الفصل الرابع والأخير(إلىٰ أماروس)

81 7 5
                                    

نظر إليّ الطبيب عبدالله متعجبًا،وقال في لهفةٍ دمرت كل أحلامي:
-متى ستقلع الطائرة إذًا؟

نظرت له باستحقارٍ ثم استدرت ونزلت على السُلَم؛فنزل هو الآخر وأمسكني من ذراعي وقال:
-ما الذي يجري يا إبراهيم لا أفهم لك شيئًا منذُ أن استيقظت

وعلمت حينها أنه لا مفر من ذلك الثِرثار فحكيت له مختصرًا ما حدث معي وأخبرته أنني عائدٌ إلى المستشفى لأذهب لعالمٍ لا أعرف عنه شيئًا ويسمىٰ "أماروس"...ثم سكت
فنطق الطبيب عبدالله قائلًا:
-سآتي معك.....وقبل أن تعترض فلست وحدك من يحملُ سرًا ويريد أن يكتشفه

فأنا لم أنعَم بنومٍ هنيءٍ منذ ما حدث معي في بيت نجات
لم أستطع معارضته بالأخص أن الطبيب عبدالله (دماغه ناشفة) فوافقت....ثم اخبرني أنه يريد أولًا أن يودع والدته لأنه لا يضمن أن نعودَ أحياءًا من تلك الرحلة
وذلك ما بعثَ في نفسي أنني لم أرىٰ أمي منذ سنتين،وأنها لازلت تعتقد أنني مجنون وعندي خللٌ بعقلي،وأيضا أختي التي تركت معها أبشع ذكرىٰ عندما أجبرني ذاك الكيان على التحرش بها....في تلك اللحظة بينما كنت أنتظر الطبيب عبدالله أمام بوابة المبنى أنزلت حقيبتي من فوق ظهري وجلستُ على الرصيف بين قططِ الشوارع،والمتسولين النائمين على حافة الرصيف في ذالك السقيع المرير،وذاك الذي يُفتِش في القمامة أملًا في أن يجد طعامً يأكله.
كل هذا والطريق حافلٌ بسياراتٍ يتجاوزُ سعرها الخمسمائة ألف جنيه،وأناسٌ يسيرون بكلابهم الأليفة ومعهم طعامٌ يتجاوز الألف جنيه لذاك الكلب....يسيرون بهم بجوار من يعانون من ضيق العيش،ولا أحدَ يهتمُ لهم كأنهم اعتادو على أن وجود المشردين والفقراء في الشوارع أمرٌ طبيعي
كل هذا بعث في نفسي حزنًا أكثر من حزني على أنني لا أعلم شيئًا عن أمي وأختي قرابةَ السنتين.
ثم أمسكتُ رأسي بعد أن ملأت دموعي الرصيف
فتنهدتُ وقلت:
-لم تركتني حيًا يا ديانا لا أستحقُ سوى القتل.

ثم بكيتُ بعدها طويلًا.......بكيت وأنا أتذكر بسمةَ أمي وأختي عندما عدنا من عند دعاء،وتخفيفهم لأحمالي
بكيت عندما تذكرت مقولتي الشهيرة "غدًا سأصبح مهندسًا كبيرًا ولن أترك فقيرًا يبيتُ على الأرصفة"
اتضح لي أن الحياةَ أكثرُ تعقيدًا مما ظننت،ليت قدري كان حكمَ عليّ بالموت
ووسط كل هذه التساؤلات قطع صمتي ودموعي صوت الطبيب عبدالله يقول:
-هيا بنا......لنذهب يا إبراهيم

فرددت عليه وقلت:
-هنالك مكانٌ أريد الذهاب إليه أولًا

فلم يعارضني.......ثم ركبنا السيارة ووضعنا بها حقائبنا وانطلقنا وأخبرت السائق بالمكان الذي أريد الذهاب إليه وهو مدرستي القديمة التي يدرس بها أخي الآن وطلبت هذا المكان لأنه يبعد ساعتين من هنا وكانت الساعة قد قاربت على العاشرة والنصف فأردت رؤية أخي وهو يخرج من المدرسة.
ثم انطلقنا وأنا لا أبالي بأي شيءٍ يحدث في الطريق.....لا أبالي بتلك الحادثة على الطريق،وتلك الجثث الملقاة،والعربات المتهشمة
لا أبالي بذاك الشاب الذي يقفز منتحر من فوق الجسر ولا يبالي له أحد المارة،وتلك الشتائم والسِبابِ بين سائقنا وسائق العربة المجاورة.
بين كل هذا أفكر فيما حدث معي عند باب الظلام،وما هي حقيقة بيروس.....لا أدري؛فكل ما فهمته هو حقيقة المرآة....تلك المرآة التي كان الأقزام يدورون حولها ودخلت من بينها نجات وهي تتمتمُ بتلك الكلمات الغريبة
ثم قاطع الطبيب عبدالله حبل أفكاري قائلًا:
-إذًا...... ما هو سرُّ المرآة يا إبهاميلً؟!!

مرآة اللاصورةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن