بعضنا لا يستطيع اختيار الحياة التي يريدها ويُضع بمكانٍ لا يناسبه، ويبقى به حتى يتأقلم على الوضع أو ينهي هذا الوضع!
بشقةٍ في إحدى الحارات الشعبية، خصوصًا بغرفة النوم، على الفراش تنساب الدموع على وجنتيها دون توقف، مستلقية على الفراش تأن بألم من وضعٍ وضعه بها والدها، نظرت لجسدها المليء بالعلامات المخيفة ولكن ليس مليء بالعلامات بل أصبح مشوه تمامًا مما يحدث به.
دلف للغرفة ينظر لها في برود قاسي، يتمتم بنبرة خبيثة:
_ انتِ عجبك الوضع شكلك ولسه زي ما أنتِ!
مدت يدها تسحب الغطاء ولكن مع حركة ذراعها الطفيفة صدر منها صوت صرخة صغيرة، تحكي عن آلام لا حصر لها، ابتسم ( سمير) بسخرية منها، ثم قال وهو يرتدي ملابس السفر:
_ وعلى اساس كده بتوصلي ليا رسالة يعني ولا بتعملي إيه يا زينة.. فهميني؟!
ازدردت لعابها بخوفٍ من نبراته التي بدأت بالهدوء وانتهت بالغضب، وحاولت الحديث ولكن انعقد لسانه، ليستدير لها سمير بغضبٍ يخرج من حدقتيه، يردف بصوتٍ مخيف:
_ هو أنا مش بتكلم ولا أنتِ اطرشتي؟!
هبطت الدموع منها بغزارة، واسرعت تحدثه بصوتٍ مرتجف للغاية:
_ مـ..مـ..مكنتش أقصد.
رمقها بنظرة مشمئزة، ثم عاد يحمل حقيبته مغادرًا الشقة بأكملها، أغمضت زينة عينيها بتعبٍ شديد ثم سقطت في غفوةٍ لعلها تهرب من هذا الواقع القاسي لعالم أخر تجد به ما تحب.
*****
فتحت عينيها على صوتٍ عالي من الطرقات على الباب، حاولت النهوض ولكن آلام عنيف ينتشر بجسدها المُنهك، ادمعت حدقتيها بألمٍ، ثم مدت يديها تتكأ عليهما كي تنهض، تمد يدها لترتدي هذه الملابس الفضفضة لعلها تداري جروح جسدها، تقدمت نحو باب الشقة تتسأل ببعض الخوف قائلة:
_ مين على الباب؟!
:_ افتح ياختي هو حد بيعبرك غيري!
قالتها وداد والدة سمير، في حين اغمضت زينة عينيها بألم عنيف تحاول استيعاب هذه الكارثة الجديدة، فتحت الباب بهدوء ولكن دفعتها وداد بقوة صرخت على أثارها زينة بشدة ولم تستطع حتى أن تمسك مكان الألم كي لا تزيد من هذا الشعور المنفر، ابتسمت وداد ساخرة تغمغم:
_ بنات أخر زمن.. ما تمسكي نفسك شوية الواد كل مرة يجي يشوفك ضاربة بوز وكمان مكسحة كده.
نظرت لها زينة ببعض الغضب، قائلة بصوتٍ مجهد ولكن يحمل غضب:
_ ابنك اللي بيعمل فيا كده! أنا لا بضرب بوز ولا قرف بس اللي بيعمله ابنك فيا مش قليل.
لوت وداد فمها بسخطٍ، تتمتم بحدة:
_ ابني ويعمل اللي عايزه وهو متجوزك عشان يعمل اللي عايزه... أمال دافع فيكي كل الفلوس دي لأبوكي ليه... ثم ابوكي اللي رماكي رمية الكلاب ولا عززك ولا عمل حاجة.. فسبيه يعمل اللي هو عايزاه... أنتِ كمان عايزاه ميعملش اللي نفسه فيه!
نظرت لها زينة بصدمةٍ، هل ما تتفوه به هذا السيدة معقول؟، تمتمت بصوتٍ يحمل آهات وهي تتذكر زفافها الذي لم يمض عليه سوى أسبوعين:
_ ابنك مش طبيعي دا سادي.
شهقت وداد بعنف، ضرب على صدرها وكأنها استمعت لمنكر، تتمتم بحدة:
_ أنا ابني زي الفل.. ولو فكرت تقولي عليه كده تاني هقوله وساعتها شوفي هيعمل فيكي ايه!
رمقتها زينة بنظرة كارهة، هي أصبحت لا تطيق تلك السيدة، دلفت وداد تأخذ بعض الأطباق من عندها ثم غادرت وسط كلماتها اللاذعة التي لا تزال تلقيه، في حين دلفت زينة كي تأخذ حمامًا ربنا يزيل هذه الآلام والعلامات من جسدها تتذكر ما الذي فعله والدها بها...
