الفصل الثاني ( هروب)

49 9 1
                                    

الفصل الثاني
( هروب)
فتحت عينيها بصعوبةٍ بالغة، تشعر بانتشار الألم في جسدها بالكامل، نظرت جوارها لتجد ريم قد غفت جوارها، رمقتها بنظرةٍ بها نفورٍ شديد، حاولت النهوض مبتعدة عنها ولكن صدرت صرخة منها بسبب تلك الكدمات العنيفة المنتشرة بجسدها، استيقظت ريم تنظر لها بقلقٍ، تنهض سريعًا، مرددة:
_ زينة أنتِ كويسة! انادي الدكتور؟
نظرت لها زينة ببعض التعجب، أليست هي الأخرى تريد بها الفناء كباقي عائلتها، لاحظت ريم نظراتها ففهمت مقصدها وقررت الحديث بهدوء قائلة:
_ بصي أنا مش زيهم يا زينة وكنت بحاول مع ماما واخويا كتير بس هما مش بيسمعوا ليا لأني صغيرة في البيت، وعلى فكرة كانوا هيخرجوكي إمبارح وأنا سمعتهم ووقفتهم والدكتور حنان المشرفة على حالتك ساعدتني.
نظرت لها برعبٍ، متمتمة:
_ لا لا لا مش عايزة أروح هناك تاني.. أنا عايزة اهرب ساعديني اهرب يا ريم ارجوكي!
نظرت لها بصدمةٍ في حين امسكت زينة يدها تحاول النهوض، تأن بالألمٍ قاسٍ، ولكن تسترسل حديثها قائلة:
_ عشان خاطري يا ريم لو خفيت أو الدكتور كتبتلي خروج مش هقدر اهرب منهم.
حاولت ريم الرفض ولكن نظرات الرجاء منها جعلتها غير قادرة على الرفض، هي ترغب بمساعدتها ولكن لا تعلم هل الذي ستفعله صواب أم لا!
بكت زينة بصوتٍ عالي، في حين استسلمت ريم لصوت بكاؤها قائلة بخوفٍ:
_ خلاص..خلاص ههربك بس أنتِ هتقدري تقومي؟!
مسحت زينة دموعها بتلهفٍ، تجيبعا سريعًا:
_ آه متقلقيش هقدر.
حركت ريم رأسها ونهضت من مكانها تتحدث وهي تمسك بمقبض الباب:
_ هروح أشوف الظروف برة واجي!
خرجت ريم تتأكد من الطريق، في حين نظرت لها زينة وهي تفكر إلى أي طريق ستذهب، وبعد عدة ثوانٍ ظهرت آلام قاسية بعقلها تتذكر والدها عندما حدثته أول مرة كي يخلصها من سمير...
*****
:_ يا بابا دا بيضربني كل اجازة ليه!  أنا  تعبت تعالي خدني منه!
قالتها زينة ببكاءٍ عالي، كانت كطفلة لا تعلم ماذا تفعل!،  في حين زمجر والدها بصوتٍ قاسي قائلًا:
_ جرا ايه يا بت أنتِ..  أنتِ  هتخربي المصلحة من أولها  بقولك إيه  لو جوزك جه اشتكى منك هتبقى وقعتك سودا.. ولو فكرتي تسيبي بيت جوزك لا أنا ابوكِ ولا أعرفك فاهمة... ومش عايز اشوف خلقتك العكرة دي في البيت عندي ولا حتى زيارات أنا لما صدقت غورتك عقبال اخواتك.
****
أغمضت عينيها بقهرٍ، دموعٌ ساخنة تسيل على وجهها وكأنهم جمرات قاسية تحفر علامات بها، فاقت من ضمور تلك الواحة المظلمة على صوت ريم تردف بتعجلٍ:
_ زينة مفيش حد برة والطريق فاضي.. دا أحسن وقت يلا.
