ليس هناك أجمل من أن يتذكرك دائما شخصٌ ما..
يتذكر أدق وأصغر التفاصيل التي قد تنساها أنت..
تلك التفاصيل الصغيرة تجعل قلبك ينبض فرحا...
تمر السنوات ولا نزال معاً.. ننتظر موعد حفلة سينما أو موعد حفل موسيقى..
يمر الوقت ونحن نقف خلف نافذة مغلقة تملأها زخات مطر تتساقط بهدوء..
تترك أثراً من بخار أنفاسنا فوق زجاجها لنكتب أسمائنا كما نكتبها فوق رمال الصيف الساخنة..
صداقتنا شيءٌ جميل وبريء للغاية..
صداقتنا شيء مقدس لا يعرفه إلا الأوفياء مثلنا..
وضعها الفلاسفة خصيصاً بين النعم الكبيرة.انطلق صوت أنثوي ناعمإالل عبر الأثير بنغمة كمان يعزف لحنًا باهتًا تسأل:
- حضرتك مامة سيف؟
ردت والدة سيف بتنهيدة مكبوتة مجيبة الفتاة رقم ثلاثة في قائمة المتصلات بولدها المتسكع 'الفلاتي':
- أيوة أنا مامته.
رق صوت الفتاة و أصبح أكثر نغمًا وهي تتودد إلى السيدة ذات النبرة الصارمة معتقدة بأنها ستكون في يومٍ ما حماتها المستقبلية:
- أهلا يا طنط مبسوطة جدًا إني اتعرفت عليكي، احمم أنا يارا.
لم تستجيب الأم المغتاظة لتودد الفتاة المصطنع من أجل الفوز بقلبها أو ربما الفوز بقلب ابنها سيارة الأجرة معلنة بغير ترحيب عن ذلك في جملة مختصرة لتغلق بعدها:
- لما يصحى سيف هبلغه إنك اتصلتي به، و ياريت بعد كده لو سمحتي لما تعوزي تكلميه تبقي تتصلي على موبايله أكيد معاكي رقمه طبعًا.
همهمت الفتاة:
- أيوه معايا بس......
لم تدعها والدة سيف تكمل همهمتها ووضعت سماعة الهاتف مردده بغضب:
- صحيح اللي استحوا ماتوا، هو خلاص مابقاش في تربية, معقول عيار البنات فلت بالشكل ده؟!
نظر لها زوجها مقطبًا وسألها:
- في إيه تاني يا سلوى؟
ازداد تجهم ملامحها وهي تغمغم بجفاء مخاطبة إياه:
- ديه تالت واحدة تسأل على ابنك في التليفون، الأستاذ نايم في العسل و قافل تليفونه و سايب الهوانم بتوعه يتصلوا على تليفون البيت يسألوا عنه و المصيبة بقى إن كلهم عارفين انه رجع إمبارح من رحلته.
ابتسم والده و نظر إلى ساعة معصمه وسألها:
- الساعه عدت تلاتة مش هنتغدي؟ أنا عندي معاد مهم في المكتب الساعة خمسة مع عميل.
نهرته مندهشة من ردة فعله الغير حاسمة:
- صلاح إنت عاجبك اللي بيعمله إبنك ده؟
حدق فيها من خلف زجاج نظارته محاولا قراءة أفكارها و ما ترمي إليه وأجابها:
- عايزاني أعمله إيه يا سلوى؟ سيف كبر و مابقاش العيل الصغير بتاع زمان، ده شاب و كل الشباب نفس حاله كدة بكرة يعقل.
دبت فوق فخديها هاتفة بنزق:
- طبعًا لازم تدافع عنه مش إبنك، أنت السبب في كل ده، لو كنت أخدت معاه موقف من الأول كان اتعدل و اتلم شوية بدل ما هو داير على حل شعره.
ضرب الرجل كفيه ببعضهما وهتف بحنق:
- يعني هو يبقى ابني لما ماتبقيش راضية عنه و يبقى إبنك لما تبقي راضية عنه، و بعدين ايه داير على حل شعره ديه؟ هو بنت يا سلوى! خليه براحته بكرة يلاقي بنت الحلال المناسبة.
تأففت بضيق وتمتمت:
- أهو إنت طول عمرك كدا لا بعرف آخد معاك حق ولا باطل في أي موضوع، اسمعني كويس يا صلاح عشان أنا خلاص جبت أخرى من إبنك ده، أنت لازم تتكلم وياه عشان يتجوز.
زفر بضيق وسألها:
- ولو رفض زي كل مرة، ممكن تقوليلي أعمل معاه إيه، أضربه و لا أحرمه من المصروف، هسيبه براحته هو لما يعوز يتجوز هتلاقيه مقرر من نفسه.
دست قبضة يدها بين أسنانها معضعضة عليها من الغيظ، ثم هتفت بغيظ:
- أنا خايفة يا صلاح، افرض لقدر الله حصل حاجه بينه و بين أي واحدة من اللي يعرفهم، حاجة أكبر من علاقة عابرة ساعتها هنعمل إيه في مصيبة زي ديه؟هتبقى فضيحة، مش قادرة أتصور.
نفى والده بتأكيد:
- سيف مش كدا أنا واثق فيه وفي تفكيره، ماتقلقيش.
هتفت بعناد:
- لا قلقانة، و هفضل قلقانة كدا لحد ما أشوفه مستقر في بيته مع زوجة محترمة بنت ناس، مش مع كل من هب و دب إشي أجنبية و إشي خليجية و إشي هندية.. أووف كان يوم مش فايت لما بقى طيار.
