2 مأوى

43 3 0
                                    

هل سأنجو؟ أم سيكتشف أمري؟
كان رأس تيلاريا الصغير مليئاً بالمخاوف والكثير من الأفكار والتساؤلات تتدفق برأسها.
تقرّحت قدما الفتاة حتى أدمتا، فلقد كان حذاؤها صغيرا يعتصر قدميها.

توقف وقع أقدام الرجل أمامها، سقطت أشعة الشمس عليه من بقعة ما،كانت ملامحه قاتمه، وتضيق عيناه بينما يعقد حاجبيه، تناثرت خصلات شعره على جبينه منتهية عند منتصف حاجبيه، أشاح بوجهه يميناً مترصداً شيئا ما.

تَبعُد تيلاريا عنه بمسافة مترين تقريباً، ولكنها في الجهة الأخرى، توقفت عن التنفس وتسمّرت بمكانها، بدأت تتعرق توتراً.

أكمل المرء طريقه بخطواتٍ ثابتة بعدما تيقن أنه ليس ملاحَقاً كما ظن.
لم تمر بضع دقائق حتى تبيَّن الطريق الرئيسي.

•نجوت• .. كلمةٌ مرت بذهن الصبية مع بريق عينيها الراقصتان على الدرب إلى المدينة.
ظلت صامدةً بمكانها حتى وجد الرجل طريقه مبتعداً.

تنفست تيلاريا الصعداء بينما تجلس على الأرض وتبسط قدميها ترخي أعصابها.
كانت مدركةً أنها باتباعها للرجل فهي تخاطر بحياتها، ولكنه ما مِن سبيلٍ آخر.

ظلت جالسةً لبرهةٍ تجمع شتات نفسها محاولةً الشهيق والزفير؛ لعل جسدها يهدأ.

بدأت تدرك مدى خطورة جلوسها بالغابة بالرغم من وجودها على مشارفها، ثم هبت واقفةً تنفض الغبار عن تنورتها البيضاء، وترتب خصلاتها السوداء عاقدة إياها بذيل حصان ليصل شعرها حتى خصرها.

أخذت تتجول حول المنطقة فإذا بها ترى بحيرة صغيرة تنضج بالحياة مع انعكاس أشعة الشمس عليها. فتوجهت قاصدة إياها لغسل وجهها ويديها فلا يرتاب امرؤ منها.

لم تكن القرية بهذا الكبر وبالرغم من ذلك فكانت تعج بالناس والضوضاء.
"مرحبا بكم بقرية أريج" تلك اللافتة المتهالكة في مدخل القرية تبدو كالعجوز الحارس لها، فقد بدت مرهبةً حقا رغم جمال الشارع أدناها.

امتلئ الشارع الرئيسي بمتاجر وفيرة، احداها خاص بالملابس النسائية، فترى الاثواب الملونة معلقةً خلف زجاج المتجر، وآخر كان صالوناً لتصفيف الشعر، تصطف سيداتٌ أمامه وتخرج أخرياتٍ متباهياتٍ بجمالهن.

على الجانب الآخر كانت متاجر الأسماك واللحوم والفواكه والخضروات والأغذية، وإن تعمقت قليلا تجد أكشاك الطعام المختلفة والروائح المتداخلة للأطعمة من مشويات والأطعمة المقلية.

بينما على نواصي الأزقة توجد بعض المكاتب الحكومية على اختلاف مهامها، هو شارع دافئ بلمحة من الإزعاج والضوضاء بأصوات الأطفال المتعالية وهرولتهم في الأرجاء.

بدا أهل القرية على معرفة ببعضهم دون استثناء، فالغريب عنهم يعرفونه بطرفة عين، ماذا عن تيلاريا إذاً؟

*****************

متى كانت آخر مرة أكلت فيها؟ لا أذكر، رائحة الطعام تدغدغ أنفي وتلك الألوان الزاهية للفواكه تجعل من بطني تقرقر وأشعر بالعصافير تجول بها، همهمة البعض من حولي
تشعرني بالمغص والغثيان.

