الفصل الثالث ❤️

1K 55 8
                                    

طرقت سلوى الباب وحين لما تسمع ردًا فتحته ببطء و أطلت منه لتطمئن على ابنها الذي لم يكن على طبيعته منذ دعوة نازلي بالأمس، و الأكثر من ذلك حين عاد من الخارج بعد أن أوصل نازلي لمنزلها دلف الى غرفته وطال بقاءه فيها..
دخلت والدته ووجدته مستلقيًا على سريره ،ذراعيه خلف رأسه وعيناه مغمضتين:
- سيف نمت ياحبيبي.
فتح عينيه الزرقاوتين وتبسم لأمِه قائلا:
- لا صاحي يا ماما اتفضلي.
دلفت وهي تحمل كوبًا من الشاي بالحليب مع بعض رقائق البسكويت الذي تصنعه له خصيصًا قبل كل رحلة يطيرها:
- عملت بسكوت بجوز الهند والزبدة اللي بتحبه وجبتلك تدوق منه الباقي حطيته في علبة السفر.
اعتدل في جلسته و أمسك كفها يقبله هامسًا:
- تسلم إيدك ياحبيبتي القمر.
دعت له و وضعت الصينية فوق الطاولة بجانبه:
- تسلم ليا ياحبيبي وترجعلنا بألف سلامة يارب سالم غانم.
ثم جلست على حافة الفراش تنظر الى حقيبة سفره:
- خلاص حضرت شنطتك كله جاهز فيها.
هز رأسه قائلا:
- كله جاهز الحمدلله.
تنحنحت سلوى وملست على غطاء الفراش ناظرة الي ابنها الذي لم يلتهم رقائق البسكويت كعادته:
- نازلي عجبتها الشقة أوي الحمدلله، والله قرفتها حلوة كل حاجة خلصت بسرعة سبحان الله ماحديش يعرف النصيب فين.
وأكملت كأنها تتحدث مع نفسها:
- أنا كلمت الست اللي بتيجي تساعدني في تنضيف البيت علشان تنظف الشقة للبنت, وهي لما ترجع بالسلامة تبقى تشوف الديكور و اللون اللي عايزه تعمله.
قال سيف وهو يشدد على حروف كلماته:
- ماما ممكن أفهم إيه سبب كل الإهتمام ده بنازلي؟ خلاص إنتِ عملتي اللي عليكي حتى البنات وافقوا ياخدو نص المبلغ بتاع الشقة عشانك إنتِ, يبقى خلاص هي تتصرف.
رمقته والدته بطرف عينها بنظرة هادئة و فاجأتة:
- مالك قالب ليه على نازلي كده؟ ده إنت من امبارح واضح عليك إنك على أخرك, حصل إيه؟ شكلكم كده اتخانقتم زي العيال الصغيرين.
دمدم ببساطة وهو ينهض من فوق الفراش:
- مافيش حاجة يا ماما ولو سمحتي خلينا نقفل على الموضوع ده علشان أنا أصلا مش طايق نفسي.
أمسكت بذراعه قبل أن يتجاوزها و سألته و عيناها في عينيه المخنوقتين:
- مالك ياحبيبي قولي إيه اللي مضايقك بالشكل ده؟ إنت مش سيف ابني اللي أعرفه! زي ما تكون مهموم يا حبيبي, و قلبك موجوع.
مرر نظراته الجوفاء الخالية على وجه والدته القلق وقال وهو يهز رأسه نافيًا احساسه بالوجع:
- مافيش أي حاجة أنا كويس الحمدلله بس محتاج أخرج شوية علشان مخنوق.
سألته والدته بلهفة قلق:
- أخرج ياحبيبي, هتخرج مع نازلي.
هدر فجأة بعصبية لتفجر الإنفعالات التي تراكمت في داخله صارخًا بوجه محتقن من الغضب لأول مرة بوجه والدته:
- خلاص بقى يا ماما كفاية هو مافيش غير نازلي في حياتي, كل شوية رايح مع نازلي جاي مع نازلي, اتجوز نازلي أنا زهقت من السيرة دي ومش عايز حد يتكلم معايا في الموضوع ده.
قالت سلوى بحنو و تفاهم رغم تضخم حلقها من البكاء:
- ماشي ياسيف مش هتكلم معاك تاني في أي موضوع يخص نازلي أو غيرها, أنا هخرج علشان تغير هدومك وتشوف رايح فين.
