صباح يوم الجمعة..
حين كانت تحمل سالمة عود البخور الذي إنتشرت رائحته الذكية في أرجاء منزلها المتواضع، سَمِعت صوت والدتها التي تقول بصوتٍ رقيق كمحياها.
- فى عريس جاي لك بكره
نظرت لها سالمة بطرف عيناها، ثم إبتسمت ابتسامة أخفتها سريعًا وهي تجيب والدتها بمراوغة
- ده مين ده؟
بينما تهمس لنفسها ساخرة دون أن تلتفت لوالدتها
" ولا الصح أنى اقول مين دى؟ مش كده؟ ما أمه اللى اتقدمت مش هو حتى! "
سمعت صوت والدتها خلفها تزجرها كعادتها وكأنها طفلة
- بطلى لعب بالبخور وقومى نصلى سوا، كام مرة أقول غلط اللعب بالنار؟
ضحكت سالمة وهى تنظر لوالدتها قائلة بصوتٍ يحمل دهشة طفولية لا تعترف بها
- لما تبطلى تكلمينى كأنى عيلة صغيرة يا ماما
ضحكت السيدة الودودة وهى تعدل من حجاب مأرز الصلاة وقالت مغيظة
- هتفضلى فى عيني عيلة صغيرة طول عمرك يا سالمة
ثم تنهدت وهى تقول بصوت خفيض وبقايا ضحكتها عالقة على طرف شفتيها
- هو انا حيلتى غيرك يا سالمة؟
عضت سالمة على شفتها وهى تصل لنقطة ضعفها، هى تستطيع أن تواسى فى كل شئ..إلا هذا.
تنهدت بقلة حيلة وهى تضع العود في مكانه المخصص قبل أن تقترب من والدتها تقبل يدها قائلة بلوم
- انا مش كفاية ياست سمسمة ولا إيه ؟
ضربتها على كفها وهى تقول بضيق زائف
- إتلمى يابت، إيه سمسمة دى؟
إبتعدت عنها سالمة ضاحكة من جديد وهى تضع سجادتا الصلاة، ثم ذهبت لتمسك بظهر كرسى والدتها وتتحكم فى مسار عجلاتها حتى أصبحت أمام واحدة منه.. وقفت بجانبها وقبل أن تبدأ فى الصلاة قالت بتزمر
- ناس تتحب ويتسمى إسم بنتها سالمة على إسمها وفى الرايحة والجاية ياسمسمة ياسمسمة.. وانا يتقال لى اتلّم
- بنت!
رفعت سالمة كفيها بسرعة تبدأ الصلاة ولم ترى عين والدتها التى التمعت لؤلؤتيها قبل ان تبدأ فى أداء صلاتها
وبعد وقت ليس بطويل كانت تضع آخر طبق على المائدة العالية التى إشتراها والدها رغم أنه لا يشعر بالراحة بجلوسه عليها
- السلام عليكم
أتى صوت والدها الهامس لها من عند الباب فأجابت بنفس صوته
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
دخل على أطراف أصابعه ممسكًا بطرف عباءتهُ التى قامت والدتها بكيها فى الصباح، فتوقفت تترقب ما سيفعله وتحفظه عن ظهر قلب..
كانت والدتها تخرج من غرفتها تسبقها رائحة الفل التى يتحاكى أباها بجمالها وكأنها رائحة أمها الطبيعية وليست رائحة العطر الذي يحضره لها دائمًا.!
لمحت طلاء الشفاه باللون الوردى الذى زاد وجهها جمالًا رغم تجاعيده الخفيفة
- صباح الفل يا أجمل من الفل
يقولها والدها بعدما قفز أمام والدتها بنفس الطريقة على مدار سنوات عمرها الاثنان وعشرون، ووالدتها تتفاجئ للمره التى لا يُحصى عددها بعقد الفل الذي يضعه حول رقبتها
" الفل للفل "
همستها فى نفس اللحظة التى قالها والدها مبتسمة وهى تتسائل كيف أحبا بعضهما لهذا الحد؟
ثم تتسائل من جديد بداخلها
" لو كنت انا البنت اللى أكرم حكى لى عنها.. كان هيحبنى بالشكل ده؟ "
بهتت إبتسامتها وهى ترفض الإستماع للإجابة لإنها تعرفها جيدًا.