هز الرجل رأسه بقلة حيلة و أمسك بيد زوجته يربت فوقها برفق ثم رفعها يقبلها بحب:
- بطلي قلق.. مش اطمنا الحمد لله على هبة في بيتها مع ابن الحلال، و ماشاء الله بقى عندنا حفيد زي السكر بكرة نطمن على سيف كمان كله بأوانه.
همهمت مبتسمة بحزن:
- نفسي يا صلاح بقى عنده 31 سنة ولسه مش بيفكر في الجواز ولا راسي على أي واحدة، نفسي أفهم مالها بس نازلي؟ مش بيفكر فيها زوجة ليه؟!
أجابها صوت ناعس أجش من خلفهما وهو يميل ليضمهما معًا:
- عشان نازلي بالنسبة لي زي واحد صاحبي، أهم صاحب عندي في حياتي كلها، وأنا كده بالنسبة لها.
- كلام فارغ.
همهمت والدته بصوتٍ خافت وهي تدير وجهها عنه.. رفع والده عينيه يناظره وهو مبتسم بهدوئه المعتاد و بخفة غمز له بطرف عينيه حيث والدته نزقة الملامح:
- صح النوم يا كابتن، يظهر كانت السهرة طويلة شوية.
عقد سيف حاجبيه مضيفًا ببشاشة وهو يركع أمام والدته ليقبل يدها:
- كانت سهرة بريئة يا سيادة المستشار.
عوجت أمه شفتيها تهمس:
- بريئة جدًا.
رفع كفيه ضاحكًا وسألها :
- الجميل زعلان مني ليه؟ ده أنا بقالي أسبوع غايب عنك معقول أرجع ألاقيكي زعلانة مني كده، ليه طيب؟
- أقولك ليه يا أستاذ.
قالت أمه وهي ترفع حاجبيها ثم أخرجت ورقة مطوية من جيب فستانها البيتي، وضعت نظارتها الطبية فوق عينيها الزرقاء اللامعتين و قد ورثهما عنها، لتقرأ:
- علشان نفسي أفهم إنت تعرف كل دول إزاي في وقت واحد؟ مروة ،و هايدي، و يارا و هلُما جرة طبعًا.
و بزجرة جادة تمتمت وهي تضع الورقة المدونة بكل أسماء المتصلات في كفه:
- ازاي أصلا تديهم رقم البيت، ده رقم بيت محترم مش رقم سنترال، علشان كل شوية ألو سيف موجود، ألو سيف فين، ألو سيف تليفونه مقفول ليه بكلمه مش بيرد، أنا أمك مش السكرتيرة بتاعة حضرتك.
رد سيف بهدوء مميت:
- خلاص ياقمري أي واحدة منهم تتصل اقفلي في وشها،ولا تتعبي نفسك و تردي، و أنا عن نفسي هعمل اللي عليا وهغير طباعة الكروت بتاعتي هشيل من عليها رقم البيت، خلاص كده؟
هزت والدته رأسها نافية:
- لا مش خلاص.. الحال اللي أنت فيه ده مش عاجبني ولا عاجب أبوك، ولا إيه رأيك يا سيادة المستشار؟
هز والده رأسه موافقًا دون كلام...لتكمل والدته:
- إنت لازم تجوز وتسيبك خالص من الاستهتار اللي إنت فيه ده.
نهض سيف من أمام والدته ضاممًا شفتيه بحنق ثم جلس فوق المعقد المسطح ينظر لوالده الذي بدوره أخفض وجهه الى شاشة هاتفه تاركهما يتناقشان معًا دون تدخل منه..
- ماما ياست الكل أنا مش عايز أتجوز، أنا مرتاح كده.
أخفضت أمه رأسها قليلا وقد ظهر الهدوء على ملامحها رغم زيادة الحزم في نفس الوقت و كأنها اتخذت قرارها بالفعل ولن تتراجع عنه وبنظرة واحدة لهذه الملامح والهدوء عرف ان القرار أيًا كان لن يعجبه:
- سيف أنا أمك اللي بتحبك ونفسها تفرح بيك زي أي أم نفسها تفرح بابنها الوحيد وفي نفس الوقت مش هينفع أغصب عليك في حاجة إنت مش عايزها لأنك مابقتش صغير.
فرك كفيه هامسًا:
- تمام فين بقى المشكلة؟
ردت والدته بحزم:
- المشكلة فيك إنت، حياتك الغلط مرواحك و مجيك كل يوم مع واحدة شكل كل ده مش عاجبني بالمرة لا أنا ولا أبوك، ولا إنت مش معايا يا صلاح؟
ونظرت لزوجها الذي يتصفح هاتفه بهدوء، لتهتف فيه:
- صلاح إنت معانا؟
أخذ سيف نفسًا عميقًا وهو يغمض عينيه بينما قال والده وهو ينهض:
- معاكي يا سلوى معاكي، إنتِ عندك حق بس ده مش وقته خالص هو مش هيقوم يتجوز دلوقتي خلينا نتكلم بعدين.
سألته وهي ترفع حاجبيها:
- رايح على فين مش هتتغدى؟
هتف والده وهو ينظر للوقت:
- لا هتغدى إيه بقى، أنا قولتلك إن عندي معاد مع عميل في المكتب، و قدامي نص ساعة خلاص و إنتِ عارفة أنا مش بحب أتأخر على العملاء بتوعي، هما ساعتين و هوجع ألاقي الأكل جاهز ع السفرة و موضوع الجواز بتاع المحروس اتقفل.