***
:_ هتدفع العشرتلاف جنية تاخد البت وفوقيها بوسة، مش هتدفع يبقى يفتح الله يا استاذ.. أنا عندي اخواتها لسه عايزين اكل وشرب وهم.
قالها والد زينة لسمير القابع أمامه، في حين نطق سمير بغضب:
_ أنت مش شايف أن دا مبلغ ضخم أوي على بنتك؟!
زمجر والد زينة بغضب:
_ وهي بنتي قليلة عشان تدفع فيها أقل من كده؟!
رفع سمير حاجبه باستنكار، ثم تمتم بنبرة ساخطة:
_ دا أنتِ بتبيع فيها ولا كأنها كلبة عندك!
نظر له والد زينة بتبجح يردف:
_ آه ببيع فيها ملكش فيه.. عايزها تدفع اللي قولت عليه مش عايزها تسبها وأنا اشوف اللي ياخدها.
صك سمير على أسنانه بغيظ، ثم اردف بصوتٍ مكتوم:
_ موافق.
وضعت زينة يدها على فمها من طريقة والدها، هل يبيعها كسلعة رخيصة؟، فقد كانت تسترق السمع ما أن استمعت لاسمها يهتف به والدها مع هذا الرجل.
تسربت الدموع من حدقتيها ما أن أردف سمير بالموافق، يذبحونها كالبهيمة دون أن يروا انها بشرية مثلهم، فيال العجب منظمة حقوق الإنسان تدافع عن إنسان ينتهك حقوق إنسان آخر!
****
أغلقت زينة صنبور الماء وتوقف صوت الماء، ولكن لم يتوقف هذا الضجيج العالي برأسها، لِمَ يفعل بها كل هذا ولا يعاملها كباقي الفتيات؟
امسكت بهذا الكريم المسكن للآلام، وقامت بوضعه على هذه الجروح المنتشرة بجسدها بالكامل، فلم يترك هذا الوحش منطقة واحدة بجسدها إلا ووضع بها علامة من عنف الضرب.
انتهت من وضع هذا الكريم ثم عادت لغرفتها ترتدي ملابس مريحة للغاية، تزيل تلك القماشة المليئة بالدماء، تبتسم بسخطٍ على حالها فبكل اجازة له يجب أن تنزف دماء، وكأن دمائها كالماء، انتهت من تغير كل شيء وبقت على الفراش تفكر بحياتها وهل ستكمل بهذه الطريقة حياتها؟
******
مر الأيام حتى أتى يوم أجازة سمير، هذا اليوم الذي تنتهك حقوق زينة بها، مر ثلاثة أشهر على زواجها به ولكنه كان بمثابة عامًا كامل.
استمعت لصوت المفتاح الشقة، فسارت رجفة عنيفة بجسدها، كادت أن تنهض ولكنها تفاجأت به بالغرفة، ينظر لها وكأنه ذئب بشري، نظرت له في رعبٍ في حين تمتم سمير بنبرة خبيثة:
_ وحشتني يا زينة.
ازدردت لعابها برعبٍ، تنكمش على ذاتها بقوةٍ، في حين تقدم منها سمير يبتسم من رؤيتها هكذا يردف:
_ أنتِ خايفة.. لا اهدي كده.. هسيبك شوية تفوقي وتظبطي الأوضة ونفسك.. وأنا هاخد دش سخن كده عشان افوقلك لحسن الصراحة لما صدقت الاسبوع خلص.
غادر من الغرفة، في حين بقت زينة ترتجف بشدة لم تعد تستطيع السيطرة على جسدها، انفاسها باتت ضائعة بين غياهب الظُلم، لم تتحرك فهي لم يعد بها قدرة كي تعيش هذه اللحظات القاسية مرة أخرى!
مر وقت حتى عاد سمير ينظر لها، ولكن وجد زينة لم تتحرك من مكانها فقط تنظر بخوف لكل شيء، زمجر سمير بعنفٍ:
_ أنا مش قولتلك تقومي تظبطي نفسك.. متهببتيش ليه!
لم ترد، حالة من الجمود امسكتها فأصبحت لا تستطيع الحديث، تقدم منها سمير يكيلها بضرباتٍ عنيفة في حين صرخت زينة بقوة، تتمتم بصوتٍ صارخ:
_ كفاية.. مش مستحملة!
:_ دلوقتي بتردي يا روح***.
قالها وهو يلكمها بعنفٍ، كانت تدفع عن نفسها بضعفٍ، ولكن انهى هو كل ذرة طاقة فتركته يلكم بجسدها دون دفاع منها، تشوشت الرؤية أمامها ثم اندرجت للأسود حتى أغشى عليها ولم تستجب لأي شيء حتى الألم.. فما أمر الاعتياد لو كان على الألم!