- ماما.. أنا أسف ماتزعليش مني, سامحيني, أنا أسف جدًا.
اعتذر لوالدته وهو يحتضنها من خصرها كطفل صغير ولكنه حائر، وضع رأسه فوق كتفها بعد ما قبل كفيها و جبهتها،ربتت سلوى فوق كتف ابنها الحائر الحزين:
- مش زعلانه منك ياحبيب قلبي.. في حد يزعل من روحه, أنا بس زعلانة علشان مش عارفة ايه مزعلك كده وواجع قلبك لو تقولي مالك.
هز رأسه هامسًا بتعب:
- مش عارف يا ماما, صدقيني لو كنت أعرف فيا إيه و إيه اللي بيحصلي كنت قولتلك.
أمسكت بكفه وتحركت به نحو الأريكة التي بغرفته و جلست بجانبه:
- تعالي جنب أمك حبيبتك ولو عايز تراضيني و مازعلش منك جواب على أسئلتي بصراحه.
ابتسم وهو يمرر كفه فوق وجهه يهتف:
- هو تحقيق يا سوسو.
هزت رأسها بنعم:
- اعتبره تحقيق بس خد بالك أنا مرات مستشار من أكتر من 33 سنه يعني عندي خبرة وضحكت وهو أيضًا... لتسأله بهدوء:
- اللي مزعلك و مخليك غضبان كده و بتزعق لأمك حاجه تخص نازلي.
أجابها دون كلام وهو يهز رأسه بنعم...فعادت والدته تسأله من جديد:
- اتخانقت معاها؟
أجاب بنفي دون أن تنبس شفتيه بحرف...بإبتسامة جانبية تنضح بالثقة تنهدت والدته هامسة بحنو:
- بتحبها يا سيف؟
أحنى وجهه مغمغما وهو يسبل أهدابه معترفًا:
- مش عارف؟ بس كل اللي متأكد منه إني خايف تبعد عني, تنساني, حد تاني يشغلها عني, يمكن أكون أناني في تفكيري, مش بحب غير نفسي، بس هو ده احساسي ناحيتها.
ظلت سلوى تحدق في ابنها حائر المشاعر و القلب, الحب و العشق أمام عينيه يدق أبواب قلبه المغلقة, يقتحم حصون قلبه, لكنه لايشعر به لا يراه, فقط يترجمه في شكل أحاسيس أنانية تتملك منه...
ربتت فوق ظهره بعدما انتهى من وصف أحاسيسه المبعثرة قائله بضحكتها الجميلة:
- تبقى بتحبها يا كابتن وقلبك متشعلق بيها و بتغير عليها من الهوا، بس عقلك الطخين ده اللي مشغول بفلانة و علانة هو المسيطر على الاستاذ ده.
و أشارت على قلبه..تنهد وهو يقول مستغربًا نافيًا و رافضًا:
- بحبها!! مش ممكن ماهي طول عمرها قدام مني ليه ماحسيتش بكل ده غير دلوقتي.
قالت سلوى وهي تنظر لسيف بنوع من التأنيب:
- علشان عقلك كان مشغول بديه و ديه, وبعدين يابني كل شيء بأوان
و أكيد ربنا أراد انه يفتح عيونك من الغشاوة اللي إنت فيها, يعني مثلا تكون في حاجه حصلت ولا سمعت حاجه كده ولا كده، ما هو لكل فعل رد فعل, والبني آدم مننا مش بيحس بقيمة الحاجه اللي في ايده غير لما تضيع منه.
توتر سيف وصمت وهو تائه في بحور أفكاره:
- مش عارف يا ماما يمكن يكون كلامك صح, بس أنا حقيقي مش عارف أعمل إيه و أتصرف أزاي.
قالت والدته وهي تربت فوق ساقه:
- امشي ورا احساسك و قلبك وشوف هيحصل إيه؟ المهم إياك تضيع بنت زي نازلي من ايدك، مش كفاية انها عجناك و خبزاك وهي أكتر واحده هتريحك لأنها فهماك.
إلتمعت العينان الزرقاوتان بحزن ثم قال:
- مش يمكن تكون مشغولة بواحد تاني معجب بيها وهي كمان.
شهقت سلوى تسأله:
- واحد مين؟ تعرفه, أاااه علشان كده إنت مش على بعضك وحسيت بيقمتها دلوقتي.