أومأت برأسها له وقالت:
- قوله هو الكلام ده، صلاح بلاش قهوة كتير.
و عادت والدته برأسها تنظر اليه وهو جالس في صمت متابعًا حوار والديه، ليقول هو الآخر وهو يقف:
- أنا كمان هخرج.
قالت سلوى بحزم:
- على فين؟ إحنا لسة مخلصناش كلامنا.
فرك رأسه وزفر:
- إيه الحكاية يا ماما هي في عروسة جاهزة ولا إيه؟
أومأت برأسها بنعم:
- آه في، بنت جميلة و مثقفة و متخرجة من الجامعة الأمريكية، بإختصار عروسة لقطة، أبوها لواء في الجيش و مامتها مديرة مدرسة.
لوى فمه ساخرًا وتمتم:
- ودي اتحدفت عليا منين؟
ردت والدته التي وصل إليها همسه تنهره بشدة:
- سمعتك، لو يهمك تعرف اتحدفت منين يبقى أقولك خالتها تبقى زملتي في المصلحة، وقالتلي عليها.
ضرب سيف فوق جبهته :
- لما هي مميزة وفيها كل الصفات دي قعدة ليه لحد دلوقتي من غير جواز؟ أكيد البت دي مدوراها وعاملة نفسها قدام العيلة الكريمة مثال الأدب، أنا بقى مش بقلق غير من النوع ده.
شهقت سلوى ضاربة فوق صدرها:
- أنت أصلا مش بتعرف غير النوعيات ديه، عشان كدا كل البنات في نظرك كدا، ما هو اسمع بقى يا تشوف العروسة غصب عنك، ياإما تخطب نازلي.
ضرب جانب ساقيه قائلا بنفاد صبر محاولا الشرح:
- تاني نازلي، ماما قولتلك خمسين ألف مرة نازلي دي صاحبتي راجل زيها زيي كده.
دمدمت والدته شاهقة بفزع وهو تفتح عينيها:
- يامصيبتي.. راجل زيها زيك ازاي؟
ضحك ضحكة عالية وهو يتخيل ما يدور في ذهن أمه الآن، فقال وهو مازال يضحك:
- مش المعنى اللي وصل لحضرتك.. لا طبعا، أقصد انها بنت بميت راجل صاحبة جدعة، وبعدين إنتِ شوفتيها مرتين لحقتي تشوفيها عروسة مناسبة ليا؟
لوت فمها تغمغم:
- أنا كنت بسمعك بتتكلم نازلي.. نازلي ماكنتش أعرفها أبدًا لولا الصدفة يوم ما شوفتها معاك في المطعم ماكنتش عرفت مين نازلي ديه، صاحبة من أيام الثانوية وعمري ماشوفتها ولا مرة.
قال وهو ينظر في هاتفه بلا اهتمام:
- خلاص يا ماما أديكي عرفتي نازلي صديقة مش بفكر فيها أكتر من صديقه وعلى فكرة هي نفس وضعي.
قالت والدته بسخط و حاجبيها ترتفعان:
- تعرف خمسة سته زيك كده في وقت واحد ومش عايزة تجوز.
برم شفتيه وعيناه تتسع بذهول ثم ضحك عاليًا مجددًا دون توقف:
- مين ؟ نازلي هه هه هه هه، نازلي تعرف خمسة ستة لا مش ممكن.. دي ماتعرفش مذكر غيري في حياتها، باقي الرجالة بالنسبة لها آلات للعمل...
قاطعته والدته تقول على سبيل الطرفة:
-إيه الكلام الفارغ ده بكرة يجي واحد يخطفها.. ديه بنت زي القمر، هيقدرها ويتجوزها وإبقى قابلني لو عرفتك تاني ولا حتى عبرتك...
رجف قلبه مقبوضًا دون سببٍ معروف ورغم ذلك قال باصرار وهو يلوي فمه:
-لا.. لا مش ممكن نازلي مش عايزة تتجوز ولا عايزة تحب ولا تتحب كل اللي يهمها شغلها و أمها اللي بتغير الرجالة زي ما بتغير فرد الشربات.
قصفته سلوى بابتسامة ساخرة:
-دلوقتي الرجالة بالنسبة ليها فرد شربات ياخفيف بس لما تقابل اللي يستحقها ويقدم ليها قلبه و حبه ساعتها كل الكلام ده هيتغير، ولا إنت فاكر كل الناس بتفكر زيك..
ابتلع ريقه و زفر بصمت ينظر لها متخيلاً نازلي صديقته
تبتعد عنه، لا تسمعه، لا تتحدث معه، لا يتشاركا أسرارهما و لأن هناك آخر يشاركه فيها...
***************
- ماهو مش ممكن يا ماما اللي بيحصل ده.. انتِ عارفة ده عريس رقم كام السنة دي؟
وضعت نسرين سماعات الهاتف المحمول داخل أذني عاملة الصالون التي تبرد أظافر قدميها المدببة وردت بصوتها الرقيق الآمر:
- اسمعي أغاني، لحد ما خلص كلام مع نازلي.
إلتفت لنازلي التي تقف خلفها تقول بنزق:
- حتى مش عايزة تعترفي إني بنتك، نازلي بس من غير بنتي.
