القاهرة 20 مـارس 2014م
الخامسة صباحاً في غرفة مليئة بالأوراق والأسلاك ومعدات الفيزياء، اجلس وسطها أصب تركيزي علي شيئين فقط المشروع الذي أعمل عليه أولاً، وهو ما سأتحدث عنه باستفاضة في الفترة القادمة لا تقتل التشويق يارجل، وثانيا صوت بائع الخضار الذي لم يجد فرصة لاكتشاف موهبة التي - تستحق الوأد - في الغناء إلا تحت شرفة شقتي.
- يا بتاعة الأمير والغفير يا بطاطس.
- يا طرية وكلك حنية يا طماطم.
- خشي يا صبية ع العربية وخدي مني أحلي هدية.
انكببت علي أوراق نيكولا تسلا المسربة، التي دفعت فيها مدخراتي كلها، فأنا اشتريتها من علي موقع في الديب ويب ومن المخابرات الأمريكية شخصياً، فهم لديهم أعمالهم علي الديب ويب، يقال عني مجنوناً فورقات تسلا موجودة كلها علي الأنترنت ومجاناً، ولكني أقول أنهم لا يفقهون شيئاً مع الأسف الشديد، إنهم غير مثقفين أو ليسوا علي دراية بأهمية هذه الأوراق، فهم يريدون هذا، يريدون التستر علي جريمتهم الشنيعة، فنيكولا تسلا كان له ورقات قد سرقت، وضعت الحكومة يدها عليها بعد وفاته، ولم تُعرَض، ومن ضمن هذه الورقات ورقة كان يعمل عليها تسلا، وبدأ في تطبيقها عملياً علي أرض الواقع..... دعني احكي لك.
كان هناك رجل أعمال كَلَّفَ تسلا ببناء برج للكهرباء، وأعطاه ميزانيه تكفي لبنائه، ولكن تسلا ضاعف حجم البرج ليزيد الكهرباء الناتجة منه، ولكن حينما طلب تسلا تمويلاً آخر لإكمال البرج رفض رجل الأعمال، وأوقف العمل في البرج، ولكن لو كان يعلم ما كان يود تسلا فعله، لقبل قدمي تسلا ليكمل عمله، ودفع له أضعاف ثمن البرج، فكان تسلا يطبق نظرية استخدمها القدماء المصريين منذ سبعة آلاف عام، فحسب كلام تسلا أن الهرم الأكبر ليس بمقبرة للملك خوفو -كما يقال- أنهم لم يجدو مومياء الملك أو حجرة الدفن، لانهم ببساطة غير موجودين، فهو عبارة عن مولد طاقة عملاق، الطاقة الناتجة منه تكفي لإشباع العالم كله، وكانوا ينقلون الطاقة لاسلكياً، ستقول عني مجنون أو عنه هو المجنون، وأحب أن أقول لك كلانا عقلاء.
برهان تسلا علي هذا، أنه في بعض الأماكن يوجد أهرامات صغيرة ومسلات، وهي ما كان يُستقبَل من خلالها الطاقة المنبعثة من الهرم الأكبر، وهو ما كان تسلا ينوي فعله في البرج، يكون هو الموزع كالهرم الأكبر، وفي كل دولة أو منطقة يكون هناك برج استقبال كالأهرام الصغيرة والمسلات.
أنا أعرف السؤال الذي يدور في رأسك الآن، كيف ستنقل الكهرباء عبر الهواء فهي لا تمشي إلا عبر الموصلات فقط؟
لن أُجيب عليك الآن، فأمامي عمل كبير فأنا والفضل لله قاربت علي الانتهاء من مشروع سيجعلني في العالمية، وسيخلد اسمي في التاريخ الحديث، سأنزل فقط الآن لأُحضِرَ الفطور قبل ذهابي للجامعة، ولست طالباً أيها المتفلسف المتحذلق، أُعرفك بنفسي أنا دكتور رأفت سعيد، أستاذ الفيزياء في كلية العلوم جامعة القاهرة، وحاصل علي دكتوراه مشتركة في علوم الطاقة من جامعة أوكسفورد وكامبريدج، وأعمل في الجامعة منذ خمسة عشر عاماً وأنا إلي حد ما مستمتع، حياة رتيبة جدا، لا تُؤلم رأسي بالأسئلة فانا متأخر اليوم.
فتحت باب شقتي ونزلتُ السلم علي الفور، بالرغم من أنه يوجد مصعد كهربائي، ولاكن أذكرُ آخر مرة وجدته فارغاً كان من خمس سنوات، وحين ركبت فيه، انقطعت الكهرباء لمده ثلاث ساعات كاملة، قضيتها وسط الظلام الحالك معلقاً بين السماء والأرض، ومن يومها لم أكررها، واستبدلته بالسلم، فهو أكثر أماناً ورياضة في نفس الوقت.
