الفصل الأول. 《لعنة البرتقال》

209 38 53
                                    

في قديم الزمان، وفي إحدى الجزر المطلة على الخليج المكسيكي، كان الليل عاصفًا بينما يقف مزارعنا بسَلّته يجمع ثمار البرتقالِ بسرعةٍ قبل أن تدمّرها العاصفة، ويخسر كل ما لديهِ من ثمارٍ، يلملم حبةً من هنا وأخرياتٍ من هناك.

 وفجأةً بينما يعمل بسرعة إذ بالأشجار أمامه ومن حوله تهتز بعنفٍ، والعاصفة تشتد وصوتٌ غريبٌ ملأ المكان، يصل لمسمعهِ صوت أمواج البحر الثائرة، ثم وبلا أيَّةِ مقدمات وجد كل ثماره تتحول للّون الأسود القاني بعد أن اختفى لونها البرتقالي اللامع، قطراتُ دمٍ تنزل من غصونِ الأشجار وكأنَّها تنزف، طارت الطيور بطريقةٍ عشوائية بين الأشجار في منظرٍ مرعبٍ، كل شيءٍ من حوله بات مخيفًا. 


وقع قلب المزارع وخاف ممّا رآه، وبسرعة هرول في العودة لمنزله الصغير؛ الذي يقبع في نهاية المزرعة، يأكلُ الخوفُ صدره، لكنّه تعثّر من شدّة توتره فسقط على الأرض العشبية وأخذ يزحف إلى الوراء بسرعةٍ حتى انهار بجسده مغشيًا عليه.


أشرق الصبح حاملًا بين ثناياه ما لو علمه المزارع لفضّل الموت على أن يعيش لحظة من اللحظات التي سيعيشها، استيقَظَ على ضوء الشمس في الأفق؛ فقام من مكانه ممسكّا برأسه يحاول تذكّر ما حصل له، لكنّ ذاكرته لم تسعفه، نظر حوله يحاول استيعاب مكانهِ، فور تذكره ما حدثَ أخذ يتفقد حال حقله، كل شيء على ما يرام؛ الأشجار كما كانت مزهرة والبرتقال برتقالي اللون كما هو، الطيور ترفرف بسلامٍ والهواء منعشٌ عليل، فظن أنه يحلم، وقام يكمل عمله كما لو أنّ شيئًا لم يحصل. 


بعد أيام وفي يومٍ مشرقٍ تتغلغل الشمس في الأفق متباهية بنورها _كما عادتها_ تسير سفينة لأحد أشهر القراصنةِ في المحيط المكسيكي كله، برونقها وفخامتها الواضحة والكبرياء الواضح من رفعها لأشرعتها عاليًا بكلِّ تحدٍ، حُفِرَ في مقدمة السفينة اسم القرصان مما زاد من جمالها.

«كابتن دانييل، لدينا زُوار» كانت تلك جملة انطلقت من فم أحد البحّارة على السفينة، يخبر بها رئيسه عن وجود زوارٍ جدد. 


خرج دانييل من حجرته مُرحّبًا بذلك الزائر غير المألوف؛ والذي قد علم بعد نظرةٍ خبيرةٍ متفحصة له بأنّه ليس بزائرٍ جيدٍ البتة.

وقف الزائر لوهلة يتأمل فيها شكل قرصان البحار الذي كان يتمنى فقط لو يراه يومًا، لنيّةٍ في نفسه، منبهِرًا بهيأتهِ، شعرٌ أسود تناثر بعشوائيةٍ جذّابة، أعينٌ بنيَّة حادّة كالصقر، فكٌ حادٌ مع لحيةٍ كتلك التي يمتلكها سندباد، بشرة برونزيَّة، هيئة منظَّمة مع لباس قراصنة فخم الطراز، يتغلَّبُ عليهِ اللون الأحمر، وأخيرًا جسدٌ فارع قوي وصدرٌ عريض لا يليق إلا بقرصانٍ.


«هلّا جلست وأكملت تأملك جالسًا؟» قالها القرصان بسخريةٍ بعض الشيء.

تأتأ منتبهًا: معذرةً يا قرصان البحار، ثم جلس محاولًا إخفاءَ توتره ودخل في صلب الموضوع متجنبًا إحراج نفسه أكثر قائلًا: جئتك بأفخم أنواع البرتقال، من أجود الحقول، أجول البحار أبيع البرتقال للقراصنة الرائعين أمثالك سيدي، هلّا جربه سيدي ويخبرني ما إذا كان سيبتاع مني أو لا؟ 



حقل الموت||Field of death||حيث تعيش القصص. اكتشف الآن