رفعت نسرين حدقتيها وتأففت قائلة:
- أيوه نازلي و أنا اسمي نسرين أو ناسو، بلاش ماما اللي ماسكة فيها.. أنا اتجوزت أبوكي وأنا عندي عشرين سنة، و خلفتك وأنا عندي واحد وعشرين.
تخصرت نازلي هاتفة بغيظ:
- اه بس أنا عندي دلوقتي تلاتين سنة يعني انتي عندك.....
صرخت والدتها صرخة جعلت فتاة الصالون تنتفض رغم علو صوت الأغاني في أذنيها:
- بسسسس اخرسي أنا عارفة انك عندك زفت تلاتين سنة و قربتي تعنسي جنبي، بسبب اهمالك لنفسك..جينيز و سنيكرز و شعر مشدود فوق راسك، و الاسم خبيرة مكياج ومافيش نقطة فاونديشن على وشك.
نفخت نازلي وجلست أمامها فوق يد المقعد المذهب:
- وده ماله ومال موضوعنا، أنا بحب شكلي كده، انتي بقى شايفه ان الأستاذ الملزق اللي هتتجوزيه ده سنه مناسب لسنك؟ وبعدين ده الزوج رقم تلاتة من ٢٠٢١ ل ٢٠٢٢.
لم تُعر نسرين ابنتها أي إهتمام و طرقت بأصابعها للفتاة قائله وهي تنزع السماعات عن أذنيها:
- لا يا حلوة.. قولتلك عايزة لون أحمر غامق انتِ شايفه رجلي ناعمة وردي ازاي يمشي معاها الأحمر.
أومأت الفتاة بطاعة:
- حاضر يا هانم.
ابتسمت نسرين وأثنت عليها:
- برافو،يلا اشتغلي، هديكي تبس كويس عشان انتِ بنت شطورة، حطي السماعات.
عوجت نازلي شفتيها وهي تمسح فوق وجهها، عادت نسرين تسألها:
- كنا بتقول ايه ؟
هزت رأسها وهي تقف:
- ولا حاجة يا ما... أسفة أقصد يا ناسو، أنا خارجة.
أوقفتها أمها تسألها باستغراب:
- على فين ماهر جاي يتعشى معانا.
رفعت نازلي كتفها دون إهتمام وردت ببرود:
- أهلا وسهلا بس أعمله إيه يعني، ده ضيفك انتِ مش ضيفي، كمان أنا عندي شغل مهم، حضرتك ناسية إن أسبوع الموضة في ميلانو كمان أسبوع و لازم أستعد كويس، أنا اللي هشتغل في ميك أب عارضات دار أرماني و غوتشي.
هتفت نسرين منبهرة بعيون مضيئة بما وصلت إليه ابنتها من شهرة عالمية في مجال التجميل:
- واو نازلي بيبي، مبروك ياحبي، بس زعلانة منك جدًا معقول تقوليلي دلوقتي الخبر الحلو ده؟
حدقت نازلي في أمها مطولا وتوقفت لبرهة عند باب الفيلا التي فتحته قائله بضحكة تضائلت بين شفتيها:
- على فكرة قولتلك مرتين، بس إنتِ ماكنتيش أخده بالك، عقلك كان مشغول بالعريس الجديد، سلام.
***********
جلس جانبها فوق الدرج الرخامي البارد,وضعًا حامل اكواب القهوة الكرتوني بينهما.. تنهد قائلًا:
- اتأخرت عليكي؟
طقطقت بطرف لسانها وسألته وهي تنظر الى حامل القهوة:
- تؤتؤ...فين البراون شوجر؟!
حك سيف رأسه مضيقًا عينيه... فقالت نازلي وهي تقلب عينيها بملل:
- نسيت طبعًا زي كل مرة.. أصلًا لو مانستيش حاجة ماتبقاش سيف النجار.
أطلق ضحكة عالية وضربها فوق كتفها بقوة جعلتها تترنح في جلستها ثم أخرج من جيب سرواله الجينز أكياس السكر البني قائلا:
- معقول أنسى مزاجك يا برو..خدي، قُلت أغلس شوية بس.
أخذت نازلي أكياس السكر ووضعتها داخل الحامل وتأففت متمتمة:
- ماليش مزاج لأي غلاسة أو هزار.
تنهدت بضيق و رفعت ذراعيها النحيلان لتخفي وجهها خلفهما, سقط ذيل الفرس الناعم مع رأسها يرتاح فوق كتفها بينما هو صامت ينتظرها حتى تُفضي بما في جعبتها أغمض سيف عيناه قائلأ لها بتصميم:
-إنتِ عارفة إني مش هسكت ولا هرتاح غير أما أعرف إيه مضايقك بالشكل ده.. يلا إتكلمي وبلاش عنطزة وحياة أهلك.
لكمته بقبضة يدها مبتسمة كعادتها ولكن ابتسامتها كانت حزينة مختنقة وهمست وهي ترجع رأسها للخلف زافره:
-والله كنت عارفه إنك مش هتسكت لمجرد أنك تعرف أي حاجه.
رد وهو يحرك رأسه:
-طالما عارفة كده يبقى خلاص قولي قالبة بوزك ليه؟
تمتمت بحزن:
-أصلا موضوع ممل مش عايزة أتكلم فيه دلوقتي أنا ماصدقت أساسًا إني شوفتك بعد الغياب ده كله.
