الفصل السادس: صوت القلب

3.4K 297 16
                                    

بدأ اليوم الجديد عند توينكل براون بطريقة ساحرة، رفعت جسدها عن الفراش ضاحكة و هي تتذكر ليلة أمس، حتى أنها رقصت و دارت كطفلة في الغرفة، ثم ركضت نحو الشمس المتسللة من الشرفة معانقة أشعتها الدافئة، و هي تتمتم بحبور: "حسنا اليوم يمكنك أن تلمسي قلبي كما يفعل الحب!"، و شعرت أن ذلك القلب النابض في جوفها سيتوقف عندما رأت خوان يقف في الحديقة مديرا لها ظهره ينظر باتجاه الشمس.
بدا لها دي غونزاليس العازف مختلفا، كشخص في حالة تواصل عميقة بالكون، يتأمل الفراغ، يحرس الأفق أو يدرس اللاشيء! لاحظت أنه يرتدي بدل بدلاته الرسمية قميصا بسيطا و بنطال جينز لوحته الشمس، و رغم انها لم تر وجهه، إلا أنه كان جميلا جدا حتى في تلك الثياب العادية.
و كأن خوان شعر بوجود شمس أخرى، و بنظرات هائمة قد مشطته طويلا، التفت فجأة ناظرا لأعلى، إلى شرفتها! حيث تقف تلميذته في ثوبها الرقيق الأبيض و حول وجهها المتألق تسبح جدائل نحاس مجعدة طويلة محترقة بنيران الشمس الخفية! لسبب غريب لم ينظر إليها خوان كتلميذة، بل كأميرة تنتظر على شرفة قصرها بلهفة رجلا يدندن من أجلها أغنية الحب، و لسبب أغرب لم تتحرك توينكل من مكانها، بل حاربت رغبتها في الهرب خجلا، معتقدة أنها هكذا تثبت له تغيرها من سلحفاة جبانة متقوقعة... إلى عصفورة لا تهاب التحليق عاليا!
لكن في الحقيقة ما كان يشدها للوقوف أمامه إلى الأبد... شيء آخر، إنه الحب، الشعور الجميل الذي راح يكبر و يمتد داخلها دون أن تدري كيف تتعامل معه، غير أنها كانت ترغب باتباع طريقه، خوان نفسه علمها ألا تخفي مشاعرها، ألا تعيش عمرها في الظل. الحب جميل جدا، و يحق لها أن تلمسه و لو لمرة واحدة!
تشكَّلت على ثغرها ابتسامة واسعة زادت جماله في نظر خوان، فأطلق أنفاسه التي كان يحبسها مذ وقع نظره عليها، و بادلها ابتسامة مماثلة، ثم أحنى رأسه في تحية نبيلة دون أن يكف عن التحديق بها، أدركت توينكل أنها يجب أن تغادر مسرح نظره، و أن تغير ثوبها لتلتحق به على طاولة الفطور.
مرت الساعة التالية مضحكة، جلست في البداية أمامه بهدوء مرتدية بلوزة زهرية اللون مع تنورة قصيرة و صندل منخفض أبيضين، ظنت أن من الممكن إخفاء الحب بسهولة، لكن قلبها الساذج لم يختبر من قبل شعورا مماثلا يستطيع السيطرة عليه و منعه من التجلي بحرية! اضطربت حين قبض عليها تتفرس به، فسألها:

-هل تودين قول شيء توينكل؟
-نعم!... كلا! اوه.... أريد... أريد بعضا من الخبز الذي أمامك.

لم تصدق أذنيها، تمنت أن تلطم وجهها على ذلك الغباء الذي تكلمت به، الخبز؟ لا شهية لها إطلاقا و هو يجلس بكل هدوء و جمال ممكنين، ليستمتع بوجبته، و يفترسها هي الهيام بكل تفاصيله! دفع ما طلبته نحوها بأدب بالغ، و عاد إلى طبقه مدركا أنها لا تحب ذلك النوع من الخبز و لم تتناوله منذ اليوم الأول لها في البالاسيو، هناك شيء تغير فيها، ما هو يا تُرى؟ نظر إليها مدققا، و قال:

-هل نمت جيدا أمس؟

فورا اكتسب وجهها لونه الأحمر، هربت بعينيها إلى طبقها، و أومأت له في إيجاب صامت، و في تلك اللحظة دلفت قاعة الطعام لوليتا معلنة عن عصير جديد كانت تعده منذ الصباح متمنية أن ينال رضاهما، أشار عليها خوان بتقديمه و عيناه تلاحظان في نفس الوقت شرود توينكل و غياب عقلها عن الحديث الدائر قربها.

سوناتا النور|𝕷𝖎𝖌𝖍𝖙 𝕾𝖔𝖓𝖆𝖙𝖆 حيث تعيش القصص. اكتشف الآن