تنهدت مثله و ردت بعينين مضيئتين بالدموع:
-يعني مش هتقدر تيجي خالص، مش هتحضر معايا عرضي اللي بستناه من شهور.
أطلق زفرة أسى طويلة هامسًا بصوت صادق خرج من عمق صدره:
-لو بإيدي كنت أبقى معاكي من أول يوم بس للأسف تأجيل الرحلة يوم واحد بسبب الأرصاد هو السبب في كل اللخبطة ديه.
همهمت بصوت خافت حزين:
-مش مشكلة المهم تبقى بخير إنت وكل اللي معاك.
زفر وناداها برِقة:
-ناز...
ردت مبتسمة رغم حُزنها لعدم حضوره:
-نعم سيفو...
شقت ضحكة واسعة شفتيه وسألها بحنو:
-مش زعلانه مني علشان مش هقدر أكون جنبك.
نفت وهي تهز رأسها كأنه يراها:
-لا طبعًا مش زعلانة منك.. بس زعلانه عشان مش هتكون جنبي، ان شاء الله تبقى معايا في عرض باريس ولا...
قاطعها قبل أن تُكمل:
-لا أكيد بإذن الله هكون معاكي، المهم خدي بالك من نفسك، نازلي كنت عايز أسألك على حاجة.
همهمت بخفوت:
-اسأل ده إيه الأدب ده!
ضحك وهو يمرر ماكينة الحلاقة فوق شعيرات ذقنه الكثيفة... فسألته بفضول:
-بتحلق دقنك؟
قال وهو يغلق ماكينة الحلاقة الكهربائية:
-اه.. عاملة دوشة صح؟
قالت باستغراب:
-أول مرة تحلق إنت دقنك! على طول بتروح للحلاق.
حك ذقنه التي رتبها من الشعر الكثيف قائلا:
-أصلها طولت جدًا وأنا مش متعود على الحلاقة غير عند الحلاق بتاعي.
كزت فوق شفتها و خدها يشتعل احمرارًا هامسة:
-سيف ليه مش بتسيب دقنك هتبقى حلوة عليك.
سألها بسرعة و ابتسامة صغيرة تنمو على شفتيه:
-انتِ عايزه كده؟
ضحكت بخفة مؤكده:
-اه.. ياريت.. هتبقى مختلف و أمور و....
وضعت كفها فوق فمها قبل أن تُكمل ثرثرتها الغبية و نهرت نفسها وهي تُبعد الهاتف:
-إيه اللي قولته ده؟ عيب والله عيب.
ثم أعادت الهاتف الى أذنها وحاولت تغيير الحديث فسألته:
-احممم.. اه الكلام أخدنا كنت عايز تسألني على إيه؟
اختفت ضحكته و تبدلت ملامحه وهو يزفر قائلا بصوت فاتر:
-ااه كنت عايز أسألك بتشوفي اللي اسمه رياض؟
ابتسمت ابتسامة كالشمس عندما يهل الصباح وقلبها يدق فرحًا من نبرة صوته التي تشع بالغيرة وهي متعجبة لما يحدُث لها فقالت متعمده لاختبار ردة فعله:
-طبعًا بشوفه كل يوم.. هو معايا على طول و متحمس جدًا لش....
-نازلي اقفلي.
أغمضت عينيها والسعادة تُرفرف حولها كالفراشات ثم قالت بصوت بدا له عادي رقيق:
-أقفل ليه؟ مالك يا سيف كل ما تسمع سيرة رياض تتنرفز و تبقى تنشن بالشكل ده! ممكن أفهم السبب؟
ألقى مكاينة الحلاقة بقوة لتسقط فوق رخام الحمام متهشمة وقال وهو يخرج ضاربًا الباب بقوة:
-مش بطيقه.. عينه منك.. و حاطك في دماغه يا نازلي.. اهتمامه بيكي اهتمام غير عادي! هو ده اللي منرفزني.
أخذ نفسًا طويلا وسألها بعنف:
-في حاجه بينك وما بينه؟
احساس عميق بالحب غمرها فقالت بإحساس خرج من داخلها:
-مافيش أي حاجة بيني و بينه ياسيف، لو كان في كنت إنت أول واحد هتعرف لأنك أقرب حد ليا في الدنيا ديه كلها.