نهضت زينة من أعلى الفراش ببطءٍ، ترتدي جلباب أسود  اللون وفوقه حجاب من نفس اللون، تسير معها للخارج بطريقٍ لا يوجد به ممرضات، تتحمل الألم تظن أنه مؤقت، وصلا الأثنتان إلى الشارع، اشارت ريم لسيارة أجر كي تصعد بها زينة، ثم مدت يدها بمبلغٍ من المال بيدها قائلة بصوتٍ هامس:
_ خلي دول معاكي هتحتاجيهم وروحي بالتاكسي للمكان اللي عايزاه ولما تحبي توصليلي ابقى تعالي منطقتي.
حركت رأسها في ايجابية، لتتراجع ريم تلوح بيدها، في حين انطلق التاكسي من أمام المشفى، ليردف السائق قائلًا:
_ على فين كده يا مدام؟!
نظرت له قليلًا، ولم تعلم الإجابة، فأعد السائق السؤال مرة أخرى، لتردف بصوتٍ مبحوح:
_ الدائري.
حرك السائق رأسه في ايجابية، في حين بقت زينة شاردة بمستقبلها المجهول وأين ستبيت هذه الليلة..فلم تصنع حسبان ذلك!!
********
:_ وصلنا يا مدام.. تحبي نطلع ولا اوقفك عنده؟!
قالها السائق في حيرة، في حين نظرت زينة للمكان والسيارات السريعة، ثم اجابته:
_ لا حلو كده شكرًا.
هبطت زينة من سيارة الأجرة، وسارت أسفل الدائري، تتطلع حولها ببعض الرعب، تنظر للناس وكأنهم خاطفون، حتى استمعت لصوت أحدهم يردف بوقاحة:
_ إيه يا قمر رايحة على فين؟!
ابتعدت زينة سريعًا دون النظر له، وحاولت ايجاد طريق فارغ كي تجلس به وتريح جسدها المنهك وبالفعل وجدت إحدى الشوارع الفارغة، جلست على صخرة صغيرة، ثم بدأت بفك حجابها قليلًا كي تتنفس ليس بالكامل بل يخفي شعرها، وبقت مكانها تتذكر عنف سمير معاها!
******
:_ نعم يعني ايه هربت من المستشفى بدون ما حد يعرف!!
قالتها حنان للممرضة الواقفة أمامها ترتعد منها،  حتى دلفت ريم لها قائلة بنبرة خزى:
_ أنا  يا دكتور اللي ساعدتها!
استدارت حنان لها تتطلع لها قليلًا،  ثم اشارت للمرضة بالخروج من الغرفة وبقيت ريم وحنان بها،  اردفت حنان بنبرة مختنقة:
_ ليه يا ريم..  ضيعتي حق زينة بلحظة..  كنت بحضر تقرير يثبت حالتها واقدمه ببلاغ للبوليس وكانت هتطلق منه وكمان هتاخد منه نفقة وشقة وكانت هتعيش حقها مردود!
وضعت ريم يدها على فمها،  في حين مسحت حنان على وجهها قائلة:
_ كده محتاجين نعرف هي راحت فين!  ممكن تروح لباباها صح؟!
اجابتها ريم بنبرة حزينة:
_ باباها اصلا باعها لينا بـ10الف جنية ومسألش عليها ولا كلمها حتى من يوم الفرح.
تألم قلب حنان لأجلها، كيف لها أن تعيش بدون هذا الساتر المنيع ثم قالت بصوتٍ حزين:
_ طيب راحت فين؟!
حركت ريم رأسها بالنفي، وضربت الحيرة رأسهما فأين يمكن أن تذهب زينة أن كان لا يوجد مكان للذهاب إليه بالأساس!!
*********
هذا الثعبان يسير نحوها تتطلع له برعبٍ حاولت الفرار ولكن قدمها لا تتحرك، زحف لها الثعبان حتى وصل لها وبقى يزحف على جسدها ببطءٍ حتى وصل لصدرها ثم فتح فمها بقوة كي يلدغها...
