يوم عادي (1)

171 16 16
                                    

"انر الظلام بشرارة سيفك، فهو شعلتك الوحيدة في هذا الكهف المظلم".

في أعماق غابة "الملاذ" المظلمة تتواجد قرية فقيرة ومنسية، كأنها جزء من عالم آخر. تتحجب منظرها وترتبط حياتها بالطبيعة المحيطة بها.

بين أشجار الغابة التي تشدو بأصوات الطيور وتتوالى بجمالها، تنتشر المنازل البسيطة في تلك القرية. يظهر مظهرها البسيط والقديم، مع الأسقف المنخفضة والجدران المصنوعة من الطين والخشب المتهالك. تأخذ القرية شكلًا يشبه جنة مفقودة، حيث يتداخل الطابع التقليدي مع جمال الطبيعة البرية.

أهل القرية يعيشون حياة بسيطة ومتجانسة مع بيئتهم. هم صفوة البساطة والتواضع، يعمل الرجال في الحقول الزراعية، يقومون بحراثة الأرض وزراعة المحاصيل التي تعيش على غبار القرية. يلتصق بأيديهم الجراح والتعب، لكنهم يستمتعون بطبيعة رزقهم ورحابة قلوبهم.

يصعد دخان المداخن المنازل المتناثرة، ويرتفع صوت صراخ الأطفال بفرحتهم المجنونة وهم يقفزون فوق تلال الحقول. تشعر القرية بالحيوية والنشاط في أوقات العمل، حيث ينشأ صوت صقيع الأدوات الزراعية وهدير البقر والأغنام.

ومع ذلك، في لحظات الهدوء والسكون، يسود الصمت وتلمس الحزن في عيون السكان. تحمل ظروف الحياة الصعبة معها شكوى مطمئنة، وتتكاثر القصص المأساوية والإحباط، بينما تتصاعد أصوات الضحك والحديث في حانة القرية، التي تنعكس على جدرانها الخشبية النمطية آثار الزمن. هناك يتواجد، رجلٌ في الثلاثين من عمره يدعى "أثير" اسمر البشرة، متوسط الطول، بهيء الشكل، يظهر بمظهر بسيط ومتواضع ليتلاءم مع الأجواء القروية والفقيرة التي يعيش فيها. يجلس في زاوية مظلمة بجوار طاولة صغيرة. يتأمل كأسه الفارغ، معبرًا عن غضبه الكامن.

ذكريات الماضي تتراقص في عقله، وتلك القرية التي كانت يومًا ملجأً لسعادته رغم فقرها، أصبحت الآن مكانًا تعيساً بعد فقدانه لشخص كان يظنه سنده فالحياة. خيانة زوجته، الحقت به الجراح كالسيف الحاد، و مزقت قلبه إلى نصفين. وصول رجل غني من خارج القرية جعلها تغادر حياته ساعية وراء المال و الحياة المترفة، فاضطر الرجل لمواجهة الحقيقة المرة بوجه مستبد.

اللهو والقهر يلازمانه في هذه الحانة البائسة. يتناثر صوت الطبول والنوارات من حانة مجاورة للحانة التي يجلس بها، يعكسان أحوالًا قاسية ويقدمان منفى موسيقي لكل محبط ومهموم.

المباني القديمة والأرضيات المتعرجة تعكس حياةً متناغمة مع الحزن، وهو ما يجعل القرية تجاوز حزنه الشخصي وتنتقل إلى قلبه. بينما تدور الحكايات والانفعالات حوله، يبقى هو ساكنًا في هذه الحانة، مُشدوبًا بقهره وغضبه.

إنها حالة لا يمكن وصفها بالكلمات، فالحياة في القرية كما هي اليوم تمتزج بين الجمال والألم، الأمل واليأس، فيما يتراءى للعين في هذه الحانة تحفةٌ فنيةٌ تنسج قصةً قاسية على أوتار القدر.

الهائمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن