الجُزء الأوَّل

490 32 16
                                    

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين.

----

"ألَم أقُل لَك يابُنَي لقَد كُنتُ مُحِقة إنها الفَتاة المُناسِبة" قالتها بفَخر فنَظَرَ لها بإبتِسامة سُخرية ثم نَطَقَ لِسانهُ قائلاً بإمتِعاض "هَل مازِلتي تُريدينَ مِنّي الزَوَّاج من تِلك الفَتاة!!"

نَظَرَت لهُ مَرّةً آُخري في صَمتٍ كاد أن يَقتَِلع قَلبُه من الضَجَّر ثم قالَت لهُ في عِناد "أنا من ربّاك بَعد وفاة والديك يَجِب أن تُطيع أوامِري!"

نَظَرَ لها كابتاً ما في قَلبُه من كَلِمات فَتَفَهَمَت ما يُريد أن يَقول "إسمَع بُنَي. صَدِّقني، هذهِ الفَتاة المُناسِبة"

"إنها ليسَت كذَلِك. إنها ليسَت كذَلِك في نَظَري علي الأقلْ يا جِدَتي، أرجوكِ أن تتَفهَمي ما أعنيه." قالها ثم أكمَل بعد صَمْت ليس طَويل "أنا لا أُريد الزَوّاج وخاصةً بهَذهِ الطُرُق"

"إلي مَتّي يا بُنَي؟، أسَتَظَل هكَذا طُوال حياتَك؟!.. كَمْ عُمراً بَقِيّٰ لي وكَمْ عُمراً سَتَعيشهُ أنت لتَفْعَل كُل هَذا؟!!" نَطَقت تِلك الكَلِمات بالحُزن والدَمع الذي مَلأ مُقلَتاها "أسِفْ، ولَكِنْ لَنْ أقدِر.. أتمَني أن تُسامحيني" بَثَقَها ثم تَرَكَها راحلاً ..

°°°°

"أميرة، هَلّا أتَيتِ مَعي إلي المُشرِفة؟!" قالتها صَفَاء، "هَه؟! لِمَاذا! ماذا فَعَلتْ!" سألتها أميرة والخَوف يتغَلغَل كَلِماتَها "لا أدري، فَقَط تعالي وسَتَعلَمين." أجابَت صَفَاء.

ذَهَبَتْ أميرة إلي المُشرِفة وعادَت مرّة آُخري إلي الغُرفة، "لقَد عُدتي! هيّا أخبِريني ماذا أرادَت؟!"

بَديٰ علي أميرة الحُزن الذي قَد إرتَسَمْ علي وَجهَها "ماذا؟! لقَد بَدأت أقلَقْ. هيّا فـ لتُخريني!"

"عَريس.." قالَتْها أميرة باثِقَةً إيّاها في وَجه صَديَقتِها المُقَرّبَة عِناد ثم ساد الصَمْت لبِضْع لَحَظات.. كتَمَتْ عِناد دُموَعها قائلة "وآخيراً!"

"نَعَم.. آخيراً.. آخيراً سَأترُكِك وأترُك الغُرفة وأترُك الدار بأسْرُه" قالتها أميرة بيَنما بَدأت بعض قَطَرات عَيناها في السُقوط كالمَطَر الخَفيف، لَم تَقدِر عِناد علي التَماسُك أكثر فبَدأت هي الُآخري في البُكاء.

إحتضَنَت الصَديقَتان بَعضَهُما البَعض بحنان وحُب شَديدَين يَملأهُما الوَحشَة والغُربَة وكأنه الوَداع الآخير لهاتَين اليَرَقَتَين اللتان كَبِرتا سَوياً في هَذا المَكّان مُنذ أن كانوا أطفالاً بِلا أُسرة ولا سَنَّد يُعينُهُم علي مواجَهَة مَشَقّات الحَياة..

هُنا في -دار الَيَرقات- تَنتَمي الفتَيات التي لا تَعرِف لها مَكّان ولا عُنوان، ولا وَجهَةٍ تَذهَب إليّها إذا ما داقَت بِها الحَياة الصَعبة الشَقِية التي تَنكَتِب لها علي أعتاب اليُتم الذي تَعيشهُ..

"عِــنــاد" - {قَلَم يَنبُض}حيث تعيش القصص. اكتشف الآن