*******
جلست وداد بجوار شقة سمير، تستمع لصوت صرخ زينة وهي تبتسم بسعادة، تردف بنبرة سعيدة:
_ أحسن اديها بدل ما هي شايفة نفسها وعاملة أنها ملاك بأجنحة.
تطلعت لها ابنتها ببعض الضيق فهي لم تحب ما يفعله شقيقها بزوجته، لتردف بضيقٍ:
_ يا ماما اللي بيعمله سمير غلط دا كده بيموتها وهي لسه مكملتش يا جدعان.. دا شكل عروسة لسه جاية دا اللي بيشوفها هيقول إنها بقالها سنين!
نظرت لها وداد بغيظٍ، ثم ضربتها على كتفها بقوة، قائلة بنبرة عنيفة:
_ خليه يكسر ضلعها عشان متتفرعنش تاني.. ولا تشوف نفسها علينا.. ماهو لو كل راجل ساب مراته وفضل يطبطب وينحنح يبقى كل الستات هتمشي على حل شعرها.
اشمأزت ابنتها من حديثها وقررت النهوض، في حين هدرت وداد بعنفٍ:
_ غوري هتفضلي طول عمرك عبيطة وبيضحك عليكي.
:_ ألحقيني ياما!
قالها سمير ببعض الخوف، في حين ركضت وداد عند سماع صوت ابنها يصرخ، في حين أتت «ريم» شقيقة سمير خلفها كي ترى ماذا حدث.
شهقت وداد وهي ترى دمًا غزيرة تنزفها زينة، جسدها المليئة بالعلامات من لكماته وطريقته العنيفة معها، صرخت ريم بهم قائلة:
_ دي لزمًا تروح مستشفى.. لو اتسابت كده هتموت!
نظر لها سمير بتوتر، في حين عوجت وداد فمها قائلة:
_ ما نجيب حد هنا عشان السين والجيم اللي هنتحط فيه!
اغتاظت ريم من والدتها لتردف بنبرة حادة:
_ والله يا ماما لو ما اخدتيها المستشفى لأكون فضحاكم في الحارة كلها.
صكت وداد على اسنانها بغيظٍ، ثم اشارت لسمير كي يحملها ويغادر بها نحو المشفى مع ريم الذي بات القلق ظاهرًا على ملامحها.
أيها العصفور الصغير، قد انكسر جناحك ولكن لا يعني عدم عودتك!
أيها العصفور البريء لا تترك الحياة بهذه السهولة فماهي سوى السعى والمعافرة!
أيتها الآلام أتركي عصفوري وشأنه أليس لديك ما تعذبيه غيره!
أيها العصفور الصغير لا تتركني فكنت أملي بالحياة، فإذا انكسر جناحك فكيف لأحلامي أن تحلق معك!
أيها العصفور لست سوى روحى المهترئ من ندوبٍ حُفرت به لم تبرأ بعد!
******
فتحت عينيها بألمٍ شديد، تحاول أن تعلم أين هي؟ نظرت حولها لتجد طبيبة تقف جوارها، نظرت لها ببعض التعجب، ثم هتفت بصوتٍ مبحوح يملأه الأنين:
_ أنا هنا فين!
نظرت لها الطبيبة بشفقة فوجهها مليء بالكدمات، عينيها مضمورة بقاع الألم، أجابتها بصوتٍ حزين:
_ كنت حامل في شهر والبيبي مستحملش ونزل.
نظرت لها بصدمة شديدة، تحاول استيعاب ما تتفوه به، هل بالفعل فقدت صغيرها، مدت يدها تضعها على بطنها ثم صرخت بألمٍ شديد، حاولت الطبيبة أن تهدئها ولكن لم تجد فائدة فهي بقت تصرخ بشدة دون توقف، اشارت الطبيبة لأحد الممرضات كي تحضر لها حقنة مهدئة.
امسك عدد من الممرضات زينة التي اصبحت بحالة من الانهيار العصبي، تصرخ دون توقف، تحاول النهوض من مكانها ولكن يد الممرضات تمنعها، اخذت الحقنة أخيرًا وبدأت ترخي جسدها حتى غفت تهمس بألم:
_ آآآه.. ابني!
أشفق كل من بالغرفة عليها، فقد أتت بحالة يرثى لها، من يراها كان يعتقد أنها لن تغادر الغرفة، نظرت الطبيبة لأحد الممرضات قائلة:
_ خلي بالك عليها.. دخلت في حالة انهيار وشكلها كده بيقول شافت كتير.
حركت رأسها في ايجابية، في حين غادرت الطبيبة الغرفة وما أن خرجت حتى ركضت ريم لها تسألها بتوتر:
_ هي عاملة ايه؟!