انفرجت ملامحه المنقبضة و تهلل وجه بالارتياح وسألها:
-يعني أقرب من مامتك؟
ضحكت ضحكة خافته وصلته:
-نسرين أنا ماليش غيرها في الدنيا ديه، بس إنت غير في كل حاجة، أكتر حد بتفهمني و تعرف اللي جوايا و عشان كده مافيش حد يقدر يحل مكانك أبدًا، فهمت؟
هو لا يرغب بالتوقف عن سماعها ولا يريد أن يغلق حتى الهاتف ليستعد للطيران، يود أن يبقى معها ولا يفارقها.. كلامها، صوتها، و عيناها الآن يتوسعان ربما من خجلها أو اشتياقها للقائهما معًا، طال صمته و طال انتظارها لسماع صوته:
-فهمت، فهمت كويس.. يظهر اني أكتر واحد غبي على وجه الكوكب.
ابتسمت هامسة:
-ليه بتقول كده؟
قال وهو يتنهد:
-عشان لسه فاهم يا نازلي، فهمت أخيرًا أنا عايز إيه.
-عايز إيه ياسيف؟
سألته بأنفاس لاهثة ساخنة... تمتم بصوت اختنق بالرغبة في ضمها الآن لصدره، ضمة مختلفة عن ضمته المعتادة لها، ضمة عاشق حبًا في معشوقته:
-عايز أكون معاكي دلوقتي، أشوفك قدامي.
تنهدت تهمهم:
-وأنا كمان، سيف إنت وحشتني، وحشتني جدًا.
****
بغضب هتف رياض:
-هي مش عارفة اني هنا؟
قالت أروى وهي تناظره بإستياء:
-أيوه قولتلها يامستر بس هي معاها تليفون مهم، علشان كده
ات....
قاطعها بنفور:
-هي بتكلم مين كل ده؟ معقول مكالمة تليفون عندهاأهم من شغلها و مستقبلها!!
هزت أروى كتفها بخفة وهي تُجيبه ببساطة أغاطته:
-مستر رياض كل حاجة جاهزة و العرض قدامه خمس ساعات تقريبًا..يعني مافيش حاجة اتعطلت.
تخاصر قائلا بعصبية:
-هي بتتكلم مع مين كل ده ممكن أعرف؟
رفعت أروى حاجبها الشرير وردت ببرود مغيظ لهذا المتسلط:
-اللي أعرفه ان قبل أي عرض نازلي بتكلم مامتها أو سيف لو مش معانا.
-سيف!!
ردد الاسم وهو يفور غيظًا، و أخذ يدور حول نفسه ثم توقف أمام أروى التي تعمدت اغاظته بعد أن أغاظها بأسلوبه المختال المغرور:
-أنا سمعت الإسم ده كذا مرة!! يطلع مين بقى عشان نازلي توقفني أنا رياض هواري بسببه؟
هزت رأسها ببراءة مزيفة:
-آسفة جدًا مستر رياض، مش من حقي أتكلم في حياة نازلي الخاصة، حضرتك ممكن تسألها بنفسك، هاا نازلي جت إيه.
اقتربت نازلي منهما وهي تكاد تطير من فوق الأرض طيرا، لقد اعترف لها سيف بحبه برغم أنه اعترافًا مبطن بالألغاز.. إلا أنه بالأخير اعترف بما يجول بداخل عقله و قلبه، و وعدها قبل أن يُغلق بأنه يعد لها مفاجأة عندما يأتي لحضور عرض باريس، و رغم إلحاحها الشديد عليه لمعرفة نوع المفاجأة لكنه تحجج بالتأخير و أغلق...
-سوري اتأخرت عليكم أنا جاهزة.
-مافيش مشكلة نازلي براحتك، مستعدة.
قال رياض برقة وهو يُشير لها حتى تتقدمه:
-lady's first.
استغربت أروى تحوله المفاجئ، و ملامح الهدوء التي تلبست ملامحه الغاضبة، و كأنه تحول الي اخر ودود و جنتل مان!!
"هذا الرجل رياض مختل التفكير و العقلية"فكرت أروى وهي تحدق في وجهه الوسيم و ابتسامته الدبلوماسية المصطنعة...
