الفصل الثالث
( ستنفلق ديجور)
يا بن آدم يأتي وقتًا يتشتت عقلك من التفكير وتصبح غير قادرًا على الحل ولكن الله يدبر أمرك بلحظةٍ لن تستغرق وقت.
نهضت زينة تسير بالشوارع، الآن هي بحاجة للعمل، نعم يجب أن تعمل كي تستطيع العيش، تجولت من شارع لأخر، تنتظر ساعات الشروق أن تمر كي تُفتح المتاجر وتتسأل عن عمل بها، فقد مضت الليلة السابقة دون أن تستطيع أن يغمض لها جفن بعدما حاول هذا الشاب بفعلته الشنيعة معها.
توقفت قدماها أمام ورقة كبير معلقة يوجد عليها
(مطلوب سيدات للعمل بمصنع ملابس للتعبئة ويشترط أن تتفرغ للعمل)
تهلل سريرها واخيرًا وجدت عملًا، رفعت يدها قائلة بنبرة شاكرة:
_ أحمدك واشكر فضلك يارب.. اتم نعمتك عليّ.
ووقفت بالجوار تنتظر أن يفتح المصنع، ثم تذكرت أحد الشيوخ يقول( لما تعوز حاجة أو خايف من حاجة صل على النبي.. صدقني امورك كلها هتتسير)، بدأت تصلي على النبي في سرها، حتى أتي رجل يفتح القفل الموضوع على الباب، تقدمت منه زينة ببعض التردد قائلة بصوتٍ متوتر:
_ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا حاج.
نظر لها بجانب عينيه، ثم رد عليها السلام، لتسرع زينة بقول:
_ حضرتك علقت ورقة طالب فيها سيدات ومتفرغين.. أنا متفرغة تمامًا يا حاج.
نظر لها قليلًا ثم قال بصوتٍ غليظ:
_ اشتغلتي قبل كده؟!
حركت رأسها بالنفي، فعوج الرجل فمه بسخطٍ، فهو يريد أحد لديه خبرة ولكن حاجاته لسيدة متفرغة كان يهمه، فعاد يتسأل مرددًا:
_ عندك اولاد أو زوج وكـ...
قاطعته تجيب:
_ لا معنديش اولاد ولا زوج ممكن اشتغل بأي وقت عادي.
ابتسم الرجل باتساع، واردف بصوتٍ هادئ نسبيًا:
_ طالما كده يبقى على بركة الله.. هتبدأي شغل من النهاردة.
حركت رأسها في ايجابية، كاد أن يتحرك ولكن تسألت زينة ببعض التوتر:
_ حضرتك معندكش مطرح أنام فيه ان شالله حتى على البلاط يحميني من الشارع وكلاب السكك؟!
:_ أنتِ عبيطة! مطرح ايه حد قالك أن دا مصنع حقق احلامك عندنا.. أنتِ ليكِ شغلك هنا وبس هتزودي هطردك بأي وقت فاهمة.
حركت رأسها بإيجابية، وقررت الصمت، ثم سارت مع هذا الرجل للداخل عندما اشار لها.
بالبداية خشيت منه ولكن ترك الأبواب مفتوح على مصراعيها جعلها تطمئن قليلًا، وقفت تتلقى التعليمات منه وتتعلم كيفية انهاء العمل بمعنى صحيح ( تقفل القماش والشغل إزاي) وبالفعل تعلمت سريعًا مما جعل هذا الرجل يدعى فاروق يقول:
_ شكلك شاطرة وعشان كده هسيبك في الشغل وريني همتك يمكن تقبضي بدري.
اتسعت ابتسامة زينة وبدأت بالعمل، في حين تركها فاروق ودلف لمكتبه يراقب من أتي ومن لم يأت!
بعض الوقت كان قد اتي عمال المصنع فمنهم نساء متزوجات ومنهم مسنات ومنهم شباب و رجال متزوجون.
تعرف الجميع على زينة وشعرت زينة بالراحة مع بعضهم والبعض الأخر شعرت بالضيق نحوهم، بدأت بالعمل مجددًا حتى أتى وقت الراحة، فارتفع صوت أم هنا قائلة:
_ قوليلي يا زينة.. أنتِ فين جوزك ياختي؟ وسايبك مضروبة كده؟
نظرت لها زينة ببعض التوتر، ثم اجابتها بصوتٍ مختنق:
_ أنا مطلقة.
شهقت تلك السيدة بعنفٍ، لتتساءل واحدة أخر متمتم:
_ أنتِ عندك كام سنة عشان تطلقي بدري كده؟!
حاولت زينة الاجابة عليها لتردف بغصةٍ:
_ 25سنة.
لطمت إحدى هن على صدرها بقوة، تمتم:
_ وهو اللي ضربك كده!
زاد اختناق زينة أكثر وشعرت برغبتها بالنهوض، ولكن ارتفع صوت عمران الذي اوقفها عن النهوض قائلًا:
_ في إيه يا ست منك ليها ما تسيبوا البونية في حالها!