نزلت سبع طوابق كاملة، حتي وصلت عند عربية عم حسنين المنياوي بائع الفول الموجودة في الجانب الآخر من الطريق، أخذت طلبي الذي لم يتغير منذ أكثر من عشر سنوات، رغيفين فول ورغيفين طعمية وباثنين جنية طرشي وبصله خضرا.
يجهزهم لي عم حسنين وبلهجته الصعيدية الممزوجة باللهجة بالقاهراوية يقول لي:
- اتفضل يا داكتور، بس عندي طلب لو تسمح تكتبلي علي دواء للمعدة أو أي حاجة يبقي خيرك.
- يا عم حسانين انت كل يوم تقولي الكلام ده وأنا ارد عليك بنفس الجملة أنا دكتور في الفيزياء مش في الطب. (قلتها بملل ككل يوم يسألني فيها نفس السؤال)
- معلش يا داكتور أنت عارف العضمة كبرت وبقيت بنسي.
ربنا يديك الصحة يا عم ربيع ولا يهمك، خد حسابك أهو وخلي الباقي علشانك، وروح أكشف عند دكتور ومتشيليش هم الفلوس.
- ربنا يعمر بيتك يا بيه وميحرمنا منك أبداً.
تركته وذهبت لمحل الخواجة ماركوس، لأشتري زجاجة البيرة اليومية، فهي التي تضبط أفكاري ومخي في الصباح.
دخلت علي الخواجة ماركوس، وقلت له مازحاً:
- مش عيب يا راجل يبقي محل خمرة يفتح قبل عربيات الفول.
ردَ ضاحكاً بعربي مكسر ممزوج بلهجة طليانية
- أكل عيشي يا حبيبي، لازم نفتح بدري، عشان نشوف الزباين الحلوين إلي زي حضرتك.
- بكاش أنت يا خواجة، ناولني إزازة بيرة.
- لا مفيش بيرة النهاردة.
- لي مهي وراك في الرف أهي؟
- لا يا حبيبي مش قصدي كده، خد دي.
وناولني زجاجة Jack Daniel’s، لم اتذوقها منذ سنوات.
- بس مش معايا فلوس تكمل يا خواجة، وأنت عارف البيرة إلي بتظبطني. (قولتها وأنا محرج)
- لا لا لا يا حبيبي، دي كومبليمو مني ليك، أنت عارف غلاوتك عندي، أنت زبون المحل.
- هدية مقبولة يا خواجة سلاموعليكو.
- برضو مصمم تحرجني كده ي دكتور،
أنا مسيحي مسيحي!
اسمي ماركوس!
- اللاه ومالو يا عم ماركوس، متنساش بقا تصلي الضحى ليفوتك هه.
تركته ورجعت للشقة لأُجهز نفسي للذهاب للجامعة، صعدت درجات السلم كشاب في العشرين من عمره، وضعت الأشياء جانباً، وأخذت حماماً بارداً، ولبست ملابسي السوداء التي أُفضلها، قميص أسود، وبنطلون أسود وجزمة جلد سوداء أيضاً، اشتريتها أثناء تحضيري للدكتوراه، سرحت شعري الأسود الكثيف الذي يتخلله بعض الشعرات البيضاء، فبرغم أني في عقدي الرابع، لاكن من يراني يظنني في العشرينات، فجسمي إلي حد ما جيد، لست من البدينين ولا النحيلين، وبرغم هذا لم أتزوج لظروف خاصة لا تُدَخل نفسك بها.
تناولت فطوري، والتقطت زجاجة الـــ Jack Daniel’s، التي لو لم تكن علاقتي جيدة مع الخواجة، لظننتها مسمومة، فتحت صمامها الذي طار في الهواء مع فرقعة أصابتني بنشوة رهيبة، وصببت كأس وأشعلت سيجارة معه، وتذكرت شعوراً لم أشعر به منذ سنين، ارتوي المخ من كمية الكحول والنيكوتين الصباحية، ونزلت لأركب سيارتي المتواضعة، التي تنتمي لستينات القرن الماضي، ولكن لا يهم المنظر بالنسبة لي، الأهم أنها توصلني للمكان الذي أريده.
حين مروري علي الطرق، أري أصناف البشر، أري الباعة الجائلين، وبائعي الفل والياسمين، ومتسولي الإشارات، والموظفين البدينين المنتظرين حافلة العمل، الشباب الذين يظنون نفسهم في سباقات الفورميلا وان، تأكل سياراتهم نفسها من السرعة المتهورة، التي تنتهي بشيء من اثنين لا ثالث لهم، حادث أليم ينتهي بعاهة مستديمة له، أو إصابة تودي بحياته، أو أن يصدم أحد المارة فيسبب له عاهة أو وفاة.
وصلتُ للجامعة، وألقيت تحية الصباح علي أمن البوابة، وتوجهت إلي المدرج أو قاعة المحاضرات كما يقولون، دخلت وأقفلت الباب ورائي، فليس هناك من أي حد يجرؤ علي الدخول بعدي، بدأت المحاضرة بسؤال أذهل الطلاب وجعلهم في حيرة من أمرهم.