صمت للحظتين و هتف بتفهم وهدوء لمشاعرها الغاضبة الحزينة:
-أنا هسيبك دلوقتي براحتك بس مش هسافر الرحلة الجايه غير لما أعرف مالك.
-ماشي...
تمتمت نازلي تحرك رأسها موافقه دون مرح...
رن هاتفها وقطعت الحديث مع سيف الذي شرب من قهوته وهو يكتب رسالة مختصرة لصديقته على الواتس آب... بينما ردت نازلي بنبرة رقيقة,ناعمة وهادئة مثل الورد:
-مساء الخير..الحمدلله... إنت أخبارك أيه؟
استمر سيف في شرب قهوته وهو يحرك هاتفه ويستمع للمكالمة التي تبدو مملة من كم السلامات والتساؤلات, كاد أن ينهض ليرحل لولا أنه انتبه لنبرتها الضاحكة:
-ثانك يو مستر رياض ده من ذوقك.
الغريب أنها لم تلاحظ وقوفه واستمرت في الكلام, ليعاود سيف الجلوس بجانب تلك التي تمرر طرف ذيل فرسها فوق خدها, قطب حاجبيه بغموض وهو يتابعها...
تقول بصوت كالنسمة لم يسمعه منها من قبل, صوت
أشعره بغرابة:
-لاااا بالعكس أنا اللي بشكرك على ترشيحي للوكالة.
إحمر خديها وهي تهمس:
-أنا كمان مبسوطة جدًا إننا إشتغلنا مع بعض.
زفر بملل وعبس متسائلا بينه وبين نفسه:
-مين ده اللي بتكلمه كده؟!
وبإبتسامة واسعة خطفت نظره أكدت قائله:
-أكيد طبعًا هيكون في شغل كتير مابينا حتى لو أخدت التوكيل ده مش هيأثر أبدًا على شغل الوكالة, تمام بس نتقابل في المعرض نتفق على كل حاجه.
وإلتفتت أخيرًا تناظر ذلك الجالس بجانبها يزفر وكأنها تذكرت وجوده أخيرًا ..وأشارت له بقبضة يدها المغلقة دلالة على حماسها وهي تضحك من الشق للشق:
-ميرسي جدًا جدًا مستر رياض على اهتمامك, أوك سي يو في المعرض, باي.
"بكره يجي واحد يخطفها,أبقي قابلني لو عرفتك تاني أو عبرتك,ديه بنت زي القمر,زي القمر, زي القمر"
أغلقت الهاتف وحركت حاجبيها بمداعبة ثم أطلقت صرخة حماسية وهي تغمض عيناها:
-هيييييي,.
انتفض على صوتها:
- سيف,سيفو,إإإإإيه,إيه يابني مالك سرحت في إيه كده؟
ناظرها سيف بصمت جامد قبل أن يجيب بأعصاب مشدودة كالوتر الحساس:
- ولا حاجة كنتِ بتقولي إيه؟
هزت رأسها مستغربة من تبدل ملامحه و كأنه تحول إلى شخًصٍ آخر وأجابته ساخرة:
- ولا حاجة.. ماقولتش حاجة.. قولي مبروك.
ابتسم وهو ينفض كلمات والدته من رأسه كالذي ينفض غبارًا عن ملابسه يتساءل في نفسِه ما الذي دهاه فجأةً ليفكر في حديث عقيم بينه و بين وأمِه عن فائده زواجه وممنَ؟ نازلي. يا لها من مهزلة كونية...
بإبتسامة ملتوية أطلق سيف صوتًا معترضًا وهو يسألها:
-أقولك مبروك على إيه؟ إنك فردتي بوزك أخيرًا وضحكتي بعد مكالمة مستر رياض بتاعك.
قطبت نازلي حاجبيها وسألته باندهاش:
-مالك يابني إيه الدراما ديه؟
ناظرها فجأة فتعثرت ضربات قلبها وتسارعت أنفاسها من نظراته الغريبة اليها فقال بحاجب مرفوع عندما شعر بالإحراج منها:
-مافيش قوليلي أبارك لك على إيه؟
عاد حماسها يشتت ذهنها عن نظراته وقالت وهي تقترب منه لاثمة خده بقبلة خاطفة رقيقة:
-أخدت توكيل ميرفي الإيطالي في مصر وجنوب أفريقيا والسودان أخيرا, ماتتخيلش تعبت قد أيه عشان آخد توكيل الشركة ديه, بروتوكولات و اتفاقات, وعقود وبنود وليلة كبيرة...
كانت تحكي له بحماس وفرحة عارمة بينما كان هو شاردًا في تلك القبلة الرقيقة التي وضعتها فوق خده منذ ثواني, قبلة مختلفة لها مذاقها الخاص...
لكنه تحول فجأة الى غاضب دون سبب يذكر بالنسبة له عندما قالت بنرة باتت له عاطفية أكثر من اللازم وهي تضم كفيها:
-الحمدلله الفضل لربنا ثم لمستر رياض هو قالي أنه هيساعدني وفعلا حصل ..الراجل ده مميز.
رفع حاجبه الأيسر هامسًا بسخرية:
-والله!! ويطلع مين مستر رياض الهيرو ده اللي ساعدك, يكونش رياض محرز.
تمتمت بإستغراب وهي تضيق عينيها:
-مين رياض محرز ده؟
قال بغضب مرح:
-جاهلة ياما قولتلك وإحنا في انجلترا تعالي نحضر ماتشات الدوري الانجليزي تقولي لي لاه,ماتعرفيش في حياتك الكورية غير مو صلاح.