ثم نظر لها ذاك الشاب في الثلاثين من عمره، يحمل ملامح عادية ومعروف بالمنطقة بسُمعته الطيبة، يردف بنبرة هادئة مبتسمًا:
_ حقك عليا أنا يا مدام زينة.
حركت رأسها بإيجابية، تردف بصوتٍ يحمل الحرج:
_ ولا يهمك.. شكرًا.
اتسعت ابتسامة عمران اكثر، في حين ابعدت زينة نظراتها تردف كي تتجنب حديثه:
_ بستأذن في حد يعرف مكان ابات فيه بس لحد ما اقبض وادفع الفلوس.
نظرت السيدات لبعضهن، حتى نطقت واحدة منهن مسنة تتمتم:
_ أنا عايشة لوحدي يا بنتي تعالي عيشي معايا!
اتسعت ابتسامة زينة لها، تتمتم بامتنان:
_ حقيقي شكرًا ليكِ جدًا.
نهض الجميع للبدء بالعمل، وما أن انتهوا حتى اخذت تلك السيدة المسنة زينة لشقتها الموجودة بنفس الشارع الذي به المصنع كي تقطن معها، صعدا سويًا حتى وصل، دلفت زينة معها للداخل وما أن كادت تستريح، حتى اردفت تلك السيدة:
_ معلش يا بنتي كنت عايزة اشرب ومش قادرة ادخل المطبخ هتلاقيه على ايدك اليمين.
تعجبت زينة منها ولكنها نهضت تسير للمطبخ كي تحضر الماء، ولكن جحظت عينيها عندما رأت كم هائل من الاواني المتسخة، تقدمت وهي تتأفف من المكان حتى احضرت الماء وخرجت.
مدت يدها بالكوب وبالفعل تناولته منها ( هناء) تلك المسنة وشربته، جلست زينة على الأريكة، فنظرت لها هناء ثم تمتمت بطريقة مستفزة:
_ والله عايزة احطلك أكل بس المواعين مش مغسولة يا بنتي ومش قادرة اقف من وجع ركبي ومش عارفة اعملك أكل ولا حتى أعملي رغم ان في دوا لزمًا اخده بعد الأكل بس هاخده على معدة فاضية.
شعرت زينة بحرجٍ شديد، ثم نهضت قائلة بنبرة متعبة مما حدث لها طوال الوقت السابق:
_ خلاص يا طنط هناء أنا هغسل المواعين واحط الأكل.
بدأت زينة بالعمل في غسل تلك الاواني القذرة، وتسخين الطعام لهما، وبالفعل انتهت ولكن بعد وقتٍ كبير للغاية جعلها لا تستطيع الوقوف مجددًا فقد بدأت قدميها ترتعش من الضغط عليها كي تستمر بالعمل.
وضعت الطعام كي تتناول معاها ولكن ما لحقت به هو لقيمات صغيرة فكلما جلست جعلتها تلك السيدة تنهض كي تحضر لها شيء، وبالنهاية أفرغت الاطباق من الطعام ولم يتق ذرة واحدة لزينة، لم تهتم زينة فهي كانت تريد النوم بشدة، فأردفت لهناء بتعبٍ بات ظاهرًا:
_ هو أنا ممكن انام فين؟!
نظرت لها هناء قليلًا ثم قالت بصوتٍ حزين:
_ والله يا بنتي معنديش غير سرير واحد وقولت تيجي هنا بدل ما تباتي في الشارع وكلاب السكك ياكلوكي.. ممكن تنامي على الكنبة دي.
حركت زينة رأسها، وبدأت تفرد جسدها على الأريكة ولكنها بمجرد أن وضعت راسها حتى غفت تمامًا.
*******
كانت هناء تيقظ زينة كي يذهبن للعمل، ولكن عندما يعودان تقوم هناء باستغلال زينة أشد الاستغلال، في حين لم تستطع زينة الرد أو الرفض لأنها تأويها بمنزلها.
كان عمران يراقب زينة بحذرٍ، يرى ماذا تفعل وهل هي فتاة جيدة أم لا.. فقد شعر بالانجذاب اتجاهها عندما رأها وأصبح يتمنى أن تكون هي زوجته.
وبإحدى المرات استمع عمران دون عمد لهناء وهي تضحك مع احدى السيدات قائلة:
_ مش قولتلك هجبلي خدامة.. واهوه صدقت في كلمتي.. معايا خدمة عايشة عندي وبتعملي طلباتي كلها ومتقدرش تفتح بوقها خايفة اطردها.
ضحك السيدة التي بوجهها قائلة بنبرة خبيثة:
_ أنتِ يا هناء طلعتي مش سالكة خالص.
ضحكت على حديثها بشدة، لتكمل هناء ما تفعله بزينة كله، في حين شعر عمران بالغضب الشديد، وانطلق نحو فاروق كي يأخذ سُلفة من المال، وبالفعل دلف له وقال:
_ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. ازيك يا حاج فاروق؟!