حولت عينيها نحو نازلي التي كانت ابتسامتها السعيدة و وجهها المتوهج بفتنة، و أشارت بإتجاه رأسها بما يعني الجنون وهي
تقترب منها هامسة:
-الراجل ده سيكو كان هيضربني قبل ما تيجي بثانية واحدة.
توسعت حدقتا نازلي هامسة:
-معقول ليه حصل إيه؟
همهمت أروى بهمس:
-هقولك بس مش دلوقتي.
و جلسوا جميعًا داخل حديقة الشاي الخاصة بأوتيل العرض يناقشوا خطة العمل قبل بدء العرض، وتعديل بعض الأمور التي تخص هذا العرض العالمي، وبعد أن انتهوا نهضت نازلي برفقة أروى للذهاب إلى غرف تحضير العارضات فاستوقفها رياض قائلا:
-نازلي ممكن نتكلم في حاجه مهمة قبل ما تبدأي شغلك؟ مش هاخد من وقتك أكتر من عشر دقايق.
أومأت برأسها:
-أوك نتكلم، أروى اسبقيني انتٍ و جهزي العارضات.
ذهبت أروى بعد أن حدقت برِيبة في وجه رياض المسترخي و جلست نازلي أمامه تنتظر سماعه:
-اتفضل اتكلم.
ابتسم رياض بدماثة و ثقة اكتسبها من يقينه بنفسُه.. أعلن قائلا دون مقدمات تُذكر:
-نازلي أنا مش بعرف أجمل الكلام أو أحط أي مقدمات قبل كلامي، بإختصار أنا راجل عملي.
عقدت نازلي حاجبيها قائلة باستغراب:
-تمام مستر رياض بس ده علاقته ايه باللي عايز تقوله؟
عاد بظهره للخلف وضعًا ساق فوق أخرى و بهدوء هم قائلا:
-عندك حق.. انتي كمان عملية و ده اللي عاجبني فيكِ جدًا و خلاني آخد الخطوة ديه من غير تفكير.
بضيق خافت همهمت:
-مستر رياض أنا مش فاهمة حضرتك عايز توصل لإيه؟ هو إيه الموضوع بالضبط ممكن أفهم؟
استرخى قائلا بغلظة ليس لها أي علاقة بما سيقوله:
-نازلي أنا معجب بيكِ و شايف إننا مناسبين لبعض جدًا.. أنا و إنتِ تركيبة عملية دماغنا و تفكيرنا واحد.
كانت تسمعه بذهول بدا واضحًا على ملامحها التي تتقلب مع كل كلمة ينطقها بمنتهى البرود و الغلظة:
-نازلي أنا إعجابي بيزيد بيكِ كل يوم أكتر من اليوم اللي قبله ودا بيدل انك بالفعل مميزة، و أعتقد أنك بتبادليني نفس الإحساس.
ابتلعت ريقها و دمدمت بصوت خافت وهي تبتسم:
-مستر رياض أنا مش عارفه أقولك إيه بس كل....
ابتسم بسماجة مكشرا عن أسنانه وهو يسألها:
-مش محتاج اني أسال في حد في حياتك..
-أنا أ....
قاطعها كالعادة قبل أن تكمل:
-مش عايزك تردي عليا دلوقتي لأنك أكيد مشتتة بسبب العرض، anyway ..أحنا لسة قدمنا أسبوع تاني هنكون فيه مع بعض في باريس عاصمة الحب متأكد إنك وقتها وسط الأجواء هناك هتغيري رأيك ده في حالة لو انتي مش موافقة على عرضي.
تعجبت بشدة وهتفت بجدية:
-عرض!! هو إعتراف الحب بالنسبة لك عرض؟
هز رأسه و بتأكيد سمج رد:
Sure baby.
همهمت بخفوت من بين أسنانها:
-baby!!
أكمل دون اهتمام لتقلب مشاعرها:
-كل حاجة في الدنيا دي ناو عرض و طلب، أنا عمري ما روحت اعترفت لأي واحده عرفتها بشعوري ده، كل اللي كنت أعرفهم هما اللي جم لحد عندي و....
تلك المرة بترت حديثه المستفز وهي تنهض قائله:
-مستر رياض اسمح لي أقولك ان الحب و الأحاسيس و المشاعر عمرهم ما كانوا عرض و طلب أو بيع و شرا.. دي مش صفقة ولا حملة بنتفق عليها دي مشاعر.