- خلاص يا ماما مافيش داعي للكلام ده اللي حصل حصل.
هتفت والدته بغضب:
- لا مافيش حاجه اسمها اللي حصل حصل و مافيش داعي، اللي بيحب حد مش بيتخلى عنه بسهولة كده، وبعدين إنت أولى بيها, اسمع كلامي نازلي لو حسيت منك بأي اهتمام أو شعور بالحب, هتلاقيها بتحبك أكتر ما أنت بتحبها.
ضرب كفيه ببعضهما يغمغم ساخرًا:
- خلاص خلتيني بحبها.
نهضت والدته وقالت وهي تضربه فوق كتفه بسخريه:
- ده أنت واقع لشوشتك ياروح قلب أمك, قوم شوف هتعمل ايه.
قال وهو يقف أمامها يحتضنها:
- لا خلاص بقى مافيش خروج أنا يادوب أكل البسكوت اللذيذ ده مع كوباية شاي سخنة بدل اللي بردت و أنام.
قبلته والدته فوق خده قائله:
- أحلى كوباية شاي بس لازم تتعشي مع أبوك و تقعد معاه شوية لاحسن يقولك مش بتقعد غير مع أمك بس, يلا فوق كده و تعالى ساعدني في المطبخ نحضر أحلى عشا.
*******
أغلقت جهازها المحمول بضيق و تأففت ناظرة الى أروى التي تتحدث في الهاتف مع خطيبها بهيام... إلتفتت حولها تنظر هنا و هناك تتابع بوابة دخول المسافرين ثم نظرت في ساعة معصمها و قالت بخفوت:
- هو اتأخر كده ليه؟
ابتعدت أروى بالهاتف لتجلس في مكان معزول... بينما ظلت نازلي تعمل على جهازها المحمول وهي تتلفت بين الفنية و الأخرى حتى شعرت بيد تربت فوق كتفها فرفعت رأسها مبتسمة تهمس:
- سيف....
قال رياض الرجل الأنيق صاحب الطلة الكلاسكية بحلة باهظة الثمن من صنع احدى البرندات الشهيرة:
- لا مش سيف.
ابتسم ثغرها الوردي و نهضت بعودها اليافع و أناقتها المميزة رغم بسطاتها ترحب برياض:
- مستر رياض حمدلله على السلامة نورت مصر.
إلتقط رياض كفها بين كفيه و ضمه بقوة وهو يرحب بها بشغف و إعجاب شديد:
- يعني تقدري تقولي نورت مصر و هشتاق لمصر لأني يادوب قعدت أربعة أيام بس مالحقتش أستمتع:
تخضب وجهها بالاحمرار وهي تحاول برقة و تهذيب سحب كفها من بين كفيه:
- اتفضل أقعد.
جلس رياض واضعًا ساق فوق الأخرى ثم أشار لمدير أعماله الذي اقترب منه وهو يحمل صندوق أسود ملفوف بشريط ستان زهرية... صافحت نازلي أمين مدير أعماله بود و ابتعد الرجل ليضع رياض الصندوق أمامها فوق الطاولة وقال:
- ده كادو بسيط يارب يعجبك ذوقي.
بخجل و رقة همهمت وهي تضع الصندوق بجانبها فوق المقعد الخالي:
- ميرسي على الهدية بس ليه تعبت نفسك.
قال بثقة:
- أنا واثق ان ذوقي هيعجبك جدًا بس ياريت تفتحيها علشان أعرف رأيك.
هزت رأسها مبتسمة رغم استغرابها من ثقته الزائدة وردت:
- هفتحها أكيد بس لما أوصل ميلانو, ااه نسيت تشرب ايه.
رفع حاجبه يهمهم بتنحنحح راقي:
- لاااا سوري أنا مش بشرب غير كوفي خاص بيتحوج ليا اسبشيال في فرنسا.
هزت نازلي رأسها و تلك الابتسامة الناعمة الغبية تتعمق بين غمازتها:
- أوك اللي تشوفه.
أشار لها بسبابته في تعجرف:
- هايل, برافو عليكي, مش بحب خالص البنت اللي بتلح لكن إنتِ مميزة كل حاجه فيكي مميزة.. علشان كده اعجابي بيكي بيزيد كل يوم أكتر.