ثم أكمل بضيق:
-رياض محرز لاعيب في مانشتر سيتي.
هزت رأسها تهمهم:
-همممممم, لأ ماعرفوش, قولت لك أنا مش بتفرج غير على مو والأهلي بس, المهم ياسيدي مستر رياض هواري ده صاحب الوكلات في باريس و ميلانو اللي اشتغلت معاه معقول نسيته قولت لك عليه أكتر من مرة.
هتف متعمدًا الكذب:
-مش فاكر يمكن قولتِ لي بس مش فاكره.
وقال بابتسامة ملتوية:
-على العموم مبروك.
ثم أشار بسبابته يلوح أمام عينيها:
-بس يكون في علمك لو ماكنش شغلك البرفكيت ونجاحك في شغل الميك أب, ماكانتش الشركة وافقت تديكي التوكيل لو حتي اتدخل الأتحاد الأوربي مش مستر رياض بتاعك.
حركت بؤبؤ عينيها بتفكير ثم قالت:
-عندك حق.. أنا عملت شغل كويس في عرض غوتشي و لويس فويتون الموسم اللي فات, امممم.. بس مش هنكر بردك أنه ساعدني.
بتشتت قال وهو يلتفت لها وكأنه يتعمد أن يحزنها أو ربما يخرجها من حالة الحماس والسعادة التي انتابتها منذ أن حدثها هذا الرياض, يا له من شرير:
-أظن إنك دلوقتي تقدري تحكيلي مالك وإيه اللي كان مضايقك أوي قبل ما يكلمك مستر رياض,طالما ضحكتي وانشرحتي.
تأففت وعاد الحزن يكتنف ملامحها التي كانت سعيدة, وهو المطلوب بالنسبة له حتى لا تظهر اهتمامها المبالغ فيه بهذا الشخص, إنها المرة الأولى التي يشعر فيها سيف بأن نازلي سعيدة مع غيره:
-ليه فكرتني ؟
نظر لها مطولاً مراقبًا ملامحها الهادئة وهي تتحول الى حزينة بائسة...
وعاد الصمت من جديد بينما بدأت هي في شرب قهوتها عندما شعر سيف بأن صمته قد طال سألها وهو يتناول كوب قهوته ليشرب منها و سألها وهو يكتم نبرة انتصاره على شخص لا يعرفه بتاتًا, شخص يبدو أنه يملك حيز من اهتمام ناز صديقة عمره :
- مش عايزه تقوليلي مالك؟
رفعت عينيها تحدق في عينيه وتهربت منه:
- مش لما تقولي إنت الأول مالك؟
قطب حاجبيه وغمغم كاذبًا على غير عادته معها :
- مالي؟ مأنا كويس أهو.ولا هي حِجة عشان ماتقوليش مالك؟
هزت رأسها تنفي احساسه الكاذب الذي يتحجج به:
- لا خالص والله كل الحكاية إنك مش على بعضك كده.
ضيقت عينيها المشروطتين بسحبة تجعلهما أكثر ضيقًا ولكن أيضا أكثر جمالاً:
- إممم في حاجة غريبة كده مش عارفة أفهمها.. يمكن في واحدة جديدة انضمت للقايمة وبتفكر فيها وشاغلة بالك.. هي مين؟أعرفها؟
سكت سيف لبرهة يناظرها,في حين كانت نازلي تحدق فيه وجهه بحماس منتظرة إعلان الاسم الجديد,ابتلع ريقه ليقول فجأةً بجدية واضحة:
- إنتِ.
اتسع بؤبؤ عينيها السوداتين لأقل من الثانية بصدمة قبل أن تقول كبلهاء ضائعة:
- أنا إيه؟
هتف ببساطة وهو يشرب القهوة من دون أن ينظر لها:
- إنتِ اللي بفكر فيها وشاغلة بالي.
توقف الكوب فوق شفتيها وأطلقت ضحكة قصيرة ونهرته:
- بلاش هزار سخيف.. إنت جاي تروش عليا.
ابتسم بثقل وسألها:
- إنتِ مش واثقة في نفسك ولا إيه؟
استندت نازلي الى الحائط خلفها بينما تقول مغتاظة:
- لأ طبعًا واثقة جدًا, بس مش واثقة في هزارك السخيف ولا فايقة له أصلا.
وهمهمت بخفوت مسموع:
- قال إنتِ الواحدة قال! ده اللي ناقصني,مش كفاية عليا نسرين.
حرك حاجبيه بتخاذل من برطمتها المغيظة وقال مرتشفًا قهوته:
- بهزر.. بس واضح إنك مش في المود,هاااه انجزي مالها أمك مزعلاكي في إيه المره ديه؟
أطلقت نازلي ضحكة مستهزئة حزينة دون ارادة منها محركة ذراعيها في الهواء بعشوائية غاضبة جعلت أسوراها الفضية تطلق أصواتًا مجلجلة وتمتمت بضيق:
- أنا كنت نسيت شوية المصيبة ديه.
-مصيبة إيه؟
-هتتجوز..هتتجوز للمرة السادسة ولا السابعة من بعد وفاة بابا بسنة.
اندهش سيف وحاول كبح ضحكته... ليُفاجئ بنازلي تعنفه بنبرة استهزاء:
- اضحك..اضحك كاتم ضحكتك ليه؟ ماهي حاجة تضحك من كتر ما اتكررت.