أشار لها بهدوء:
-ممكن تقعدي و تخلينا نتكلم بهدوء.
هزت رأسها رافضة بغضب واضح على ملامح وجهها الذي احتقن بالدماء:
-آسفه.. أنا عندي عرض مهم بحضرله من فترة كبيرة و عايزة أركز فيه، أااه.. أنا هرد عليك دلوقتي بخصوص عرضك، مش عايزه أضيع وقتك بإختصار.
اقترب منها و بجراءة أمسك كفها:
-نازلي فكري.. بلاش تاخدي قرار دلوقتي من فضلك.
تمتمت بهسيس خافت وهي تسحب كفها من كفه:
-مش بحب حد يلمسني، رياض بيه أنا بحترمك جدًا و بحترم عقليتك العملية ومش هنكر إعجابي الشديد جدا بيك كابزنيس مان، لكن كل ده ما يديكش الحق خالص انك تتصرف معايا كده.
رفع ذراعيه بإستسلام وهو يبتعد قليلا عنها:
-اسف دي حركة مفاجئة مني و بقدم اعتذاري عنها للمرة التانية لكن ارجوكي، فكري كويس في عر... أقصد في اعترافي لكي بالحب، نازلي أنا حقيقي معجب بيكِ جدًا وأتمنى إنك تكوني شريكة حياتي، انتِ قولتي إنك معجبة بيا وده معناه في أمل، أولا إقبلي اعتذاري و ثانيا فكري من فضلك بلاش تاخذي أي قرار ناو و انتِ متوترة.
قالت مؤكده بغضب:
-أنا مش متوترة علي فكره.
اكتشفت أنها تصرخ في وجهه غاضبة، لذلك صمتت لبرهة ثم أسبلت أهدابها وهي تزفر قائله:
-اعتذارك مقبول طبعًا، و حقيقي أنا مكدبتش لما قولتلك إني معجبه بيك، بس إعجابي ده متمحور كله حوالين شغلنا و مجال عملنا غير كده أنا مش هقدر أبادلك الإعجاب ده، sorry.
ابتسمت له ورفعت حقيبتها فوق كتفها وهي تُشير له برأسها:
-بعد إذنك، أشوفك في العرض.
تحركت تهرول من أمامه وهي تتنفس بضيق هامسة:
-سيف كان عنده حق، إيه كمية الجراءة و الغرور ده.
-نازلي، ناااااازلي.
استوقفها صوته الذي نادها بعلو قليل، فإلتفتت إليه وهي تمط شفتيها بضحكة متصنعة:
-نعم...
نظر في عينيها مقتحمها هامسًا بصوت أصبح رقيق النبرة:
-مش هفقد الأمل، أنا بحب الصيد علشان عندي صبر و طولة بال، لسه في وقت مش هيأس و هستنى، أنا هكون تحت أمرك، هخليكي ملكة، هعمل كل حاجة عشان تنجحي و تبقي أكبر و أشهر Make-up artist معايا هتحقق كل أحلامك.
إلتوت شفتيها بإبتسامة عابثة، و أومأت برأسها تشكره برُقي:
-ميرسي على كل اللي قولته إنت حقيقي إنسان مميز و راقي.
و كأن كلماتها أعادته لغروره الذي حاول أن يخفيه عنها لثواني، فقد اتسعت شفتيه بإبتسامة كبيرة و واضحة يعلوها القليل من غطرسة حب الذات... ابتسامة أوقفتها نازلي التي قالت بنفس الهدوء:
-بس اللي حضرتك ماتعرفوش أنا مرتبطة بشخص تاني.
تجمد رياض قائلا لها بعصبية:
-شخص تاني!! نازلي انتِ قولتي لي انك مش مرتبطة.
ببساطة رفعت كتفها قائله:
-وشك كان حلو عليا و ارتبطت.
قال بسخرية وهو يكتف ذراعيه أمام صدره:
-والله!! وشي كان حلو عليكي، أووك ممكن أعرف مين سعيد الحظ اللي حظه أحسن من حظي؟ في حبك مش في حاجه تانيه أكيد.
حركت رأسها قليلا في إشارة للتحية هامسة:
-عن إذنك.