حرك فاروق رأسه يجيب:
_ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.. الحمدلله يا عمران يابني.
ابتسم عمران برضا ثم قال بصوتٍ هادئة:
_ ممكن حضرتك تدني سُلفة لحد أول الشهر.. محتاجهم ضروري أوي.
نظر له فاروق قليلًا، فهي أول مرة يطلب منه عمران هكذا، ولكنه لم يعترض وحرك رأسه في ايجابية واعطى المبلغ الذي طلبه لعمران قائلًا:
_ أنت عارف غلاوتك عندي لولا كده مكنتش اديتك الفلوس.
ابتسم عمران بسعادة ثم قال:
_ عارف يا حاجة ربنا يبارك في حضرتك.
انطلق عمران يبحث عن زينة وبالفعل وجدها تعمل بالمكان المخصص لها تقدم منها ببعض الحرج، ثم قال:
_ ازيك يا مدام زينة؟!
تعجبت زينة قليلًا، ثم قالت بايجاز:
_ الحمدلله.
مد عمران يده بالمال، ويضع اليد الأخر خلف رأسه بحرجٍ متمتمًا ببسمة تعلو ثغره:
_ بصي هو دا مبلغ صغير ينفع تأجري بيه أوضة ليكِ في اي مكان بالمنطق هتلاقي علطول بدل هناء اللي كل شوية تمرمطك وتخليكي تغسلي المواعين وتشتغل في البيت.
جحظت عينيها بصدمةٍ منه، في حين شعر عمران بتوترٍ من صدمتها ليردف:
_ في إيه أهدي.. سمعت هناء وهي بتحكي لصحبتها أنها يعني.. لمؤاخذة بالكلمة مشغلاكي خدامة عندها وانك مش بتقدري تفتحي بوقك عشان متطردكيش.
ادمعت عين زينة بألمٍ، وأصحبت الدموع تغرق حدقتيها، في حين اسرع عمران بالحديث قائلًا:
_ والله ما اقصد حاجة.. أنتِ ست البنات بصي خدي الفلوس سلف وابقى رديها لما تقبضي أول الشهر أو اعزميني على غدا.
قال جملتها الأخيرة ببعض المرح، في حين نظرت زينة للمال بتردد شديد، هي بالفعل ترغب بترك هناء فهي تعاملها بفظاظة شديدة، وكأنها بالفعل خادمة، شعر عمران بترددها فاردف بنبرة حنونة هادئة:
_ على فكرة مفهاش حاجة.. أنا قدمت ليكِ مساعدة وبقولك خديهم واول الشهر ابقى هاتيهم ليا عادي أو حتى بأي وقت معاكي فلوس فيه... متخليش حد يدوس عليكي يا زينة خدي الفلوس وسيبي الولية دي عشان تكسري مناخيرها اللي طالعه بيها للسما.
مدت يدها تأخذ المال، وهي تتمتم بحرجٍ متطلعة للأسف:
_ شكرًا.. وأول الشهر هجيبهم علطول.
ابتسم عمران بسعادة وهو يقدم لها المساعدة، وغادر المكان في حين بقت زينة تبتسم بسعادة بالغة متمتمة:
_ الحمدلله يارب.. كنت واثقة أنك هتنقذني من الست دي ومش هتسبني.
********
انتهت زينة من العمل وبدأت بالبحث عن شقة بسعرٍ يناسب هذا المبلغ الذي بيدها وتركت هناء تحترق من الغيظ بسبب اخبارها أنها ستتركها.
وجدت شخصًا ستسأجر لديه وبسعرٍ رخيص للغاية، ابتسمت بسعادة شديدة، باتت ظاهرة على وجهها، ولكنها لم تلاحظ هذا الذي ارسل لها هذا الرجل كي تستأجر لديه دون أن تشعر بالتعب الشديد وكي لا يضحك عليها أحد، فعمران شعر بأن روحه ترد له من جديد.
مرت ستة أشهر على عمل زينة لم يجدها أحد وهي بقت تعمل حتى اعادت المال لعمران الذي تحول الاعجاب لديه لحبٍ، في حين لم تجدها الطبيبة حنان، قررت وداد أن تزوج سمير بأخرى ولكنه رفض ويريد عودة زينة له مجددًا... ولكن بدأ يفقد الأمل كلما مرت الأيام..
وبصباح يومٍ جديد..
وقف عمران بالمكان المخصص لزينة بالعمل، وقبل أن ترفع زينة رأسها هتف هو بصوتٍ متوتر:
_ زينة تتجوزيني!يتبع.
أنت تقرأ
انفلاق ديجور
Ficción Generalالمقدمة.. عزيزي القارئ لا داعي للمقدمات.. دعنا نبدأ بأحداثٍ لن تتوقع أنها واقعية ويمكن لإنسان أن يتحملها...