- كيف تنتقل الكهرباء لاسلكياً؟
فلم يجاوب أحداً عليّ ولا حتي فكر في ابتكار إجابة حتي، فتجاوزت السؤال وبدأت في شرح المحاضرة، وكالعادة لا حياة لمن تنادي كلهم يدخلون لقاعة المحاضرات ويتركون مخهم بالخارج، فيكون أمامي أجساد بلا عقول، ينامون علي نفسهم كأنهم لم يكونوا نائمين منذ ثلاث ساعات فقط!
لم أكترث لهم، فهذا هو الطالب لم ولن يتغير مهما فعلت، انتهيت من الشرح وأعطيتهم موضوع البحث الخاص بالتعلم الذاتي، الذي سيسلم الأسبوع القادم وخرجت لمكتبي الذي يقع أخر الممر.
جلست علي كرسيّ، وأشعلت سيجارتي بعدما أتي عامل البوفيه بفنجان القهوة خاصتي، وبدأت ارتشف القهوة أثناء نفثي لدخان سيجارتي علي أنغام الست أم كلثوم
وعايزنا نرجع زي زمــــان .... قول للزمان ارجع يا زمان
وهاتلي قلب لا داب ولا حب .... ولا انجرح ولا شاف حرمان
تعتب عليا ليه.. أنا بإيديا إيه .. فات المعاد .. فات..فات..المعاد
جو مليء بالسلطنة قاطعه أحد الطلبة حين دلف فجأة ويقول لي:
- لقيتها يا دكتور لقيتها!
رفعت عيني لقاتل المتعة اللعين وجدته طاهر الفتي الريفي القادم من احدي القري الريفية التي لا أعرفها، فتي مجتهد مليء بالطاقة والذكاء، يذكرني بنفسي فهو من انجب طلابي أو الوحيد علي ما أظن، مهتم بالطاقة والفيزياء الكونية، دعوته للجلوس وقلت له:
- في أي يا طاهر قلقتني؟
- لقيتها يا دكتور، حضرتك سألتنا في أول المحاضرة سؤال إزاي الطاقة بتنتقل لاسلكياً، بس حضرتك محددتش أنهي نوع من الطاقة، عندك مثلاً الطاقة الميكانيكية، ودي مبتنتقلش لاسلكياً.
- الطاقة الميكانيكية بتنتقل لاسلكي يا طاهر، عندك موجات الصوت بتنتقل في الهواء.
- عارف يا دكتور، بس دي حاجة واحده بس، يعني طاقة الحركة بتـ .....
طاهر! المحاضرة كانت عن اي؟
- عن الطاقة الكهربية يا دكتور.
- عليك نور والطاقة الكهربية دي بتنتقل إزاي؟
- عن طريق الموصلات يا دكتور.
- طيب سؤالي بقا إزاي الطاقة الكهربائية تنتقل لاسلكي ؟
- حضرتك مقولتش الكهربائية.
- واديني قولت تقدر بقا تجاوب على السؤال ولا تتفضل.
- حجاوب بس مش دلوقتي اما أبحث كويس وهقول لحضرتك.
يعجبني هذا الفتي ويعجبني تفكيرة ولاكن مازال أمامه الكثير ليعرفه.
قولت له في صرامة أُخبئ بها إعجابي بذكاءه
- طيب تقدر تتفضل دلوقتي.
- تمام يا دكتور سلام.
وما إن وصل للباب وامسك بمقبضه ليخرج حتي قولت له
- انهاردة الساعة سبعه.
توقف والتفت لي باستغراب ظهر في ملامحه.
- مش فاهم يا دكتور؟
- أما تيجي هتفهم متتأخرش مستنيك.
خرج بدون أن يتكلم وعدت لانغام الست بعد مقاطعته لي.
انتهي اليوم الدراسي، وعند رجوعي لبيتي مررت علي عم صادق الكبابجي، أخذت منه ربع مشكل بسلطاته وطبعا الويسكي الحلال أساس هذه الاكلة، دخلت الشقة وشعت في التهام الطعام بنهم، وأخذت قيلولة استريح فيها من هذا اليوم الشاق، افقت بعد ثلاث ساعات من النوم المتواصل كانت الساعة السادسة والنصف، أشعلت سيجارتي مع كأس الـ Jack Daniel’s هدية الخواجة ماركوس الطيب، وانتظرت طاهر بفارغ الصبر لدي شيء مهم له سيعجبه بالتأكيد.
YOU ARE READING
الزمكان
Science Fictionدكتور بكلية العلوم جامعة القاهرة مجنون ومولع بنيكولا تيسلا والبرت أينشتاين ومن ولعه مزج اكتشافاتهما لصنع آلة زمن تنقله للماضي والحاضر والمستقبل في لمح البصر ولكن ماذا يمكنه فعله وهل سيتركه عمالقة الكوكب ينعم بهذا الاكتشاف هذا ما سنعرفه