هرولت من أمامه وظل رياض واقفًا في مكانه يتابعها حتى دلفت الى المصعد... فقال وهو يضحك بإستخفاف:
-أنا أترفض بسهولة كده!! دي أكيد مختلة، أوك نازلي إنتِ اللي دوستي على زرار الخطر لما رفضتي رياض هواري، هنشوف هتعملي إيه في باريس.
**********
كانت غاضبة بشدة عندما دلفت الى الكواليس خلف مسرح العرض حيث كانت العارضات في انتظارها بعد ارتداء ملابس العرض ... نفخت وهي تقف متخاصرة تنظر في الفراغ:
_نازلي كل تمام، العارضات جاهزين.
تمتمت وهي تزفر:
_أوك هبدأ مع سوزي لحد ما تجهز سلينا، أروى قبل الترطيب اقفلي المسام بتلج اوك.
ابتسمت أروى وهي تهز رأسها ايجابًا:
_أوك الآيس جاهز بس قوليلي مالك هو مستر رياض قالك
حاجه زعلتك؟
قالت بغضب وهي تمرر مكعب من الثلج فوق وجه العارضة:
_الراجل ده مستفز..و نرفزني جدًا.
ومن الحقيبة المعلقة حول وسطها أخرجت عبوة كريم المرطب لترطيب بشرة الفتاة هامسة لأروى التي تقف بجانبها تُجهز باقي العارضات:
_قال إيه معجب بيا وقرر من نفسه المريضة إننا مناسبين لبعض و إنه هيشهرني و كلام فارغ جدا ومستفز كمان.
هتفت أروى قائله بتأكيد:
_مش قولتلك إنه واحد سيكو، رديتي عليه قولتي إيه؟
أخفضت وجهها و أخذت توزع كريم الفونديشن برفق وعندها عادت أروى لتسألها :
_رديتي عليه ولا لاه؟
رفعت وجهها نحو أروى تهمس بخفوت:
_رديت و قولتله اني مرتبطة.
شهقت أروى و عيناها تلمعان بالفضول وشيءٍ ما في داخلها يؤكدأن نازلي صادقة:
_بجد.. مرتبطة بمين؟
ابتسمت نازلي بسخرية وهي تعمل بحرفية شديدة:
_هري، أي كلام، عشان يفكه مني و يبعد عني يا أروى.. في إيه انتي علقتي؟ ناوليني البلاشير الكريمي.
_اااه هري.
دمدمت أروى وهي تناولها العبوة و بنظرة ماكرة للغاية
مالت عليها تهمس:
_متأكدة أنه هري ولا في حاجه أنا معرفهاش؟
سحبت نازلي نفسًا مختنقًا قبل أن تقول بصوتِ آمر:
_و زعي الهايلايتر هنا في عضمة الخد.
و أشارت فوق خدها وهي تقرصها بغيظ فصرخت أروى ضاحكة، بينما حدقت نازلي في المرآة لوجه العارضة الجميلة قائله لها بأعجاب:
_wow You look amazing sweetie.
و إنتقلت للعارضة التالية، تبعتها أروى لتسألتها مبتسمة:
_سيف أخباره إيه؟ أظن زعلان عشان مش هيحضر العرض.
بحزن أجابتها نازلي وهي تعمل:
_زعلان جدًا و أنا كمان بتفاءل دايمًا بسيف في أي عرض.
ضحكت أروى متنهدة ببطء.. لتسمع نازلي تقول بنبرة بدى بها الفرح بعد الحزن:
_بس وعدني إنه هيحضر عرض باريس، وكمان قالي إنه......
بترت كلماتها فجأة بعد أن كادت أن تُفضي بما في داخلها أمام أروى الفضولية.. وأخفت وجهها خلف رأس العارضة ولكن أروى لم تُمرر ما قالته مرور الكرام..و سألتها في لهفة:
_قالك إيه؟ قالك إنه بيحبك صح؟ يا نازلي اتكلمي.
همهمت بصوت كهمهمة البكاء، و أسبلت جفنيها وهي تتنهد بنفاذ صبر ثم قالت:
_أنا عارفة.. إنك مش هتسكتي، ممكن تروحي تجيبلنا قهوة بليز.
هزت أروى رأسها رافضة بعناد:
_نو مش هتحرك من هنا غير لما أعرف، نازلي بقولك إيه أنا الفار بيلعب في عِبي و حاسة إن في حاجهة كده بتدور من ورايا.
