أجالت النظر في الغرفة بعقل تائه قيد داخل بؤرة من التسائلات أهمها لماذا هي من خطفت لا أنا ؟
لماذا و لماذا و لماذا ؟
قسط غزير من هذه الحروف يتآكل عقلها و لم تجد له جواب ...
قطع أفكارها دخول والدتها رفقة فتاة قصيرة شقراء تملك نفس ملامحها !...
ثغرت شفيتيها بصدمة لتعاود التسائلات التأجج في عقلها و لكن بسمة أخرى ....
هل يمكن أن تكون هذه أختها المفقودة قد وجدوها أخيرا ؟
هل تكون سبب دمارها قد عادت ؟
و كأن والدتها قرأت ما يجول في خاطرها عندما هتفت تزامننا مع دخول أيهم:" سادينا هذه سيلين ستكون ضيفتنا إلى أن تعود لها ذاكرتها التي فقدتها في حادث سير سببه لها أيهم و هو قادم بك الى هنا ...
أظن أنك ستسعدين كثيرا برفقتها بالإظافة إلى أنها فرنسية متحدثة للعربية و بذلك ستساعدك في دروسك .."رمقتها سادينا ببرود و هي تقف من فوق السرير و تتجه إلى أيهم متفوهة بتأفف
:" أخي لقد مللت ، أريد أن أعود إلى المنزل .."
أجابها بصخب و هو يتأبط ذراعيها إبّان خروجهما حتى تسمعانه زينب و سيلين اللتان لم تكفا عن الحديث
:" هيا بنا فقد سمح لكما الطبيب بالخروج منذ ساعة .."
ومن ثم أكمل بهمس رقيق :" و أكد على الراحة لا ترهقي عقلك و تذكري دائما أن التفكير خلايا سرطانية إن ولجت العقل إلتهمته فلا تسمحي لها بذلك ."
كانت تستمع له بإنصات و الابتسامة ترتسم
تدريجيا على شفتيها ....
فلطالما قرأ أفكارها و شعر بمأستها و أغدق عليها بنصائحه التي تقويها و هي في أوج أوقات ضعفها و تسلحها برايات العزيمة على مواصلة الحياة بحلوها و مرها ..
تمسكت بذراعه اكثر و هي تقول بامتنان:" شكرا أخاه لولا وجدوك لم أكن أعلم ماسيصيبني ."
إبتسم لها برقة و هو يترك ذراعها و يفتح الباب الخلفي للسيارة المتواجدة أمام المستشفى و من ثم ساعدها على الركوب ......
نظر وراءه فوجد زينب لازالت في الخلف تمشي بتمهل و هي تحادث سيلين عن الحادث و كيف ضربها أيهم و أنه لم يجد معها سوى حقيبة صغيرة تحتوي على بطاقة تعريفها و هاتفها المحطم و بعض النقود ...
حينها تنهد أيهم بملل هامسا ،، هاقد بدأت أحاديث النساء التي لا تنتهي ،،
و من ثم رفع صوته ليصل إلى مسامعهما:" هيا عمتي زينب كفاك تباطأ."
أومأت برأسها و هي تسرع في خطاها و تجذب معها سيلين ، كأنها أخيرا قد تذكرت نفسها و عندما وصلت إمتطت المقعد الامامي بجانب أيهم بينما الأخيرة جلست بجانب سادينا و أخذت تثرثر فور انطلاق السيارة
:" عمتي زينب لم تخبريني متى وقع الحادث ، و في أي مكان و هل كنت رفقة مجموعة سياحية أم لوحدي ، يا ترى هل هذه أول زيارة لي في هذا البلد ؟ هل ..... "
قطع تسائلاتها اللا نهائية صوت أيهم و هو يهتف بقلة صبر
:" ماهذا و كأنك مذياع إهدئي قليلا يا فتاة ....