نظرت لها بتفحص ثم قالت:
_ أنتِ مين؟!
اجابتها ريم بتوترٍ شديد:
_ ريم اخت جوزها!
منحتها الطبيبة نظرة مشمئزة قائلة بصوتٍ ساخر:
_ والله! ولما أنتِ قلقانة عليها كده سبتي اخوكي يعمل فيها كدمات بجسمها كله وعلامات بالشكل دا... دا واضح جدًا أن اخوكي كان همجي مع البنت دي... وبسبب عنفه دا البنت سقطت البيبي ودخلت في حالة انهيار عصبي.
نظرت لها ريم بصدمةٍ، في حين رمقتها الطبيبة نظرة ساخرة ثم غادرت، استمعت ريم لوالدتها وهي تتمتم بنبرة مغتاظة:
_ مش أنتِ خلاص عملتي اللي في دماغك.. سبينا نروح بيها قبل ما يجي الصبح وكل اللي في المستشفى يشم خبر.
نظرت لها ريم بضيق، تتمتم:
_ سبوها ترتاح شوية!
رمقتها وداد بنظراتٍ نارية، ثم رددت بحنقٍ:
_ ترتاح إيه يا أم ترتاح... هي دي وش راحة دي عايزة تتنيل تتعدل كده وتاخد على الحياة كده هي مش هتعيش حياتها كلها وردي!
جحظتْ عين ريم بشدة، تردد:
_ هو أنتِ كمان عايزة ابنك يكمل في اللي بيعمله!
:_ المفروض مراته وتتأقلم على الوضع اللي تتحط فيه.. وجوزها حياته كده مش بيتكيف غير كده يبقى تتعود على كده!
شعرت ريم بصدمةٍ من تفكير والدتها، لِمَ تفكر والدتها بهذا الشكل، انسحبت من جوار والدتها التي بدأت تعطي مال لإحدى الممرضات كي تساعده بخروج زينة، وانطلقت لغرفة الطبيبة، وما أن دلفت حتى قالت بصوتٍ خائف:
_ الحقيني يا دكتور.
انتفضت الطبيبة من مكانها، تنظر لريم بتعجب، في حين اكملت بصوتٍ خائف تلتفت من حين لأخر:
_ أمي هتخرج زينة من الأوضة برشوة للممرضة!
اتسعت عين الطبيبة بصدمة، ثم اردفت بعصبيةٍ مفرطة:
_ يعني إيه الكلام دا هي بقت سيبه!
كادت أن تغادر ولكن اوقفتها ريم قائلة:
_ متقوليش اني أنا اللي قولتلك عشان ممكن يموتوني لو عرفوا!
نظرت لها ( حنان) بتعجب ثم اردفت ببعض الترقب:
_ وأنتِ مش زيهم!
حركت ريم رأسها بالنفي، ثم اضافت بصوتٍ حرج:
_ لاء.. بخاف عليها بس مش بأيدي حاجة اخويا كبير وأمي مش هقدر اتكلم معاها.. ومش بأيدي صدقيني اساعدها.
ابتسمت حنان لها برضاٍ، ثم انطلقت نحو غرفة زينة وما أن دلفت حتى وجدت الممرضة بالفعل تستعد لنقلها على كرسي متحرك، اندفعت حنان بسؤالها في عنفٍ:
_ أنتِ بتعملي ايه؟!
توترت الممرضة بشدة، في حين تقدمت منها حنان تمسكها من تلابيب ملابسها قائلة بنبرة عنيفة:
_ لو فكرتي تخرجيها هعملك محضر رشوة وشوفي بقى هتشتغلي فين تاني!
لطمت الممرضة على صدرها تتمتم بصوتٍ مرتجف:
_ لا يا دكتورة أنا عندي عيال بجري عليهم!
رفعت حاجبها، ثم اردفت بنبرةٍ تحمل تهديد صريح:
_ يبقى تخافي على أكل عيشك فاهمة!
حركت رأسها في ايجابية، في حين أشارت لها حنان بالمغادرة، نظرت نحو زينة وأشفقت عليها مما فيه ثم غادرت الغرفة تعود لمكتبها ولكنها منحت ابتسامة لريم وهي تسير بالطرقة، في حين ابتسمت ريم لها تزفر براحةٍ، فكانت زينة ستعود لعذابها من جديد، وقررت أن تدلف لها وتجلس معها وهي تفكر بطريقةٍ كي تساعدها!
يتبع.
أنت تقرأ
انفلاق ديجور
General Fictionالمقدمة.. عزيزي القارئ لا داعي للمقدمات.. دعنا نبدأ بأحداثٍ لن تتوقع أنها واقعية ويمكن لإنسان أن يتحملها...