده!!
نظرت إليها تلك الفتاة قائلة بخبث:
_ أنا مراته هو مقالكيش إنه متجوز قبلك!؟
أنت تقرأ
وَرد
Romanceتزوجته رغمًا عنها دون أن تعلم أنه مُتيمٌ بها وعاشقٌ لها، فكيف ستكون ردة فعلها عندما تعلم بعشقه!؟