الأول

82 19 20
                                    


"سأعود أقدم عاشق متمـــــرد
سأعود أعظم أعظم الثورات"

-

داخِل أسوار منزِل آل إرجـيـن؛ أنتَ لا تسمع ولا تتحدّث ولا ترى. وإذا كنتُ ذا سمعٍ ولِسانٍ وبصيرةٍ فلا مكان لكَ بينَهم، خادِماً أو ابناً كنتَ.

قد تجرّأت ذات يَومٍ صغيرةٌ على النّظر، فعوقِبت عقاباً ما كان بالغٌ ليَتحمّله.. كَبُرت تلك الصغيرة ونسِي الجميع ما تلَقّته من عذابٍ لكنّها لم تنسى والآثار على جسَدها تُذكّرها.

بعُقدٍ نفسيّة ومشاعر مُضطربة أضحت ذاتَ عشرينَ سنةٍ، وقد أمضَت جلّ وقتها في غرفتها البالِيَة والصغيرة مقارنةً بإخوَتها وأبناء أعمامِها وعمّاتها، لكنّها لم تعُد تهتم.

هذا ما أقنعت نفسَها بهِ؛ أنتِ ما عُدتِ تهتمين بأيّ شَيء.
إلا أن الأمر لم يكن كذلك.

فحينَ أتتها خادِمةٌ قائلةً
- أمَرني السيد إرجين بتَجهيزكِ لحضورِ حفلٍ قد دُعيتِ له معَهم.

شعرت بسعادةٍ ضئيلةٍ وجدَت لها مكاناً بين كوماتٍ من الخَيبات.

-

- أريـانـا -

وأنا أستَعد للحفلة ارتدَيتُ فستانَ والِدتي المتوفية الذي بدى لي جميلاً، ولم أدرك أن أسلوبَ الفساتِين هذا قد عفى عنهُ الزمن إلّا عندما كنت وحدي من بَين الحضور أرتَديه.

لكنّ الخجل لم يُخالجني قطّ رغم نظراتِهم المُحتقرة لي، وكَيف أخجل وفُستاني الأنيق صمَمته والِدتي وخيّطَته بنَفسها؟ وإن عادَ بي الزّمن كنتُ لأختاره، وإن أعيدَت الكرّة ما كنتُ لأرتدي كملابِسهم الفاضحةِ أبداً.

بحثتُ بعَيناي عن عائِلتي فوَجدت كلّ واحدٌ منهم مُنشغلٌ بأمرِه، لقد اعتادَت فئة منهم التنمر عليّ كلّما أتيحتِ الفُرصة لكنّ ردات فعلي كانت مُملة فسَئموا وابتَعدوا، وهذا ما كُنت أبغيه.

الآن أنا وحدي لا يُزعجني أحدٌ، أشربُ شَرابي وأستمتع بالموسيقى حَولي، آهٍ والآهُ لا تكفي كم أحسّ براحَةٍ لا مثيلَ لها. وإن كانَت الصداقاتُ اللّطيفة تجذبُني، والمُحادثات الطّويلة الدافِئة تَروقُني، فلا بأس أنا مُكتفية بذاتِي المُشوّهة بنَدبات الماضي.

بدأتِ الثنائياتِ بالتّقدم لساحَة الرقص، شيئاً فشيئاً مُلئَت، وبقيتُ أنا من بعيدٍ أقيّم رَقصهم لدَفع الملل عنّي.

حتّى عكّر صفو مزاجي النّادر رجُلٌ أسمر البَشرة يطلُب رقصَةً منّي. هل أخبِره أنّني لم أرقص قطّ بحياتِي إلا مع المِكنسة؟ لم أفعل ووافَقت، ذلك أن هذا الرجل المُمَيز له هالَةٌ وحضورٌ لا يَسمحان بتجاهُلهِ.

بيَده القوية على خصري، وتمايُلِنا على أنغامِ الموسيقى بانسِجام شعَرت أنني أطيرُ بين السحاب؛ الرّقص حقاً لمُمتع! أم شريكي مَن يُجيده؟ أقسم لكم أنها الأخيرة.

أغمَضت عَيناي أتجَنّب نظراتِه نحوي، أحاول تناسي تأثيرِ عيناهُ السّوداء وأنفاسه عليّ.. لأنّي لن أقَع أبداً أبداً.

وحينَ فتَحتُهما لم أجِده، درتُ حولي أنظر هنا وهناكَ ولم أراه قطّ. لكن كَيف له أن يختَفي بهذه السرعة وأنا للتو كنتُ أشعر به أمامي؟

ظلّ بالي مَعه طوال الحفلةِ، وعند انتِهائها أخيراً سألتُ الخادمة عن الرّجل الذي كان يُراقصني. فقالَت أنني لم أرقص مع أحد وقد بقيت طوال الحَفلة بذاتِ المكان.

-

الـفـصـل الأول تَــمَّ.

(فـسـتـان أريـانـا)

(فـسـتـان أريـانـا)

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.
مُراقصة الشيطان ليلاً ومُحاربته نهاراًحيث تعيش القصص. اكتشف الآن