الفصل الثاني

1.3K 47 3
                                    

كان "زيدان" يلعن "فاطمة" شقيقته بداخله، فـ"ورد" كانت تنظر إليه بحزن شديد والدموع تتلألأ بعينيها..
كانت تشعر بالخذلان الكبير ناحيته، فهي قد شعرت بالإطمئنان ناحيته ولكنه قد أتى وهدم هذا الشعور الذي نمى بداخلها..
أردفت "ورد" قائلة بخفوت وهي تنظر نحو "زيدان":
_ كنت قولتلي طيب بدل ما تحسسني اني أنا الوحيدة اللي أنت حبيتها وبعدين تطلع متجوز وحبيت قبلي ولسة بتحبها، ربنا يخليكم لبعض يا زيدان..
ثم ركضت صاعدة لغرفتها وهي تبكي بصوتٍ عالي...
نظر "زيدان" لـ"فاطمة" بعتاب شديد، فهي قد هدمت كل ما حاول بنائه بالليلة الماضية، كيف سيجعل زوجته تغفر له تلك المزحة السخيفة التي قالتها شقيقته!؟
أردف بعتاب قائلًا:
_ يا فاطمة يعني هو ده هزار!؟
أنا من امبارح بالليل بحاول أقولها أي كلمتين حلوين عشان تلين من ناحيتي أنتِ بوظتي كل حاجه!
حَزِنت "فاطمة" بشدة بسبب ما حدث بدون قصد منها، فهي كانت تريد أن تمزح فقط، ولكن يبدو أنها قد تمادت قليلًا..
أردفت بحزن وندم قائلة:
_ أنا آسفة يا زيدان والله كنت بهزر بس، طيب أطلع صالحها وهي أكيد هتفهم إني كنت بهزر وأنا مش همشي غير لما أصالحها أنا كمان...
أومأ لها "زيدان" وصعد للغرفة حتى يراضي زوجته بعد ما حدث، طرق على باب الغرفة ثم دلف ووجدها متكومة على نفسها بالفراش باكية بشدة بكاء فتت قلبه لقطع صغيرة..
جلس بجانبها على الفراش، وأردف:
_ورد، بطلي عياط فاطمة كانت بتهزر والله العظيم دي أختي في الرضاعة بس هي هزارها غلس.
نظرت إليه وقد ظهرت عينيها الحمراء، وشفتيها التي ترتجف بشدة، ثم مسحت دموعها بأطراف أصابعها..
وقالت بشك:
_ وأنا إيه يخليني أثق فيك وأصدق كلامك!؟
جذبها "زيدان" لتصبح مُستقرة بين أحضانه، ومسح الباقي من دموعها من على وجنتيها، ملثمًا وجنتيها ببطئ ودفئ شديدين..
وقال:
_علشان أنا عمري ما حبيت ولا هحب غيرك يا ورد، عمر ما ده، وأشار ناحية فؤاده، حب غيرك يا وردة حياتي، عمره ما حب ولا هيحب غيرك!!
أنتِ اللي ملكتيه وسكنتيه، أنتِ اللي عايشة جواه..
ثقي في حبي ليكِ وخليكِ عارفة إني عمري ما حبيت غيرك يا وردتي..
دفنت "ورد" رأسها بصدره خجلة من حديثه، وأردفت بهدوء قائلة:
_قول لأختك متهزرش معايا كده تاني أنا مش بحب الهزار ده..
وأنت كمان بطل تقول كلامك ده أنا مش بعرف أرد على الكلام الحلو..
ضحك بصخب على ما تقوله، فصغيرته تخجل منه وبشدة، لثم جبينها بقبلة دافئة، ثم أردف بحنو قائلًا:
_طيب يلا ننزل عشان فاطمة حالفة ما تمشي غير أما تصالحك..
أومأت له بالموافقة ونزلوا سويًا إلى الأسفل، وما أن رأتها "فاطمة" حتى ركضت إليها آخذة إياها بين أحضانها وهي تقول بإعتذار:
_ حقك عليا يا ورد والله كنت بهزر بس مكنش قصدي أزعلك كده، وبعدين لعلمك أصلًا الواد ده لو فكر بس إنه يتجوز عليكِ هشرحهولك..
ضحكت "ورد" بخفة وأردفت:
_حصل خير يا بطة..
أردف "زيدان" قائلًا:
_يلا طيب علشان نفطر سوا، ورد محضرة فطار جميل زيها..
وجلسوا سويًا يتناولوا طعام الفطور، وزيدان يغازل "ورد" كل دقيقة..
________________
باليوم التالي، كانت "ورد" جالسة بين أحضان زوجها، ووجدوا طرق عنيف على باب المنزل، أخبرها "زيدان" أن تدلف للغرفة وترتدي حجابها حتى يعلم من ذلك الذي أتى لرؤيتهم..
فتح "زيدان" البحب ووجد "جاسم" والد "ورد واقف بالخارج ومعه "نرجس" والدة "ورد"، أردف قائلًا بترحيب:
_اتفضل يا عمي اتفضلي يا حماتي، معلش مكنتش أعرف انكم جايين..