حسنا أولا لقد صدمتك قبل يومان في المنطقة التي سندخلها الآن و كنت وحدك هذا فقط ما اعلمه ..."ختم كلامه بتنهيدة ضجرة و هو يحرك رأسه بسأم عندما وقعت نظراته على زينب التي كانت تحدجه بغضب فرفع كتفيه ببراءة و من ثم هرب بمقلتيه ليتابع الطريق
وحينها عم الهدوء أرجاء السيارة لفترة قطعه صوت سادينا الرقيق:" أين بلقيس فلقد أخبرتني ليلة أمس انها ستزورني اليوم ، هل حصل لها مكروه ما لا قدر الله ."
أجابها أيهم و هو يفرك جبينه بهم
:" لقد ذهبت لتودع إياد فاليوم ستنطلق سفينته ."
وضعت زينب يديها على شفتيها بصدمة في حين توسعت عيني الثانية و هي تتمتم بخيبة أمل
:" ماذا ؟ هل فعلها و ترك بلقيس لتواجه مرارة الحياة وحدها ؟.."
__________________
مركب متهالك متوسط الحجم يرسي فوق الرمال اللؤلؤية يتجمهر حوله الناس بمختلف الاشكال ..
ما بين إمرأة رفقة رضيعها هاربة من تجبر عائلة زوجها المتوفي !
و عجوز يريد أن يرى الحياة من أبواب ثانية قبل أن يتوفاه الله !
و شباب عاطلين عن العمل يبحثون عن مصدر رزق ...
و في وسط هذا الإكتضاض وقف هو يبحث عنها بمقلتيه عندما ظهر طيفها من بعيد و هي تحمل حقيبة كبيرة في يد و تمسك كف شقيقته باليد الثانية ..
سارع بخطاه نحوهما و خيال إبتسامة بشوشة تراود شفتيه ، و عندما وقف أمامها نبس:" و أخيرا ظننتكما لن تأتيا ."
أجابته إكرام بلوم و هي تحتضن ساقيه بسبب فارق الطول
:" ماذا ؟ أتريدني أن أترك أخي الوحيد و لا أودعه ، مستحيل .."
أبعدها قليلا ليجلس على ركبتيه و يمسد شعرها القصير و من ثم يضع عليه قبلة هاتفا
:" سأشتاق لكي جدا يا أجمل وردة زرعت في هذا الكون ، لا أوصيك سوى على دراستك فبها ستجعلين من المستحيل محال .."
تأففت بضجر و هي تقلب عينيها داخل محجريها مغمغمة
:" يا إلهي إنك توصيني على أكثر شيئ أمقته بالكون و لكن سأحاول تقبله من أجلك .."
ختمت كلامها و هي تقبل مقدمة شعره كما فعل معها منذ قليل ليقف بعدها رامقا بلقيس بإبتسامة غريبة عندما هتفت و هي تقدم له الحقيبة
:"إياد هذه ملابسك التي طلبت أن أحظرها إليك و يوجد معها بعض المأكولات التي تحبذها .."
صمتت قليلا و الدموع تتراقص في عينيها لتكمل بتأثر
:" عد بسرعة فأنا و أختك بحاجتك ، أستودعك الله .."
إبتسم ليرد عليها بنقاء و عينيه تلمع ولهًا و غرابة
:" بلقيس لا تحزني إن تأخرت و تذكري دائما أن الروح جوهرة ثمينة ترتدي ثوب الحياة فلا تفنيها في الكرب ..."
حمل الحقيبة ليواصل صارخا و هو يسرع نحو المركب بعد أن سمع النداء بالصعود
:" إعتني بنفسكي جيدا و ضعي إكرام في عينيك ، أستودعكما الله ..."
صرخ بأخر كلماته عندما أقلع المركب يصارع الامواج !..
حينها تهاوت بلقيس على الرمال و هي تحتضن إكرام و لم يبقى في المكان سوى رائحة الفراق و صدى النواح و الشهقات ....
أنت تقرأ
عبرات السماء
Historical Fictionرسمت لهنّٓ الأقدار بفرشاة التعاسة على صفحات الحياة فظهرت صورة تراجِيدية لمجرمة تعيش بين زُقاق الرعب و الخوف و تبحث عن الأمان و فتاة طُعنت بخنجر المشاكلِ و الإهمال و أخرى لفظتها الحياة من رحمها بِأزر و إستحكام و توّجت الصورة عٓبرات السماء الرّاثية ل...