انتفضت زينة من مكانها، ولكنها وجدت شابًا يقف أمامها يظهر عليه السُكر، نظرت له بدهشة، في حين تمتم هذا الشاب بصوتٍ غير متزن:
_ ايه يا مزة... اتخضيتي ليه... دا حتى أنا حنين خالص جربيني كده.
كاد أن يقترب منها لتسرع زينة بالنهوض كي تهرب ولكن أمسكها هذا الشاب بعنفٍ متمتمًا:
_ تهربي مني أنا ليه يا حلوة... دا حتى الليلة دي هتبقى صباحي.
نظرت له زينة برعبٍ،  قبضته تألم ذراعها ولكن يجب عليها الهروب.. لن تسمح لرجلٍ أخرى أن يقترب منها يكفى ما حدث لها، نظرت حولها لتجد زجاجة ملقاه على الأرض، هبطت سريعًا لتمسكها ثم بكامل قوتها هبطت بها على رأس هذا الشاب، امسك رأسه بقوة يصرخ بألم، في حين هربت زينة منه راكضة..
نعم هي تتألم من جسدها، ولكن سيصبح الألم اضعاف أن تركت نفسها واستسلمت لمصيرها مع هذا الشاب!!
*******
تهدجت انفاسها بشدة، تنظر حولها فلم تعد تعلم أين هي؟! بقت تسير حتى وجدت رصيف فجلست عليه، وبلحظةٍ انفجرت زينة بالبكاء.. ليس بكاء عادي بل كانت تلك المرة هي أشدهم عنفٍ وأغزرهم دموعًا، نظرت بالسماء تناجي الله قائلة بصوتٍ يأن بالألم:
_ يارب أنا معنديش مأوى ولا حتى حياة اعيش فيها.. حياتي ادمرت كلها.. مش معايا غير 100جنية بس.. متسبنيش يارب.. أنا لوحدي وخايفة.. أنت فوق سبع سماوات عالم بيا وشايف أن واحدة من عبادك ليس لها حول ولا قوة.
انهت حديثها ثم وضعت وجهها بين راحتي يدها تبكي بشدة.
آهًا من ندوب باتت تنحفر بنا دون رحمة، لقد خذلتني الحياة بشدة ولكني أثق أن رحمة الله لن تخذلني.
********
:_ البت هربت ياما.. البت هربت خلاص وفلوسي راحت.
قالها سمير بحسرةٍ ممزوجة بغضبٍ جامح، يكسر إحدى الزجاجات بعنفٍ، في حين نظرت وداد بضيق قائلة:
_ ولا يهمك يا ضنايا.. بكرة اجبلك ست ستها ومن غير فلوس وتعيش حياتك.
حدق سمير بوالدته في حدة، يهدر بصوتٍ غاضب:
_ وأنا بقولك بقى مفيش حُرمه تعصى عليا وزينة هجيبها اربيها.. دا لو مخلتهاش رد سجون كمان.. أنا هعرفها ازاي تهرب مني!
نهض سمير من مكانه يشعر بالغضبٍ من عدم معرفته لمكانها فهو يثق أنها لم تذهب لوالدها، فـ إلى أين ذهبت؟!
:_ يا سمير رايح فين؟!
قالتها وداد بحيرة، في حين لم يجيبها سمير بل غادر المكان تمامًا، يحمل عاصفة من الغضب متوجهًا نحو المشفى، حتى وصل لها يدلف لمكتب الطبيبة حنان يزمجرها بعنفٍ:
_ أنتِ لو ليكِ يد في هروب زينة صدقيني هتندمي!
رفعت حنان حاجبها بغضبٍ، تردد بصوتٍ عالي يحمل بطياته التهديد:
_ طيب.. اسمعني بقى كويس وحط الكلام دا حلقة في ودنك.. أنت لو فكرت تهوب ناحيتي أو ناحية زينة هرفع عليك قضية بالأوراق اللي تثبت حالتها وساعتها هخليك في السجن طول عمرك وهتهمك بأنك كنت عايز تخرجها من المستشفى ومامتك كانت هتدفع رشوة للممرضة اللي هتشهد ضدكم.. ووقتها بقى هخلي زينة تشاولكم من قدام القفص اللي هتتحط فيه.
شعر سمير بمدى قوة هذه السيدة، نعم لو اثبتت حالتها سيدلف للسجن وسيصبح الخاسر الوحيد، نظر لها سمير بحقدٍ دفين، في حين اكملت حنان ببرود:
_ تبعد عن زينة هبعدك عن البوليس والأوراق هتبقى متشالة.. وعلى فكرة في كذا نسخة ومش معايا لوحدي عشان بس لو حاولت تاخدها من المكتب هتلاقي غيرها.. تحب نسخة تحطها معاك!
تركها سمير وغادر المكان، في حين وضعت حنان يدها على صدرها تتمتم بصوتٍ مجهد:
_ إنسان مش طبيعي.. بس اخيرًا بعدته عنها.. عقبال ما تظهري تاني يا زينة.
*********

نسمةٌ عليلة أتية، تلفح وجهها لعله يهدأ قليلًا، فقد أصبحت الحُمرة تنتشر به، وعينيها متورمتان بشدة، ولكن أثناء تطاير هذه النسمات ورقةٌ مطوية خبطت وجنتيها الناعمة، أمسكت بها لكي تبعدها ولكنها وجدت بها كلماتٌ كانت أملًا لها..
(« نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآَنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَـمِنَ الْغَافِلِينَ» أيها الإنسان ألم تقرأ قصة سيدنا يوسف! أ لم ترى ماذا حدث به! انظر ماذا حدث له  يوسف، ابن يعقوب، وإخوته الذين كانوا يحسدونه على حب والده له. وعندما ذهبوا كي يلهون طلبوا من والدهم أن يرافقهم يوسف، فقرروا أن يتخلصوا منه وألقوه في بئر، ثم عادو إلى أبيهم وادعوا لوالدهم أنهم تركوه يلعب فأكله الذئب، فحزن والده يعقوب حزنا شديدا حتى أصيب بالعمى.
ولكن يوسف أنقذه بعض المسافرين وباعوه إلى تاجر في مصر. كان هناك  امرأة مصرية تدعى زليخا وهي زوجة عزيز مصر. حاولت زليخا إغواء يوسف لكنه رفض، فاتهمت يوسف بمحاولة اغتصابها ووضعته في السجن. وفي السجن التقى بشابين يراد لهما أن يكونا خادمي ملك مصر، وأوضح لهما رؤياهما، فتنبأ لأحدهما بالحرية وللآخر بالإعدام وعندما سمع ملك مصر عن هذه الأحداث، طلب من يوسف تفسير رؤياه أيضا، فأخبره يوسف بأنها تعني أنه سيحصد الكثير من الزرع والغلة في السنوات السبع المقبلة ثم يأتي بعد ذلك سبع سنوات من الجفاف والجوع الشديد. فأعجب الملك بحكمته وقدرته على التفسير، فجعل منه وزيرا للخزانة.

ولما أصاب البلاد الجفاف والقحط والمجاعة ذهب اخوة يوسف إليه للحصول على بعض الزرع منه دون ان يعرفوا في البداية انه يوسف، فتعرف عليهم يوسف وطلب منهم ارسال قميصه الى ابيه، فلما القوا قميص يوسف على والدهم عاد إليه بصره، ففرحوا جميعا، ثم عاد يوسف إلى أهله في بلاد الشام وتصالح مع إخوته الذين كانوا قد خانوه في السابق، وعرض عليهم الغفران والتسامح. وعاش معهم في النهاية في سعادة ووئام.)
تعلم الصبر فلست وحدك من تتألم بالمآسي.
انتهت زينة من قرأت تلك الرسالة، وتوقفت الدموع معها، والآن تفكر ما الذي يجب فعله كي تغير حياتها!!

انفلاق ديجور حيث تعيش القصص. اكتشف الآن