دلفوا جميعًا إلى المنزل جالسين بالصالون، أردف"جاسم" قائلًا:
_أمال ورد فين!؟
دلفت "ورد" للغرفة راكضة لأحضان أمها الحبيبة وهي تبكي:
_وحشتيني اوي يا ماما وحشتيني أوي.
اليومين دول كانو وحشين أوي مش عارفة هكمل حياتي من غيرك إزاي.
أردف "زيدان"
_يا ورد يا حبيبتي هو أنا بطفي سجاير في قفاكِ!؟
والله هوديكِ هناك عند حماتي كل أسبوع متقلقيش
ضحكت "ورد" بخفوت قائلة:
_ ياريت علشان أنا مقدرش أستغنى عنها..
حمحم "جاسم" بخفوت وأردف:
_وأبوكِ موحشكيش يا ورد!؟
للحظة ارتجفت يديها وتوترت بشدة، دقات قلبها تدق بعنفٍ شديد، هل حقًا يريدها أن تشتاق له!؟
وهو من كان يعذبها طيلة حياتها.
أردفت "ورد" بخفوت:
_لا طبعًا يا بابا وحشتني.
فتح لها ذراعيه قائلًا:
طيب تعالي في حضني.
ذهبت "ورد" لأحضانه بتردد شديد، وهي تحاول أن تشعر بالأمان لكنها لا تستطيع، فهو من جعلها غير قادرة على الثقة به، هو السبب بكل ما حدث..
كانت "نرجس" تراقبهما بقلبٍ مفطور، فهي تعلم أن "جاسم" يحب ابنته، ولكنه قد عبر عن ذلك الحب بكل الطرق الخاطئة..
فورد لم تعرف بعمرها ما هو حنان الأب، وما شعور الدفئ بين أحضانه..
أردف "زيدان" ببسمة قائلًا:
_اقعدوا اتغدوا معانا بقى..
ابتسم "جاسم" وأومأ برأسه موافقًا وهو يقول:
_مفيش مشكلة يا زيدان، بس عن اذنكم علشان عايز أقعد مع ورد شوية وعايزها في كلمتين.
وخرج من الغرفة وابنته بجانبه، أخذها إلى الحديقة جالسين على الأرض الخضراء وسط الورود متنوعة الألوان..
أردف "جاسم" بهدوء:
_ عارف إنك بتكرهيني، وعارف إني مكنتش الأب اللي أنتِ بتتمنيه من الدنيا.
كنت فاكر إنك لما تتجوزي مش هتوحشيني، بس تصدقي بالله، أنا معرفتش أنام اليومين اللي فاتوا، فكرة إن بنتي اللي هي حتة مني مش معايا في بيتي وجعاني..
كنت مستنيكِ لما تشوفيني تترمي في حضني زي ما عملتي مع نرجس..
كنت متأكد إني بقسوتي بربيكي وبخليكِ أحسن.
مكنتش أعرف إن قسوتي دي خلقت ما بينا فجوة، فجوة أنا مش عارف هتتسد إزاي..
هل يريدها أن تسامحه على ما فعله بها!؟
وهي من سيداوي جروحها التي خلقها هو بيده، تلك الكدمات الزرقاء التي كانت تزين جسدها كل ليلة بسببه، غيرتها من صديقاتها الذين يتمتعون بأب حنون ومُحب لهم، من سيمحي من ذاكرتها كل تلك الذكريات السوداء!؟
لثم والدها جبينها بقبلة عميقة، وهو يأخذها بين أحضانه، ويقول:
_أنتِ حتة مني يا ورد، أنتِ كلك أنا، طباعك كلها مني، بس خدتي حلاوة أمك كلها، وملامحها كلها..
سامحيني يا ورد، أنا غلطت في حقك كتير..
كانت "ورد" تسمعه وهي تبكي بعنف شديد، إذًا والدها يحبها كل هذا الحب، والدها يحبها حقًا!!
لم تكن تتخيل أنها ستسمع تلك الكلمات من والدها يومٍ ما، فهو يظهر للكل رجل قاسي متحجر القلب لا يلين أبدًا..
ارتمت "ورد" بأحضانه، وهي تشهق بعنف من البكاء وهي تقول:
_مسمحاك يا بابا مسمحاك والله العظيم، خلاص اللي حصل حصل المهم خلينا في دلوقتي أنا والله مسمحاك.
ابتسم لها والدها، وهو يربت عليها بحنو..
مر اليوم بسرعة شديدة، كانت ورد طيلة الوقت بين أحضان والدها مما جعل "زيدان" يتذمر بشدة بسبب غيرته عليها، بعدما ذهب والديها من المنزل أخبر "زيدان" ورد أنه سيجلس مع أصدقائة لبضع ساعات، فوافقت وأخبرته أنها ستنام حتى يأتي حتى لا تشعر بالوحدة بغيابه..
