part3

4 1 0
                                    

وحدث في اليوم التالي ، أن السلطان كان يتناول الطعام في حديقة قصره، وعندما قام ليغسل يديه فوق البركة ، كان في إصبعه خاتم السلطنة، وبه ماسة قيمتها ألف دينار، فنسى الخاتم على حافة البركة، فجاءت بطة عرجاء وبلعت الخاتم.
وكان للسلطان خادم صغير، شاهد البطة وهي تبتلع الخاتم، لكنه لم يذكر شيئاً عن ذلك عندما سأل السلطان عن خاتمه. كان الخادم يريد أن ينتظر بضعة أيام حتى تهدأ ضجة البحث عن الخاتم، ثم يذبح البطة ويأخذ الخاتم.
أمر السلطان بإحضار المنجمين، فلما اجتمعوا أمامه قال لهمك " لقد ضاع مني خاتم السلطنة، الذي ورثته عن أبي وجدي. إنه خاتم عزيز جداً عندي، فمن يرشدني منكم إلى مكانه، له مني ألف دينار !".
وعندما مضى يوم ولم يصل المنجمون إلى معرفة مكان الخاتم ، قال السلطان: " احضروا لنا منجم السلطانة " .
فذهب حرس السلطان إلى الشيخ عصفور في بيته، ونادوا عليه. وما أن عرف عصفور سبب استدعاء السلطان له ، حتى ركبه الخوف، ودخل إلى زوجته وقد اصفر وجهه، وجف ريقه، وهمس لها : " إذا كانت الصدفة قد أنقذتني من السلطانة في المرة السابقة، فإن الصدفة لن تنقذني من السلطان هذه المرة، وسيشنقني إذا ظهر كذبي وخداعي، فماذا أفعل ؟ ".
صاحت فيه زوجته: " كن شجاعا يا رجل، استخدم الحيلة والذكاء، فقد تخدمك الصدفة في هذه المرة أيضاً ".
قال عصفور:" إذا خانتني الحيلة والذكاء، سأقول لهم إنك أنتي السبب في تظاهري بالحكمة والمعرفة، وسأجعلهم يعطونكي النصيب الأكبر مما أستحقه من الصفع والركل". ثم خرج، وركب بغلته، واتجه إلى قصر السلطان، حيث دخل إلى قاعة الانتظار، حتى يأذن له السلطان بالدخول.
وكان على باب القاعة ستائر من حرير، منقوش عليها رسوم لبعض الطيور والحيوانات، من بط وحمام وغزلان وأرانب وغيرها.
واستغرقت الهواجس والهموم فكر عصفور ونفسه، فأخذ يحدق في الستائر ويهز رأسه.
في هذه اللحظة، تسلل الخادم الذي كان قد شاهد البطة ليراقب الشيخ عصفوراً، وقد سمع عن قصته مع السلطانة، وبراعته في معرفة الأشياء، فشاهد عصفوراً يحدق في الستائر، فاضطرب قلبه، وقال في نفسه: " هذا المنجم البارع يحدق في رسم البطة فوق الستائر ! لقد عرف أنها هي التي بلعت الخاتم، وسيعرف أيضاً أنني شاهدتها و أخفيت ذلك، وسيخبر السلطان فيشنقني !".
ودفع الخوف الخادم فاقترب من عصفور وهو مضطرب، وقال: " أرجوك وأستحلفك بالله، لا تقل عني شيئاً للسلطان... لقد خشيت أن أذكر للسلطان أن البطة العرجاء هي التي ابتلعت الخاتم من فوق حافة البركة، عندما كان السلطان يغسل يديه في البستان، ونسي الخاتم هناك".
وأحس عصفور بهزة شديدة تعتريه، فقد خدمته شهرته في هذه المرة، والتفت إلى الخادم وقال: " لقد عرفت الحقيقة كلها من النجوم، ولو لم تعترف لي الآن، لأخبرت السلطان بالحقيقة، فيقتلك، لكن مادمت قد اعترفت لي ، فلن أخبر السلطان بشئ.. وإياك أن تقول لأحد شيئاً عن هذا الموضوع، وإلا جعلت السلطان يقطع رقبتك".
دخل عصفور عند السلطان، فوجد حوله كل الوزراء والمنجمين. قال له السلطان: " نريدك أن تعرف أين ذهب خاتمي ". فأشار عصفور إلى بقية المنجمين وقال: " وكيف يخفي الأمر على كل هؤلاء العباقرة الأذكياء؟" . قال السلطان: " لقد عجزوا جميعاً عن معرفة مكانه، وإذا عثرت عليه، فلك ألف دينار". فقال عصفور:
" وأين كنت أيها السلطان عندما ضاع منك الخاتم؟ " . أجاب السلطان:
" كنت في بستان القصر" . قال عصفور: " قم بنا إلى البستان " .
فلما دخلوا إلى البستان، قال عصفور:
" أريد أن يمر أمامي كل من في البستان، من إنسان وطير وحيوان".
وتغامز بقية المنجمين ساخرين، لكن السلطان أمر بتنفيذ طلب عصفور.
ومر من أمام السلطان وأمام عصفور موكب به كل الخدم والغلمان الذين يعملون في البستان، ثم الغزلان والأرانب التي تعيش في الحديقة، ثم مرت أمامهم أنواع الطير من الوز والنعام والطواويس، ثم جاء دور البط في النهاية. وعندما مرت أمامهم، وهز رأسه، ورفع ذراعيه إلى أعلى وصاح: " امسكوا هذه البطة ".
وهنا انطلق بقية المنجمون يضحكون منه ويسخرون !
وكان السلطان قد اعتاد أن يتسلى بمنظر هذه البطة، فكان كلما رآها يضحك على طريقة سيرها، فقال لعصفور: " هذه البطة أتفاءل بها ، ولا أسمح لأحد أن يؤذيها". قال عصفور: " إن كنت تريد الخاتم، فهو في بطنها ". فقال السلطان: " وإن لم نجد في بطنها شيئاً ؟! " ، قال عصفور: " افعل بي ما تشاء ! " . فأمر السلطان بذبح البطة، وهو يشعر بالأسف الشديد عليها، ويقول لنفسه:" والله إذا لم نجد بها الخاتم، لأقتله في التو والساعة".
لكنهم وجدوا الخاتم في حوصلتها !! وعندما أخرجوه ورآه السلطان، جن من الفرح، وصاح بعصفور: " والله لا يوجد في الدنيا مثلك، إنك تستحق ألفين من الدنانير لا ألفاً ".
وأخذ عصفور الألفين ، وأسرع إلى بيته وهو يكاد يطير من الفرح، وبقية المنجمين يكادون يموتون من الغيظ والحسد.
وما أن وصل عصفور إلى بيته، حتى أخبر زوجته بما حدث، وقال لها : " هيا نذهب إلى بلد بعيد آخر، ونكتفي بما أتانا من ذهب ودنانير.
إنني أخاف أن أتعرض لتجربة ثالثة، أذهب معها إلى القبر".
صاحت زوجته في عناد وقالت:
" والله لا أتحرك من هذا البلد الذي أتانا منه كل هذا الخير ".

يتبع.....
*************************

جرادة وعصفورحيث تعيش القصص. اكتشف الآن