و طرقع بأصابعه أمام وجهها يسألها:
- أاااه ماقولتليش مين سيف, البوي فريند بتاعك؟
توترت للحظات قبل أن تهز رأسها نافية:
- لا سيف ماي بيست فريند.
بنفس اللحظات دخل سيف مع طاقم الطائرة من بوابه المسافرين وهو يبحث بعينيه عنها... تحدث مع مساعده بالطائرة ثم سلم متعلقاته الي احدى المضيفات المرافقات له في الرحلة و غادر حيث منطقة انتظار المسافرين و المطاعم و الكافيهات وهو يبحث عنها بعينيه المشتاقة لها:
- انتِ فين يا نازلي, مش المفروض تكوني هنا.
وفي تلك الأثناء لمحته أروى التي كانت تتحدث بالهاتف و أشارت له من بعيد:
- كابتن سيف هااا.
تبسم وهو يتجه نحوها ملهوف:
- هاي أروى ازيك و خطيبك أخباره إيه؟
ردت بحماس:
- كويس جدا بيسلم عليك.
لاحظت توتره و عيناه التي تبحث عن نازلي... فقالت وهي تمط شفتيها:
- نازلي قعده في كوستا مع مستر رياض هواري.
من دون وعي صاح سيف بصوت متفاجئ:
- نعممم, قعدة مع مين؟
أشارت أروى خلف ظهرها قائله بتوتر:
- قعدة مع مستر رياض في كوستا.
والتفتت تُشير اليهما من بعيد:
- هناك أهم قعدين.
مرر أنامله بين خصلات شعره وزفر بغضب شديد وهو يحدق فيهما و قلبه يتضخم من الشعور بالغيرة، كز على أسنانه متسائلا بنبرة مغيظة:
-هو هنا بيعمل إيه؟
ردت أروى بهدوء مضطرب:
-هو لسه جاي من شوية .. طب علينا مرة واحدة كده, أصله مسافر على نفس الرحله مع نازلي, أااقصد معانا.
ابتسم بسخرية قائلا لأروى التي بدا عليها الارتباك بسبب ملامح سيف الحانقة:
-تمام خليها براحتها مافيش داعي أعطلها إبقي قوللها إني سألت عليها قبل ما أطلع رحلتي.
هتفت أروى بسرعة قبل أن يتحرك:
-لاااا إزاي تمشي من غير ماتشوفك نازلي ديه مستنياك من بدري.
قلب شفته قائلا بإمتعاض رغم خفوت صوته وصل لأروى بوضوح:
-واضح أوي إنها كانت مستنياني.
تأففت نازلي وهي تستمتع الى إنجازات رياض التي لا تنتهي و برغم كل شيء تشعر به الآن إلا إنها كانت تبتسم برفق داعية الله أن يصل سيف بأقرب وقت و ينقذها من تلك المحادثة التي لا تنتهي...
وضحك رياض بثقل مكملا حديثه الذي لم تستمع لبعضه:
-وبعدين ياستي لاقيت تجمع كبير في الوكالة فرنسيات على أمريكيات و هنديات جنسيات كتير كلهم عايزين يشتغلوا معايا.
هزت نازلي برأسها تهمس:
-امممم أكيد.
ضحك برتابة و تعالي:
-تعرفي في مجالنا أطلقوا عليا إيه؟
حركت نازلي رأسها بعدم معرفتها:
ليضيق رياض عينيه رافعًا حاجبه قائلا بصدمة لم يكن يتوقعها:
-تعرفي...
همهمت نازلي في سرها:
-يادي النيلة هو لازم أتكلم عشان يفهم وقالت:
-في الحقيقة لا ماعرفش أنا مش متابعة السوشيال ميد....
قاطعها بغير لباقة:
-غريبة إزاي تشتغلي معايا و ماتعرفيش, مافيش حد أساسًا في عالم الموضة مايعرفش مين هو رياض هواري جان المجال.
تنحنحت وهي تحرك أصابعها فوق جانب عنقها دلالة على الضجر الشديد:
-مستر رياض إحنا اشتغلنا مع بعض مرتين بس.
ضحك بدماثة:
-هنرجع تاني لمستر, على فكرة نازلي إنتِ الانسانة الوحيدة اللي اشتغلت معاها و اديتها أوردر تناديني كده بإسمي من غير ألقاب.
توسعت حدقتيها مردده:
-أوردر!!
رفع ذراعه و طرق بأصابعه لمدير أعماله الذي جاء يهرول:
-يس مستر رياض.
-أنا محتاج كوفي اتصرف.
أومأ المساعد رأسه بطاعة وقال مرتبك:
-أوك يافندم هحاول مع أي كافتيريا هنا انهم يحضروا لحضرتك القهوة من بن سيادتك الخاص.
إلتفت برأسه يحدق في مساعده الذي يرتجف داخل حلته:
-تحاول!! إيه الكلام الفارغ ده؟ قولهم إنك مدير أعمالي و محتاج أشرب كوفي من بني الخاص مش كفاية إني هركب طيارة Unprivate.
و عاد ينظر نحو نازلي متسعة الحدقتين وقد بدأت تكتشف الكثير من الجوانب السلبية في هذا الرجل غريب الأطوار:
-معذورين مايعرفوش أنا مين؟ إتصرف يا أمين إديهم الفلوس اللي عايزينها, يلا روح.
أومأ مدير أعماله رأسه هامسًا:
-أمرك يافندم هتصرف.
قالت نازلي بسخرية وشفتيها تمتط بين شقي ثغرها:
-مستر رياض هو حضرتك عندك طيارة خاصة.
أومأ رأسه بفخر بنعم دون حديث... فقالت نازلي وهي ترفع حاجبها بأستغراب:
-أسفة لتطفلي عليك بس ليه حضرتك هنا دلوقتي؟ المفروض تكون في طيارتك مرتاح في هدوء بتشرب قهوتك من البن الخاص بتاعك.
همهم وهو يقترب منها وينظر في عينيها:
-هنا عشانك.
هتفت وهي تُشير نحوها:
-عشاني, ليه؟
هتف وهو يقترب أكثر منها:
-علشان كنت واثق إنك هترفضي إنك تيجي معايا رغم إن معاكي البنت اللي شغاله عندك.
زفرت نازلي بتذمر و استياء وهي تبتعد عنه بمقعدها:
-تقصد أروى؟
قال بلا مبالاة و برود:
-أيًا كانت لكن كنت واثق إنك هترفضي.
أومأت رأسها بتأكيد:
-صح كنت هرفض أنا متعودة أسافر عادي زي الناس العادية خصوصا لما يكون سيف هو اللي طاير بيا.
بملامح ممتقعة هتف:
-سيف, امممم يظهر إنه محور اهتمامك.
قالت مبتسمة ببرود:
-فعلا سيف مش بس صديقي ده....
قاطعها بضيق:
-أوك اااه كنت عايز أسألك مستعدة تعيشي في ميلان على طول؟
رفعت عينيها بضيق لمقاطعته المستفزة له وهنا لمحت سيف وهو يلتفت بظهره ليغادر فقفزت من مكانها لتركض نحوه وهي غير مبالية بهذا المغرور الذي أطبق على أنفاسها:
-سيف, سيفووووو.
توقف عند سماع صوتها في مكانه من دون أن يلتفت نحوها، وبنفس اللحظة قالت أروى:
-نازلي بتنادي لك.
عندما اقتربت منه سألت بصوت ملهوف:
-رايح فين ياسيفو؟
زفر بضيق لكنه حاول رخي ملامحه المتشنجة حتى لا يبدو عليه الغضب أو الإهتمام فقال وهو يلتفت نحوها:
-طالع على الطيارة قدامي ساعة و أطير.
ارتسمت ابتسامة واسعة مشتاقة على ثغرها الجميل لتتعمق غمازتيها وسألته بصدق:
-كنت هتسافر أسبوع من غير ما تشوفني معقول ده يحصل؟
هنا لم يستطع كبح غيظه وغيرته فهتف بحنق:
-ماكنتش عايز أشغلك عن مستر رياض ولا أقول رياض من غير مستر ماحنا بقينا حبايب.
تنحنحت أروى وهمست وهي تلوح بإرتباك:
-نازلي أنا هروح أشرب شاي, عن إذنك.
هزت رأسها بعصبية وهي تزم شفتيها وعندما ابتعدت أروى كتفت ذراعيها أمام صدرها وعنفته بتشنج:
-سيف إيه طريقتك الغريبة ديه في الكلام؟
رد بقلة صبر وهو ينزع قبعته الخاصة بزي الطيران و بعثر شعره بأصابعه المتشنجة هاتفًا:
-وأنا ممكن أفهم إيه حكايتك مع البيه الملزق ده؟
وأشار برأسه نحو رياض الذي كان يراقبهما من بعيد..