________________________

كان "زيدان" جالس وسط ثلاثة من أصدقائه، بمنزل "هاشم" صديقه، أردف "هاشم" بخبث شديد قائلًا:
_ألا قولي يا زيزو هو إيه اللي حصل بينك وبين المدام ليلة دخلتكم!؟
أردف "زيدان" باقتضاب وهو يشرب كوب العصير الذي بيده قائلًا:
_وأنت مالك يا هاشم!؟
حاجه متخصكش.
ضحك "حازم" عاليًا وهو يقول:
_يبقى شكلك معملتش حاجه يا نجم، أخس عليك يا زيزو ده أنت ميبانش عليك خالص.
رمى "زيدان" الكوب الذي بيده مهشمًا إياه على الأرض بعنفٍ شديد وهو يقول بعصبية:
_ حاجه متخصكوش قولتلك!!
خليكم في حالكم، ولا أقولك، أنا اللي ماشي وأنا غلطان إني سيبت مراتي وجيت..
ونهض من موضعه قاصدًا باب المنزل ليخرج، فركض إليه "أدهم" وهو يقول:
_خلاص يا زيدان أنت عارف هزارهم تقيل متبوظش القعدة بقى يا جدع، ونظر لـ"هاشم" و"حازم" قائلًا بتحذير:
_اللي هيتكلم معاه كلمة رد فعلي مش هيعجبه، وانتوا عارفين قلبتي كويس أوي!
أردف "هاشم" بسخرية:
_ الحق علينا والله خايفين عليه، وبعدين يا بابا أدهم أظن اللي أنت بتدافع عنه ده يعرف ياخد حقه، لو إحنا زعلناه مش هيستناك تيجي تدافع عنه.
اقترب "زيدان" منه وعينيه تقطر شرًا، ولكمه بعنف حتى سالت دماءه من أنفه، ثم جلس مكانه بهدوء غير عابئًا بهم.
ابتسم "هاشم" بخبث ولاحظ "أدهم" تلك البسمة، ورأى "هاشم" وهو ينهض ذاهبًا لغرفته ثم عاد بعلبة صغيرة بيده، يبدو أن بها بعض السجائر.
ولكن لما ذهب إلى غرفته خصيصًا ليحضر بعض من تلك اللفافات!؟
مد "هاشم" يده بواحده لـ"زيدان" وهو يقول بخبث:
_خد دي هتريحك خالص دي من أعشاب طبيعيه يا زيزو متقلقش.
نظر إليه "زيدان" بشك وقال:
_لا شكرًا مش عايز.
غمز "هاشم" لـ"حازم" ففهم الآخر مقصده ومد هو يده بها لـ"زيدان" وهو يقول:
_ إيه يا زيزو هو هاشم هيضرك برضو، يا عم خدها أنا بشربها لما أحب أهدي أعصابي.
ثم أشعلها ووضعها بين يدي "زيدان" عنوة وهو يقول:
_خدلك نفسين يا زيزو مش هيجرى حاجه..
نظر "زيدان" لتلك اللفافة غريبة الشكل بتخبط، ثم وضعها بين شفتيه ساحبًا منها نفسًا طويلًا، وأخرج كمية كبيرة من الدخان من فمه وأنفه.
لحظات وشعر "زيدان" أنه بحاجة إلى أحضان زوجته الدافئه، ولكنه محى هذا الشعور بسرعة.
حاول "أدهم" سحب تلك اللفافة من بين أصابع رفيق عمره وهو يقول:
_خلاص يا زيدان خدت النفسين وريحت نفسك!؟
هات بقى البتاعة دي.
هز "زيدان" رأسه بـلا وهو يأخذ نفسًا يليه الآخر، حتى أصبح يرى نفسه وهو بين أحضان زوجته متخيلًا كرزتيها الشهيتين وعينيها البنية التي يعشقها!
وبعد نصف ساعة كان وصل إشتياقه لزوجته إلى آخره فاستأذن منهم وذهب سريعًا لبيته، صاعدًا على سلالم المنزل بسرعة كبيرة..
حتى وصل لغرفته هو وصغيرته، وما أن رآها حتى ذهب إليها سريعًا وهو يقول:
_ورد، إصحي يا ورد، يا ورد..
استيقظت من النوم ناظرة له بتعجب وهي تقول:
_ في إيه يا زيدان!؟
جذبها ناحيته ملثمًا شفتيها بقبلة عميقة أظهر بها اشتياقه الشديد لها، وعشقه وولهه بها.
ابتعد عنها وهو ينظر لعينيها قائلًا:
_آسف لو ده هيبقى غصب عنك، بس بجد أنا مش هقدر استحمل بعدي عنك أكتر من كده.
ومزق ملابسها بعنف شديد تحت صراخها به أن يتوقف، وتم زواجهما تحت صرخاتها وبكائها الذي لم يتوقف طيلة الليل..
استيقظ "زيدان" من نومه صباح اليوم التالي ناظرًا حوله بتعجب، فهو لا يتذكر سوى أنه أخذ تلك اللفافة من صديقه فقط!
وجد ملابس روح ممزقة ومبعثرة على السرير والأرض، وورد بجانبه تضم أرجلها لصدرها ناظرة للفراغ وهي تقول:
_طلقني يا زيدان!

وَردحيث تعيش القصص. اكتشف الآن