ضحكت نازلي حتى تلونت وجنتيها بحمرة لذيذة ا بصوت خافت:
_فار و بيلعب كمان في عبك هنا في ميلان؟! و في أكبر و أحدث عروض الأزياء و المكياج..طب وطي صوتك لأحسن الطلاينة يعلقوكي.
ضمت أروى شفتيها وتمتمت:
_بردك مش هتحرك غير لما أعرف حاجه صغيرة منك تشبع فضولي.
قلبت شفتيها كالأطفال المتذمرين و ابتعدت بعيدًا عن العارضة التي تتصفح هاتفها ساحبة أروى خلفها من ذراعها:
_باقي ساعة و العرض يبدأ.. خليني أركز و بطلي أسئلة كتير يخلص العرض بس و أطمن وبعدين أقولك على كل حاجه، يلا روحي هاتي قهوة دماغي هتفرقع من الصداع، مش هيبقى انتِ و سي رياض ده كمان.
أومأت أروي برأسها موافقة، و تحركت لتخرج من غرف التحضير و عادت نازلي للعارضة تعتذر منها بابتسامة واسعة:
_sorry.
عادت أروى بالقهوة الإيطالية و عملت نازلي على تحضير
باقي العارضات باحترافية و إتقان إستعدادًا للعرض الذي بدأ للتو...
خرجت العارضة الأولى ثم الثانية و الثالثة و بدأ التصفيق الحار بإنبهار و تعليقات جميع الحاضرين من مدونات الموضة، و الصحفيين ،و خبراء الموضة في كل الاختصاصات.. ثم جاءت نهاية العرض مع خروج العارضة الأساسيات واللاتي سوف ترافقهن خبيرة التجميل المصرية نازلي عز الدين...
كانت نازلي قد استعدت للخروج على ممر العارضات مع خروج العارضة الأخيرة وقد ارتدت فستان أسود ستان ،مخملي، ناعم، قصير يصل حتى ركبتيها مع حذاء فضي، و رفعت شعرها في ذيل فرس تُزينه نجوم فضية...
قالت أروى مبهورة:
_واو قمر نازلي.. بس مش كنتي تحطي ميك أب أكتر شوية.
قالت وهي تضع كفها فوق صدرها الذي ينبض من القلق الشديد:
_لا كده أحسن، أروى أنا قلقانة جدًا.. جدًا.
قفزت أروى تسقف:
_خايفة و قلقانة من إيه؟ مش سمعه تسقيف الناس بره، أصلا شُغلك عامل شو كبير وسط الحاضرين، كله معجب بطريقتك و إنك جمعتي بين العصور في شغلك.. مكياج السبعينات على الألفينات تجربة جديدة و مكسرة الدنيا، نازلي احنا نجحنا و هتشوفي بنفسك.
ضمتها نازلي بقوة و ارتجفت بشدة حينما تقدمت منها العارضة سوزي سودانية الجنسية و أمسكت بيدها و تُشجعها بابتسامة حتى تخرج معها الى ممر العرض.... خرجت نازلي وسط الأضواء العالية، و فلاشات التصوير المضيئة، و تصفيق الحاضرين لها بحفاوة ، وهي تبتسم بخجل للجميع، لتلمح رياض يجلس في الصف الأول كملك متوج يضع ساق فوق أخرى كعادته، وهو
يبتسم بفخر وزهو وكأنه هو الذي صنعها..
أومأت برأسها له و استمرت في تحية للجميع ثم التفت راكضة الى أروى تحتضنها صارخة بسعادة:
_نجحنا يا .. الحمدلله يارب، الحمدلله.
*****
بعد انتهاء العرض و ردود الأفعال الإيجابية من جميع الحاضرين بالعرض الخاص لنازلي و النجاح الساحق الذي حققه عرضها الأول بمدينة الموضة ميلانو، كانت سعيدة للغاية و رغم انشغالها بالأحاديث الصحفية و المقابلات التي أجرتها خلال اليومين التاليين للعرض إلا أنها لم تنشغل عن محادثة سيف كل ليلة، تحدثت معه عن كل نجاحاتها، وعن العروض المقدمة لها من أشهر الوكالات العالمية للانضمام الى في فريق العمل الخاص...