وبعد دقائق كانوا جميعا على مائدة الطعام.. يتبادلوا اطراف الحديث بمحبة، وتخبرهم سالمة عن إحدى مواقف نهال إبنة المرحوم عطية صديق والدها
- وقبل ما أدخل يابابا الورشة كان صوت نهال واصل لى وهى بتتخانق مع زبون عشان اتتريق عليها لما عرف ان هى صاحبة الورشة
رغم ضحكات والدها.. إلا إنه كشر بضيق قائلًا
- أما قليل ذوق بصحيح! وهو شغل البنت إيه يعيبه؟
هزت سالمة كتفها وهى تقول
- مش عارفه يا بابا، حقيقى انا بذكر أهمية شغلى فى أى تطور في شخصيتي، البنات لو فضلت جوا البيت طول الوقت هيبقوا شبه قصة الأميرة اللي خرجت من البرج فجأة وهى متعرفش حاجة عن البشر وشايفة الكل شبهها، وعشان كده مع أول شخص غير سوى بيظهرلها.. حياتها بتنهار
اومأ والدها مؤكدًا بينما يمضغ لقمة وضعتها أمها فى فمه، ثم قال بهدوء
- بس ياحبيبة بابا كل أب وكل أم عارفين إيه اللى هيناسب بناتهم، يعنى انا عارف إن لو خرجتى وشوفتى الدنيا مش هتصدميني فيكِ بل بالعكس هتتعلمى وتعلمى غيرك
رفعت سالمة كأس الماء دفعه واحدة تدارى الخزى الذى ظهر جليًا على ملامحها الشفافة ثم انزلته دون كلمة، وأكمل والدها
- يوم ما زارتنا يارا ولقتها لابسة الحجاب كنت فخور أوى بيكِ، ومُتيقن إن موافقتى على شغلك وحريتك كان صح
إبتسمت سالمة بإمتنان وهى تنظر لوالدها بينما غلبتها دموعها وهى تجيبه بصوت متحشرج
- شكرًا يا بابا
ضحك الرجل قائلًا بحنان وهو يمسح دمعتها
- على إيه يا حبيبة بابا؟
ردت بصدق وهى تمسك بيده وتقبّلها
- إنك بابا
حمدت ربها بينما قبّل والدها جبينها وقد تأثر مثلها
- وبعدين معاكوا إنتوا الاتنين بقا؟ وبعدين مفيش شكرًا إنى ماما؟ متشكرين أوي ياست سالمة
ضحكت سالمة وهي تسمع رد والدها الذي غمز بعينه خفية
- بالله ينفع القمر ده نكبره ونقول عليه ماما؟ ده اللى يشوفك يقول أخت سالمة الصغيرة
تركتهم مبتسمة وبدأت تحمل الأطباق للمطبخ وتجليهم بينما تدندن بإحدى أغانى فيروز.. إستمعت لصوت والدها يناديها فخرجت سريعًا
- ماما قالت لك إن فى عريس؟
اومأت بخجل.. فقال بجدية
- كلمنى تانى إنهاردة يطلب منى معاد
عادت تومأ برأسها وهى تفرك كفيها ببعضهم.. فيما أردف والدها
- وانا قولتله يجى انهاردة
رفعت رأسها الذي كان منكس بخجل منذ ثوانى كالطلقة وهي تشهق هاتفة بذهول
- إيــــه؟!
وبغرفتها بعد ساعة كانت تنظر لنفسها فى المرأة بينما تتذكر كلمات والدها عن لباقة الشاب فى حديثه
قالت لإنعكاسها بحيرة
- مش مامته اللى إتصلت يعنى!
كانت تلك الحجة التى جهزتها لرفضها له من البداية لكنه بددها.. تنهدت وهى تحدث نفسها
- انتِ أخدتى قرار بخروج أكرم من حياتك فممكن متدخليهوش فى معادلة خسرانه لأنه اصلًا مش فيها؟
لمحت في إنعكاسها إلتماع عيناها بالدموع فرفعت كفها تمسح به على زجاج المرأة وكأنها تمسح دموعها
- لا مفيش دموع، انتِ بخير وأكيد أكيد ربنا بعت شهاب فى الوقت ده لسبب
صمتت ثم أردفت
- يمكن يكون حبنى، ويمكن يكون إستلطفنى بس، ويمكن ده أقتراح والدته، لكن الاكيد إن أول خطوة ياخدها كانت بيتى، وده ياسالمة يخليه يكسب نقطة عندك ويخليكى تطمنى شوية، صح؟
نظرت لوجهها البيضاوى وعيناها الضيقتان برموشهم الكثيفة التى تخفى نظرتها التائهه وقالت بمرح
- خلينا نعتبره حلم ونشوف هيودينا لفين
التفت قائله لشخصيتها الوهمية بإبتسامة أمل
" تيجي نحلم واحنا مفتحين عنينا؟ "
صوت هاتفها قاطعها فسارت نحو فراشها وجلست عليه مجيبة
- السلام عليكم
ليأتيها صوت يارا الملهوف بعدما ردت السلام بسرعة
- سالمة، سهى اتخانقت مع ماما وحبست نفسها فى الأوضة وعيطت كتير، انا اقنعتها بالعافية تجيلك، ابقى أرقيها وإتكلمى معاها شوية يمكن تهدى
عضت على شفتها بحرج وهى تقول
- تنور بس يا يارا انا..
قاطعتها الأخرى وهى تتشاجر مع أختها ثم تقول
- سالمة هقفل عشان راضى وسارة مسكوا فى بعض وهيصحوا النونة
ثم قالت بحيرة
- كنتِ بتقولى حاجة صح؟
وقبل أن تؤكد سالمة سمعت أصوات عشوائية قبل ان ينتهى الإتصال، فردت ببلادة ناظرة للحائط
- انا جايلى ضيوف إنهاردة!
إرتمت بظهرها على الفراش وهى تحدق بالسقف تحاول مع ذاكرتها أن تتذكر مقابلتها به.. مظهره وأسلوبه..حنانه على إبن جاره.. ومر وقت طويل على التفكير الذي شعرت أنه لن ينتهى فضربت رأسها بقوة في الفراش قبل ان تهدر بصوت عالى
- لازم اصلى إستخارة من دلوقتى.
أنت تقرأ
وقابلتك انتَ
Romanceاقتباس 🥹 لن أقع فى الحب يومًا، سأحب، لكن دون أن اقع، بل سأظل محلقة في سماءه، فالحب الذي أريده هو ما سيجلعني اشبه بالصقر، سأرتفع فقط بشموخ وثقة، لن اقع ولن يجبرني شيئًا على الهبوط سوا رغبتى في اقتناص هدفٍ أريده لأحلق به عاليًا من جديد. ابتسمت وهي ت...