"يا بنية، يا بنية" تمتمت العجوز على جانب الطريق ممسكة بطرف فستاني المتهالك.
أمعنت النظر قليلا فلم تكن بعجوز وإنما سيدة أربعينية طغت على ملامحها التجاعيد، ترتدي ثوباً أخضر ومئزرة بيضاء ملطخة قليلاً، وبالنظر إلى نعالها فلم يكن قديما بل عملياً، كانت بائعة الفواكه التي سال لعابي على فواكهها.

_ما الأمر سيدتي؟
=من أنت؟ لستِ من هنا.
_بالفعل.
=أجائعة؟
_أجل، لكن للأسف لست أملك مالاً، فلست زبوناً ترغبين به.
=رباه! أنّى لي بأخذ المال منك، فأنتِ ضيفتنا، اجلسي بالداخل قليلاً، أنهي عملي وأسمع قصتك.

*****************
لم تملك الفتاة خيار الإرتياب، فإما تموت جوعاً أو تذهب معها وما يحدث يحدث.
دخلت المتجر فكان مكاناً صغيراً لا يحوي الكثير من الأثاث، فقط منضدة وبعض الكراسي الخشبية، بالإضافة إلى مطبخ ومرحاض.

لم يمر الكثير وأتت السيدة من مطبخها ممسكة بطبق من الفواكه وكوبين من الشاي.
"كلي أولا ثم نتحدث" قالتها مبتسمةً وهي تضع الطعام على المنضدة وتجلس على الكرسي.

تلك مخاطرة! مخاطرة كبرى! هي تأكل طعاماً دون مقابل، وتأخذ معروفاً دون رده، لكن ما باليد حيلة.
كانت السيدة تتبسم كلما ترى تيلاريا تأكل كالذي يطعم قطة صغيرة.

=أخبريني، لما أنتِ هنا؟
_قدر ... أظن.
=أساقك قدرك إلىّ إذاً؟
_ربما ... ربما هو كذلك.
=معسولة الكلام يا فتاة! هل لك مكان يأويك؟
_ ......
=فهو النفي إذاً، أنا ميلاني، ما اسمك؟
_ أستر.
=ماذا عن الحقيقي؟
_ تيلاريا سيدتي.
= اسم جميل! تقرر الأمر إذا ستقيمين عندي حتى تجدين مكاناً لك.
_ لا يمكنني، قدمتِ لي بما فيه الكفاية من الخير بالفعل ولم أرد المعروف بشكل صحيح حتى الآن.
= لستِ بحاجة لرد المعروف، أنتِ فقط تذكِّريني بابني، غادر الدار منذ سنوات وآمل أن يهتم به شخص ما في رحلته.
_ أشكرك، وأتمنى أن يعود ابنك سالما، ولكن لا يزال لا يمكنني.
=أمُصرةٌ إذا؟
_ واجبٌ علي.
=هل لديك عمل أو تملكين قوت يومك؟
_ ..... ليس بعد.
= ماذا عن العمل معي؟ كنت سأوظف شخصاً يساعدني عاجلاً أم آجلاً، تقيمين عندي وتدفعين ثمن الإقامة بالعمل معي، ما قولك؟
_.......
_اعتني بي رجاءً، سيدة ميلاني.

التمعت عينا السيدة ميلاني وأشرق تعبيرها مبتسمةً، ثم أمسكت بيد تيلاريا متجهةً بها لمنزلها.

بيت يأويها وطعام يُحيِيها، كانت السيدة ميلاني بمثابة نور لتيلاريا، نور ينتشلها من مستنقع ظلام.
تبدو كالحياةِ الجديدة لها، حياةُ مشرقة تنتظرها.
ولكن ... أحقاً هذا؟

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Feb 02, 2024 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

Cold Bloodحيث تعيش القصص. اكتشف الآن