كانت تتحدث و تحكي معه كل ليلة عن كل تفصيلة سواء كانت صغيرة أو كبيرة تخصها، سعادته سعادتها، و يبتسم لابتسامتها، و حَزَنَ أيضًا لحزنها حينما علمت بإتمام زواج والدتها أثناء سفرها...
وبعد يومين من عودته من رحلته إلى الوطن بدأ سيف في الإستعداد للطيران إلى العاصمة باريس و تلك المرة كان هو أحد المسافرين على متن الرحلة المتجهة إلى فرنسا..
هبطت الطائرة في منتصف الليل بعاصمة الحب و الجمال الى مطار شارل ديغول الدولي بباريس، و استقل سيف المتلهف لرؤيتها إحدى سيارات الأجرة من أمام بوابة المطار قائلا للسائق بالفرنسية:
_Aller dans un hôtel، Novotel Paris Sud Porte de Charenton.
_الرحلة إلى فندق ، نوفوتيل باريس سود بورت دو شارنتون.
فتح السائق باب السيارة مبتسمًا للشاب الوسيم الذي يجيد الفرنسية بطلاقة قائلا له:
_d'accord Monsieur
_حسنًا سيدي.
وصل إلى الفندق و انتهى من اجراءات الحجز ليسأل سيف موظفة الاستقبال الحسناء عن نازلي النزيلة لديهم، و أكدت الموظفة بإبتسامة ساحرة بأن نازلي قد خرجت منذ أقل من ساعة برفقة السيد رياض..
وحينها انفجر بداخله بركانًا من النيران و لاحظت الموظفة في
لمحة خافتة لوجه الرجل الوسيم الذي يقف أمامها كل ما هو غاضب و مستاء... شكرها سيف و صعد إلى غرفته وهو يستشيط غضبًا من نازلي و هذا الطفيل رياض، وهو الذي كان يخطط لمفاجأتها بوصوله لذلك لم يُخبرها بموعد رحلته، ظل في غرفته واقفًا أمام الشرفة المطلة على برج إيفل و أثناء ذلك أجرى مكالمة سريعة مع والدته التي كانت في انتظار اتصاله:
_ماما أنا وصلت باريس و دلوقتي في الفندق.
هتفت سلوى بحماس:
_حمدلله على سلامتك ياحبيبي، نازلي عملت إيه لما شافتك قدام منها؟
رد بفتور ملحوظ:
_مش موجودة في الفندق.
ثم أكمل قبل أن تسأله والدته عنها:
_خرجت تتعشى بره.
بهدوء همهمت والدته التي تشعر بغضبه الخافت:
_دلوقتي تيجي بالسلامة و تفرح جدًا إنك نزلت في نفس
الفندق اللي نازله فيه.
دمدم بإستياء:
_هي مش فاضية عشان تفرح أو تزعل.. كفاية عليها اللي هي فيه.
تنهدت والدته قائلة بصوتها الدافئ الحنون:
_هي ماكنتش تعرف بمعاد وصولك باريس، عشان كده تلاقيها خرجت، هو في حد يبقى في فرنسا و يقعد جوه أوضته؟
كتم صيحات غضبه قائلا لأمه التي تكشف خبايا قلبه و عقله:
_تمام يا ماما.. أنا هقفل دلوقتي عشان أدخل آخد دش سخن الجو برد جدًا هنا، بكرة ان شاء الله هكلمك أول ما أصحى.
أغلق هاتفه زافرًا بحنق وهو يرميه فوق الفراش و دلف لداخل الحمام وهو غاصب ثم تحمم مزيًلا عن جسده عناء السفر:
_تمام يا نازلي أما أشوف هتقولي إيه؟ عن العشا ده المره دي.*أنتهي الفصل*
أنت تقرأ
عيــــــش معـــــــايا ❤️ الحــــــب
Romanceليس هناك أجمل من أن يتذكرك دائما شخصٌ ما.. يتذكر أدق وأصغر التفاصيل التي قد تنساها أنت.. تلك التفاصيل الصغيرة تجعل قلبك ينبض فرحا... تمر السنوات ولا نزال معاً.. ننتظر موعد حفلة سينما أو موعد حفل موسيقى.. يمر الوقت ونحن نقف خلف نافذة مغلقة تملأها...