رفعت كتفها وهي مازالت تكتف ذراعيها:
-ولا حكاية ولا رواية مستر ري, أقصد رياض عميل بشتغل معاه, وعميل مهم.
و هدر متسائلًا:
-وهو العميل المهم يجي مصر مخصوص علشان يسافر معاكي على نفس الطيارة ولا كل واحد فيكم هيسافر على طيارة مختلفة؟.
صاحت بغيظ:
-لا طبعًا هنسافر على نفس الطيارة, فيها إيه ده شخص هشتغل معاه.
ربت فوق كتفها بغيظ:
-تمام نازلي, روحي بقى.
ضربته فوق ذراعه الممدودة قائله من بين أسنانها:
-بلاش رخامة, هو إنت مالك و مال رياض عايزة أفهم؟ وبعدين هو في مرة إدخلت في حياتك مع واحدة من جواريك يا سي شهريار؟
وضع القبعة مرة أخرى فوق رأسه هاتفًا:
-عندك حق إنتِ صح ياست شهرزاد, أوعدك إني مش هادخل تاني في حياتك.
تخاصرت شاهقة:
-ده من إمتى!! إيه القرارات الجديدة ديه يا كابتن؟
كز فوق أسنانه ماسكًا بكفها وهو يسحبها خلفه في مكان بعيد قليلا عن أنظار الجالسين في صالة الانتظار:
-سيف بلاش جنان.. سيف.
صرخ فيها وهو يترك كفها بعنف:
-عايزه ايه من سي زفت.
كتمت ضحكتها لوهلة ثم أطلقتها عالية و جميلة و مبهجة, مبهجة لدرجة اسعاد قلبه و تغير مزاجه السيء الى آخر سعيد للدرجة التي جعلته سعيدًا يبتسم قلبه يقفز مفكرًا..
"شكلي وقعت حقيقي في ناز ولا حد سمى عليا"
وسألها بهدوء:
-ماقولتليش ليه إنه مسافر معاكي؟
همست وهي تنظر في عينيه:
-حسيت إنك متضايق منه و يمكن غيران عشان كده ماحبتش أضايقك.
نفى بكذب مفضوح:
-وأنا هتضايق و أغير ليه بقى؟!
ارتفع حاجبها بذهول وهزت رأسها وهي تقلب شفتيها كطفلة حزينة:
-فكرت كده يعني.
وتغيرت نبرتها من هادئة حزينة الى غاضبة مغتاظة وهي تهتف:
-مانا عادي كنت بتضايق لما تغيب عني ولا تخليني أستناك و إنت بتلف و تدور على حل شعرك مع واحدة من وحداتك.
ضاقت عيناه بشكٍ وسألها بخبث:
-ضِيق بس ولا غيرة كمان.
نفت هي الأخري بكذبة مفضوحة مرتبكة:
-وأنا هغير عليك ليه بقى إن شاء الله ؟ كنت حبيبتك ولا خطيبتك أنا يا دوب صاحبتك.
تمتم وإصبعه يحك أنفه بتوتر:
-وأنا زيك تمام, المهم خدي بالك من نفسك, وعلى فكرة أوربا برد جدًا، درجة الحرارة تحت الصفر.
أومأت رأسها بطاعة وعيناها لا تتزحزح عن مرمي عيناه وكأنها تكبله بتلك النظرات التي يراها لأول مرة بشكل مختلف و إحساس مختلف... وتنهدت هامسة:
-هتيجي العرض.. مش حتسبني لوحدي صح, هممم.
أجاب مبتسمًا بوسامته يؤكد:
-مش هسيبك لوحدك عمري, أبدًا حتى لو في حد ممكن ياخد مكاني.
غامت عيناها وهزت رأسها تنفي بلهفة:
-مافيش حد يقدر ياخد مكانك.. خليك واثق من كده.
رن هاتفه وكان المتصل مساعده راشد بالطائرة يستدعيه أغلق الهاتف قائلا وهو يحتضنها كالعاده قبل سفره بكل مرة:
-خدي بالك من نفسك.. هكلمك كل يوم أطمن عليكي.
حاوطت خصره بذراعيها غير كل مرة, كان عناقهما في تلك اللحظة شديد الدفء و الحنو و الأمان و الأكثر من كل ذلك الإشتياق:
-هتوحشني لحد ما أشوفك بإذن الله, إنت كمان خُد بالك من نفسك كويس جدًا, هتوحشني أوي.
