في تلك اللحظة، حتى الكلب الواقف عند البوابة كان رافعا رأسه يتأمل القادمين، بينما هو الذي كان محط الحديث، وجد نفسه غارقًا في بحر من العار. لم يستطع رفع نظراته حتى، ملتصقًا بالأرض، مغلوبًا على شدة الذل والعجز.
حتى الكلب، برغم بساطته، يبدو أكثر عزة وكرامة في تصرفاته ، فالعار تسلل إلى أعماق روحه ، فقط ككائن مكسور لا يستطيع النهوض .
...........
في ليلة باردة وساكنة، غادرت أم أربعينية غرفتها لتخرج إلى شرفة المنزل، كان الهدوء يخيم على المكان، وضوء القمر الباهت تسلل للمنزل لتظهر لمسة خافتة من النور على ملامحها الهادئة.
كانت ترتدي ثوبها الدافئ وتحمل فنجان الشاي بين يديها، البخار الدافئ يتصاعد منه معلنًا عن حرارته اللطيفة. كانت تستنشق عبير الشاي بلطف، كما لو أنه يحمل معه رائحة الذكريات المشتركة مع زوجها الراحل وأوقاتهما السعيدة معا .
المنظر أمامها كان رائعًا ومؤثرًا في نفس الوقت. كانت تشرف على حديقة منزلها، حيث كانت زهور الربيع تختبئ تحت طبقة من الثلوج، وأشجار الليمون ترقص بلطف مع همس الرياح. كل شيء كان هادئًا ومهدئًا، وكأن الطبيعة تحاول أن تقديم العزاء لقلبها المكسور.
وهناك وسط هذا المشهد الساحر، بعد كل رشفة شاي كانت تتساءل عن مكان زوجها في تلك اللحظة، هل هو مرتاح في قبره متنعم؟ أم هل هناك ما أقترفه زوجها وهي لا تعلم؟ هل هناك دين على عاتقه لم يسدده ؟ و العديد من التساؤلات .
وببطء، ومع كل رشفة كانت تشعر بالدفء يتسلل إلى جسدها وروحها. لم يكن الشاي مجرد مشروب، بل كان رفيقًا لها في هذه الليلة الباردة، وشاهدًا على مشاعرها وذكرياتها، وكأنه كان يسمح لها بتجاوز الحزن والوحدة، والتواصل مع ذكريات حبهما الذي لا ينتهي.
تزوجت حواء في عمر التاسعة عشر زواجا تقليديا كمعظم نساء حيها ، تزوجت من شاب يكبرها بخمس سنوات كان مشهورا في الحي بسمعة حسنة و تجارة ناجحة في عمر صغير ، كان الشاب يدعى آدم ، شاع في الحي زواج حواء و آدم لصدفة تكامل الأسماء بينهما و لكونهما اكثر شابين مشهورين في الحي فتزوجا ، كانت حواء شابة رزينة و حسنة الطبع و الطابع، كريمة و سريعة البديهة بينما كان أدم تاجرا ناجحا و رجلا أمينا صالحا في الحي ، كان زواجهما أمرا متوقعا للعديد من شيوخ الحي ، أُعلن زواجهما في المسجد مع حفل زفاف بسيط .
عاشت حواء العديد من الذكريات مع زوجها، كان كلاهما رزينا فكلما قامت مشكلة في المنزل حُلت بالحوار و كلما يخطو طرف منهما خطوة يستشير الطرف الاخر ، كانا كلاهما يتغاضى عن زلات الأخر أحيانا و يتنازل أحدهما عن حقه أحيانا لكي يرضي خاطر الطرف الأخر كانت علاقتهما متزنة ، لم تخلو حياتهما من المشاكل لكن كانت مشاكلا مقبولة و طبيعية كأي عائلة، رغم أن أدم كان يكره التدخل في شؤون النساء لكنه لم يكن يسمح لأي فرد من عائلته أو حتى عائلتها بالمساس بها و لحواء شخصية قوية و حضور رهيب فكان القليل فقط من يتجرأ على المساس بها .
أنت تقرأ
قاطع الوتين
No Ficciónيقال أن الماضي تُطوى صفحاته حتى لو تركت أثرا و لكن هنا قد أُحرقت الصفحات لتحرق معها الحاضر و المستقبل و يقرع الحارق سنه . حواء أم أرملة شقت طريقها من اجل إعادة إبنها البكر إلى الطريق السوي