حياةُ وَهَن.

101 5 3
                                    

مرحباً أنا وهن، فتاة ذات الثلاثَ والعشرينَ عاماً،
أُمضي أغلبَ الوقتِ خارجَ المنزل في العمل، لِـشغلِ نفسي عن واقعي، فـواقعي هو التعريفُ لإسمي،
أعيشُ في منزلِ الأيتام، قالت لي غجرية <في الواقع إسمُها سميحة الشريرة، نُطلِقُ عليها إسمَ غجرية لإنها شريرةٌ جداً معنا، تُعامِلُنا مُعاملةَ الغجرِ لأسراهم> ، أنهُ عندما وُلدتُ كُنتُ ضعيفةً جِداً حتى أنه لم يتوقع أحدٌ صمودي لليومِ التالي،
أما في اليومِ التالي فتُوفيت والدتي وتخلى عني الجميع، باعتني عمتي لمنزِلٍ سيءِ السُمعة <دِعار>، ولكنَ هُناكَ من أتى بي إلى منزلِ الأيتامِ في مساءِ اليوم ذاته، ومن وقتها أسمتني غجرية وهن،
لطالما سَمِعتُ منها عبارةَ : "كُلُ شيءٍ في حياتِكِ يُطابِقُ إسمك، واهن"
لم أُعِر كلامها بالاً، ولكنها دائماً ما تجعلُ حياتنا جحيماً،
كُنتُ نظرياً أُعتبرُ أكبرَ الكبارِ الموجودين، من كُنا في عُمرٍ مُبكر كانت غجرية تُرسِلُنا للعمل، ياليت الأمرَ كان إعتماداً على النفس،
بل كانت تسعى وراءَ المال وتأخُذُ كُلَ ما نتحصلُ عليهِ من عملِنا، بل كُنا لا نأكُلُ معظمَ الوقت كي لا نُنقِصَ المال، وضعت لنا مبلغاً معيناً لليوم، إن عادت فينا الواحدةُ تحمِلُ أقلاً من المبلغ تُعاقب، <تُجلدُ يومها، ولا طعامَ حتى تأتي بِـمبلغِ هذا اليوم> أيّ أنها في اليومِ التالي يستوجِبُ عليها أن تأتي بالمبلغ ضِعفاً،
كانت وللأسف تضرِبُ الفتياتِ الصِغار ضرباً مُبرحاً حتى أن الأثر يبقى أياماً معدودة لِيُشفى، لكني لم أرضى هذا أبداً..
في يومٍ عندما فرغنا من عملنا وجمعِ المال، وكُنا عائدين، كانت الصغيرةُ ألما تبكي <ألما بِمثابةِ إبنتنا جميعاً، بالأخصِ لي بالكادِ تستطيعُ الكلام، ولكنها وعت لمُعظمِ الأمورِ التي تحدُثُ معنا، لم أكن أترُكُها يوماً في المنزل، آخُذُها معي أينما ذهبت> أتيتُ إليها لأرى ما بها، تمتمت لي بكلامٍ بالكادِ فَهِمتُه، أصبحتُ تُردِدُ نعم عثرية نعم عثرية، فهمتُ ما قالته بِصعوبة،
كانت تحاول قولَ إسمِ نغم وإسم غجرية، ذهبتُ إلى نغم وجدتُها منطويةً وخائفة، أنحنيتُ لها، كانت نغم خائفةً حد البُكاء، خائفةً من غجرية، لأنها لم تحصُل على مال وستُعاقب، وعلمتُ وقتها أنَ الصغيرةَ ذاتَ السنتين التي لم ترى شيئاً من العالم كانت تُحاولُ تحذيرنا لما سيحدُثُ لشقيقتنا نغم،
ما أحزنني أن ألما وفوقَ عُمُرها كانت تُدرِكُ أنَ هذهِ الأوراق مخرجُنا من مأزقٍ كبير، فـلقد رأت كيف تُعاقب الواحدةُ منا،
أعطيتُ نغم ما أملِكُ من مال، لم يكن هناكَ وقتٌ كافٍ لأحصُلَ على غيرهِ فـلقد حان وقتُ عودتنا وإلا باتت الواحدةُ منا بلا مأوى، عُدنا إلى المنزل،
عندما دخلت غجرية الى الغرفة، بطُولِها المُخيف، و نحالةِ جِسمها و وجهها المتطاولِ المليءِ بالتجاعيدِ وعيناها التي تُحيطُها الهالات، ذاتَ وجهِ عابسٍ جداً مخيفٍ جداً، راحت تُدقِقُ النظرَ إلينا من الباب، والرعبُ يدُبُ في قلوبِنا، تمشي بِـخُطواتٍ بطيئة ومع كُلُ خطوةٍ الرعب يقتُلُنا، وكان علينا أن نصطفَ كما لو كُنا نصطفُ لِـملكة، تمشي بجانِبنا و تقفُ في المُنتصف،
تُكرِرُ جملتها المعتادة : "إذاً يا مشئومون، من مِنكُم لمَ يأتي بالنقودِ اليوم، فليتقدم قبلَ أن أعُدَ النقودَ بنفسي وأزيدَ عِقابه"، خرجتُ ذلكَ اليوم ونظرت إليّ بغضب، وقالت: "أنها المرةِ الخامسةُ هذا الشهر ما بِكِ أصبحتِ كسولةَ جِداً"، أخذت ذلكَ الحِزامَ المتين، وراحت تضرِبُني به،
لم يُؤلمني ضربُها، بقدرِ ما آلمني بُكاءُ ألما ونغم وأخواتي الأُخريات،
بعد أن فرغت من تلوينِ جسدي حرمتني من الطعامِ وأرسلتنا إلى غُرفِنا بعدَ أن أخذت أموالنا، أخذُتُ أُحاوِلُ تهدئتَ أخواتي <حيثُ كُنا فِعلاً بمثابةِ أخوات> ، هدأن بصعوبة و أقنعتُهُن بتناولِ الطعامِ بصعوبةٍ بعد أن رفضنَ رفضاً باتاً ذلك،
أما عن ألما فكُنتُ أُطعِمُها وهي تبكي وتمسحُ على مواضِعِ الضرب حتى نامت، في حضني من كثرةِ البُكاء.
في صباح اليوم التاني، إستيقظتِ الفتياتُ قبلي، وذهبن لتناولِ الطعام،
عندما إستيقظت لم أجد أحداً حولي، لم أُحاوِل النهوضَ من السرير حتى، لأني لن أحصُلَ على طعامٍ اليوم،
في الواقع لم يكن هذا الأمرُ يضايقني، فـهذه المرةُ الخامسةُ التي أُساعِدُ فيها واحدةً من شقيقاتي، وهذا الأمر ما يجعَلُني مطمئِنةً، أنهُن لن يُعاقبن،
كُنتُ مُستلقيةً على السرير أنظُرُ إلى السقف مدةً رددتُ جملتي المُعتادة: "سيكونُ اليومُ مختلفاً بالتأكيد"، ثُمَ نهضت، ذهبتُ إلى المرحاض،
غسلتُ وجهي، نظفتُ أسناني، نظرتُ إلى وجهي، شعري البُني المُنسدِل حتى مُنتصفِ ظهري كان أشعثاً،
عيناي كانت شِبهَ منتفِخة،
وجهي الذي أصبحَ نحيلاً أكثر،
أنزلتُ رأسي لكي لا أُعطي بالاً لوجهي الذي بدأ يشحب،
وقعت عيني على يدي، فإذا بها ترتجف.
كُنتُ أتأملُ هذهِ اليد التي للعشرين عاماً لطالما إرتجفت لسببين، إما حُزناً أو قلقاً وخوف،
تنهدتُ تنهيدةً عميقةً ظننتُ فيها أن قلبي سيخرُج ويصرُخ، أعدتُ النظرَ إلو وجهي، وإبتسمت، لطالما أحببتُ إِبتسامتي وشامتي التي بالقُربِ من شفتي السفليّ الأيمن،
ربطتُ شعري، غسلتُ وجهي مُجدداً،
قاطعتُ غسيلَ وجهي وخرجتُ مسرِعةً حتى أني كِدتُ أقع على الأرض عندما سمِعتُ صوتَ صُراخِ غجرية على الفتيات.
كانت تصرُخ قائلةً: "يا مشئومات، هذا جزاءُ حُسنِ تعامُلني معكن"..

-يتبع...

-آرائكم مُهمة لأستمر..🤎🦋.

ديسمبر الظالم | Unjust Decemberحيث تعيش القصص. اكتشف الآن