-وإنتِ كمان..
همس وهو يطبع قبلة وداع فوق خدها:
"لا إله إلا الله"
"محمد رسول الله"
***********
وفي العاصمة بكين.. الصين.
دلف سيف برفقة مساعده راشد إلى داخل أحد مطاعم
بكين الشعبية لتناول وجبة العشاء الأولى لهما ببكين:
_هنا بقا هتاكل احلي أكل يا راشد اظن ديه أول مرة تدخل مطعم شعبي في الصين.
قال راشد وهو ينظر حوله في استغراب و نفور:
_أول مرة يا كابتن بصراحه أنا بنزل في الاوتيل الفايف ستار تبع الشركة وبطلب من المطعم وجبات خاصة تكون حلال لاني مش بثق في المطاعم اللي في الشارع.
أبتسم سيف وهو يجلس في طاولة جانبية مطلة على الحي الشعبي الممتلئ بالمارة في منتصف ليل بكين الممطر قائلا وهو يؤشر له على يافطة معلقة داخل المطعم مضاءة بالون الأزرق :
-شايفة الكتابة على اليافطة اللي متعلقة ديه والكتابه بالون الأزرق.
أوما راشد رأسه وهو ينظر إلى اليافطة:
_ايه المكتوب ده انا مش بعرف صيني مش مفروض أن تكون الكتابة انجليزي.
همهم سيف وهو يبتسم:
_انت في مطعم شعبي وسط بكين مش بيدخل هنا غير العمال و الطبقة الفقيرة من الشعب ع العموم اغلب العرب هنا عارفين اللوحة ديه لأنهم بيسالوا.
ابتسم راشد قائلا لسيف:
_فعلا لسفر سبع فوائد، وأنت خبرة يا كابتن.
غمز له سيف بطرف عيناه:
_خلي كابتن ديه جوه كابينة الطيارة اول ما نخرج برها يبقى سيف و راشد، ديه تالت مرة نطير مع بعض أنا وانت ويظهر مش الأخيرة.
شكره راشد بابتسامة سعيدة و أكمل سيف:
_اليافطة ديه معناها حلال اما الحمرا اللي جنبها غير حلال يعني فيه نوعين الأكل هنا حلال للمسلمين و اليهود و غير حلال للمسيحيين.
زفر راشد بارتياح:
_كويس جدا انك قولتلي ياكابتن، سوري سيف عشان ابقى عارف لما ادخل اي مكان، فين بقا المنيو عشان نطلب أنا دلوقتي أقدر أقولك اني جعت جدا.
نهض سيف وقال لراشد وهو يغمز اليه بطرف عيناه ليقف:
_لا يا ابو الرجال هنا مفيش منيو اعتبر نفسك كده في
الفلاح بتاع الكبده في محطة الرمل هنروح عند البنت المزة ديه و نطلب من القايمة اللي قدامها.
نهض راشد و اقترب معه من الفتاة الواقفة خلف طاولة مستطيلة تستقبل طلبات الزبائن، ابتسمت الفتاة الصينية برقة عندما ناظرت الشاب الوسيم الذي يأتي إلى مطعمهم بأستمرار لتناول وجباتهم البسيطة تاركٓا لهما بقشيش يعادل ثمن الوجبة...
حياتهم بتقديس كعادتهم وهي تحني رأسها بتقدير و تحدث سيف معاها ببعض الكلمات الصينية القليلة التي يحفظها ثم نظر في قائمة الطعام مع راشد الذي افتتن اعجابٓا بالفتاة الجميلة ضايقة العينان و رقيقة الملامح تاركٓا لسيف اختيار طعام العشاء...
وبعد وقت قصير كان كلاهما يتناولان الطعام الشهي وجبة البط بالبرتقال و الكاجو المحلى مع الأرز المقلي بالأعشاب، تناول راشد الطعام بنهم وهو يحدق من وقت لآخر بالفتاة التي تناظره هي الأخرى بأعجاب...
بينما كان سيف جالسٓا في شرود يفكر في نازلي التي تتواجد الآن بقارة أخرى لا يتواجد هو فيها...
ليهمس وهو يغمض عيناه:
_نازلي...

عيــــــش معـــــــايا ❤️ الحــــــبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن