عدنا بعد يومين من بيت أبي، حين وقفت الحافلة التي أقلت بنا من المدينة على أطراف القرية، صدح آذان العصر. توجهت أنا وهو لأقرب مسجد نأدي صلاةً العصر ثم سيرنا برفقة بعضنا لطريق الذي يؤدي للبيت، الخضرة والزرع يزرع بالنفس الراحة، رائحة الطين تذكرتي بالشتاء والمطر وصوت زقزقت العصافير تذكرني بعطلة الصيف وبيت جدتي، واقفت مندهشة من تحشَّد الفتيات والسيدات في حديقة البيت!
الجدة تجلس على أريكة قديمة الطراز "كنبة" وتحتشَّد السيدات والفتيات أمامها! نظرت لـ"حَسن" الواضح عليه عدم الاندهاش وتساءلت:
_لماذا تحتشَّد الفتيات والسيدات أمام الجدة هكذا؟!
وجدته يضحك بِخفة وجواب ببساطة:
_هذه جلسة الجمعة، اذهبي لهم وستفهمين كل شيء، هيا.
انهى حديثه وهو يدفعني لاتجاه الاحتشَّاد.
ذهب لداخل وتركني واقفة مترددة اذهب لهم أو لاحق به، سمعت صوت الجدة تنادي عليّ:
_ "أريام" تعالي لهنا يا فتاة.
خضعت لها وذهبت اجاورها على الأريكة، فسمعت همهمات الفتيات والسيدات ينظرون ليّ ويتهامسون مع جارتها بجلستها، فقالت الجدة بتعصب:
_ اصمتي منك لها، أريد أن اعرفكم على العضوة الجديدة لجلسة الجمعة.
استدارت بوجهها تبتسم ليّ:
_هذه "أريام" زوجة حفيدي العزيز وستنضم لجلستنا من هذا اليوم.
عَلا صوت السيدات والفتيات بترحيب حار:
_تشرفنا بمعرفتك.
_ نأمل بأن تعجبك جلستنا.
_ مرحبًا بكِ بجلسة الجمعة.تشكرتهم، فهم ودودن وجههم تترسم عليهم الطيبة.
بدأت الجدة تشرح ليّ:
_هذه الجلسة أنا من أنشأتها، تتجمع الفتيات والسيدات بعد كل صلاة عصر يوم الجمعة هنا بحديقة البيت، تقدم مشكلتها وأنا أقدم له نصيحتي من خبرتي الكثيرة بهذه الحياة، لكن ما يقال هنا لم يخرج من وسطنًا حتى لزوجك يا "أريام" اتفاقنا.
أومأت لها:
_أتفاقنا.
ربتت على كتفي:
_بارك الله فيكِ.
اتلفت لهم وقالت:
_بسم الله نبدأ، من لديها مشكلة فلتتقدم لأمام.
كنت مندهشة، لم اصدق ما أراه ولا اسمعه، اشعر بأني بندوة لأحد جمعيات السيدات المجتمع الأرستقراطي ليس بقرية ريفية!