لم يستطع كبح ضحكته وأطلقها بصخب وهو يخفي وجهه خلف كفيه حتى ابتسمت هي الأخرى...
مسح وجهه وهو مازال يضحك متمتمًا:
- مش ممكن.. مامتك عايزة تعمل توب اسكور في الجواز.. ست رايقة ومش معقدة الدنيا زيك و أخدة الحياة ببساطة.
لكمته بقوة في كتفه عاقدة حاجبيها الكثان:
- أنا معقدة يا غلس؟ مأنا فعلا معقدة عشان مصاحبه واحد منحرف زيك,أنا غلطانة أصلا إني مضيعة وقتي الثمين معاك.
وهمت نازلي لتقف وهي مطصنعه الغضب ولكنه كشفها.. فمن غيره أدرى بناز كما يدللها...
أمسك كفها وأطبق عليه بقوة:
- خلاص اقعدي بلاش دراما,يعني أنا سايب كل اللي ورايا وجاي أقعد معاكي وإنتِ هتعملي فيها الست الزعلانة, اترزعي بقى.
عبست نازلي بضيق وجلست تهمس:
- الناس بتتكلم علينا.
ضيق عينيه وسألها :
- عليا أنا وإنتِ؟
نفت بسخط:
- لأ طبعا.. هيكلموا علينا ليه إن شاء الله,علينا أقصد نسرين وجوازتها,سمعت كلام كتير اللي حوالينا.. تخيل بيقولوا عليها انها الشحرورة على أساس إنها زي صباح بتتجوز كتير و.......
توقف استرسال كلماتها علي صوت ضحكاته الصاخبة فنفخت تقول بسخط:
- طبعا لازم تضحك.. ما اللي ايده في المية مش زي اللي ايده في النار, سيف يا تبطل ضحك وتقولي حل يإما تقوم تمشي تشوف اللي وراك.
مسح دموعه التي تجمعت بعينيه من قوة ضحكه وتنحنح يجلي صوته هامسًا:
- أصل لقب الشحرورة ده لايق على مامتك جدًا,أسف خلاص هسكت مش هضحك.
رفعت نازلي عينين معذبتين حائرتين لصديقها قائلة بحزن شديد:
- أعمل إيه؟ حاولت أنبهها وأقولها الناس بتتكلم, بلاش جواز المرة ديه بس ولا كأنها سمعاني ولا مهتمة أصلا بكلامي.
منحها سيف نظرة تفهم وهمس بتأكيد:
- ماتعمليش أي حاجة لأنك مهما قولتي مامتك هتصمم على رأيها زي كل مرة.. ما إنتِ قبل كده حاولتي مرة و اتنين و تلاتة غيرت رأيها؟
بشفتين ملتوية هزت رأسها نافية... فأكمل وهو ينظر في عينيها الصافية:
- يبقى خلاص استسلمي للأمر الواقع وبلاش تزعلي مامتك منك, خليها تتجوز.
عبست نازلي هاتفة بضيق:
- ماهي هترجع تسيبه بعد سنة أو سنتين بالكتير وتشوف غيره ونفضل في الحوار ده.. تخيل إن البيه العريس الجديد أصغر منها وكمان هيعيش في بيتنا.
بلع سيف ريقه مستدركًا:
- هيعيش معاكم في نفس البيت ازاي طيب؟مش هينفع طبعا.
قالت دون أن تلاحظ ضيقه وملامحه المضطربه:
- لااا مأنا مش هعيش معاهم في نفس البيت.. مش هتحمل خالص أشوف واحد غير بابا نايم في مكانه وفي أوضته.
سألها بإهتمام وهو غير مدرك لغيرته وخوفه عليها,وحينما أدرك برر ذلك الأمر بأنه بالتأكيد قد تأثر بحديثه مع والدته عن نازلي:
- طيب هتعيشي فين؟
هتفت وهي تنهض واقفة تنفض سروالها من الخلف:
- قررت تأجير شقة أعيش فيها وكمان تكون قريبة من الأستديو, في وكيلة عقارية أعرفها بتدور لي حاليا على مكان.
كز على أسنانه بشكل واضح أثار استغرابها وجعلها تتسأل في قرارة نفسها:
"هو ماله النهارده,غريب ليه كده؟"
- هتعيشي لوحدك ازاي يا نازلي ده أنا اللي إسمي راجل طويل وعريض لسة عايش في بيت أبويا و أمي.
أجابت على سؤاله بحاجبين مقطبين:
- سيف أنت ناسي مأنا عشت في ميلانو أربع سنين لوحدي لما كنت بدرس هناك، إيه الفرق بقا؟ بالعكس أنا دلوقتي أكبر و أنضج وده اللي كان لازم يحصل من زمان أصلا.
ضغط فكيه ببعضهما قائلا:
- مصر غير ايطاليا, هنا لو عشتي لوحدك هتلاقي ناس كتير بتكلم عنك وقتها حيفكهم من سيرة مامتك ويمسكوا فيكي, وكمان إنتِ مش بتسمعي عن الحوادث اللي بتحصل.. ازاي تفكري كده مش فاهم, وكمان مامتك مستحيل توافق على كده.
قالت ببرود وهي تحرك كتفها:
- لأ أطمن هي ولا آخده بالها من أي حاجه كفاية عليها الهيرو الجديد,وبعدين تقدر تقولي إيه الحل من وجهة نظر حضرتك يا كابتن,الحل إني أعيش معاهم وأتقهر وأنا بشوف واحد تاني مكان بابا رايح جاي في البيت ولأ......
قاطعها بغضب:
- لأ طبعا ماينفعش, أزاي تعيشي مع واحد غريب في نفس البيت.
كتفت ذراعيها تسأله:
- ااممم والحل؟
قال وهو يحك ذقنه بتفكير:
- تطلبي من مامتك أنها تعيش معاه في بيته.
ضحكت ساخرة وشفتيه تلتوي:
- الأستاذ الحيلة اللي الشحرورة نسرين هتتجوزه مفلس أبيض ياورد, هو أينعم من ذوي الألقاب بس ع الحديده شكله كان بيعيش على قفه الشحارير زي السيدة الوالدة.
شخر سيف يهتف:
- يعني متجوز أمك عشان يقلبها.
قلبت عينيها بأسى وردت:
- كان غيره أشطر.. هو فاكر كده بس لما يتجوز نسرين هو اللي هيلبس الخازوق ..عشان كده أنا هاخدها من قصيرها و ماتقوليش مش هينفع وتطلع فجأة شهامة الأخ المتطورة عندك النهارده بشكل غريب.
كاد أن يفتح فمه ليتكلم لكن استوقفه صوت مساعدة نازلي وهي تناديها:
- نازلي العارضات جاهزين.
ثم أشارت لسيف:
- هاي كابتن سيف أخبارك؟
أومأ سيف برأسه يحيها:
- الحمدلله يا أروى.
ثم عاد بنظره لنازلي التي كانت تنوي قول شيء ما لمساعدتها.. وودعها:
- طيب أسيبك دلوقتي عشان شغلك,سلام.
وقفز من فوق الدرج سريعًا دون أن يضيف كلمة أخرى أو ينتظر ردها... فهتفت نازلي تسأله:
- سيف طيب هشوفك أمتى؟ رحلتك الجاية أمت....
قالت مساعدتها بإستغراب:
- خلاص مشي, هو ماله؟ في حاجة غربية كده؟ مش سيف اللي أعرفه.
قلبت نازلي شفتيها تهمهم بشرود:
- مش عارفة ماله,زي مايكون في حاجه أو مخبي عني حاجه, من أول ماعرف إني هسكن لوحدي وهو إتقلب كده.
ردت الفتاة:
- بس ولا في حاجه تانية؟
أجابتها نازلي شاردة وهي تنظر في أثره:
- لا في بس.... يووو إحنا بنتكلم في إيه أصلا ده سيف تلاقيه ضارب خناقة مع واحدة من اللي يعرفهم, المهم خلينا في شغلنا كلمتي فريق التصوير بتاع الكتالوج اللي هنبعته أسبوع الموضة.
أومأت المساعدة برأسها:
- كلمتهم وأكدت عليهم ساعة وهيكونوا هنا,يلا ندخل عشان كل العارضات جاهزين.
ابتسمت نازلي ببشاشة برغم صراعات الشك و الخوف داخل قلبها قائلة وهي تدلف خلفها:
- أنا كمان جاهزة.
******
كان سيف بداخل سيارته يفرك رأسه وشعره البني بعنف وعندما نظر في المرآة الأمامية تحدث:
"إيه.. في إيه؟ مالك كده مش على بعضك ماكنش كلمتين قالتهم أمك عن نازلي.
ثم ضحك بإستهتار:
"ديه نازلي صاحبك ياريت صاحبتك كمان,ده إنت بتلعب معاها كورة وبلياردو.. تؤتؤ هي أكيد غيرة الأخوة والصداقة وكده.. على أساس مافيش حد غيرها في الكوكب بيفهم إنت فيك إيه..حتي هي دلوقتي فهمت إنك مش على بعضك بس الحمدلله طلعت غبية زي ماتوقعت وماخدتش بالها من حاجه، بس إيه حكاية رياض ده كمان؟"
وضرب فوق عجلة القياده ضاحكًا وهو يذكر نفسه:
"معقول؟؟ دي نازلي ياسيف,ناز, أووف قلقتني على نفسي"
وقاد السيارة وهو يضع هاتفه فوق أذنه متحدثًأ:
- هاي ياسكر إنتِ فين؟
******
كادت أن تنتهي من وضع مساحيق التجميل للعارضة الأولي التي سيتم تصوير وجهها بشكل خاص كنموذج أول لتصميمات أعمالها التجميلة بأسبوع الموضة في ميلانو ثم باريس, وضعت اللمسات النهائية للعارضة السودانية الجميلة ثم بدأت في وضع القليل من الهلايتر الفضي فوق عظام الخدين ثم القليل فوق الأنف ولكنها توقفت فجأة عن العمل بعد أن تملك منها الشرود عائدًا بها الى قبل الساعة عندما قال لها وهو يحدق في عينيها:
" إنتِ اللي بفكر فيها وشاغلة بالي"
ضحكت وهي تكمل عملها قائلة بهمس خافت:
- مش ممكن.*انتهى الفصل*
أنت تقرأ
عيــــــش معـــــــايا ❤️ الحــــــب
Romanceليس هناك أجمل من أن يتذكرك دائما شخصٌ ما.. يتذكر أدق وأصغر التفاصيل التي قد تنساها أنت.. تلك التفاصيل الصغيرة تجعل قلبك ينبض فرحا... تمر السنوات ولا نزال معاً.. ننتظر موعد حفلة سينما أو موعد حفل موسيقى.. يمر الوقت ونحن نقف خلف نافذة مغلقة تملأها...