مقهى بارنيز.

29 6 2
                                    

إستيقظتُ في صباحِ اليومِ التالي على صوتِ غجرية:
"يا صِغار، صباحُ الخير، هيا إلى العمل" وخرجت.
نظرتُ إلى نوسا بإستغراب و أعادت لي النظرة،
قلتُ لها: "يا صِغار؟"، قالت لي: "صباحُ الخير؟"،
سقطنا على بعضنا من الضحك،
قالت نوسا: "وهن، يبدو حقاً أنها تنوي أخذ كُلَ المالِ منك".
صمتت مدة ثم قالت: "هل أخبرتِها بالمُرتب؟".
قُلتُ لها: "عندما سألتني عن المرتب لم أُرد الكذب، ولكني أضطررت".
نوسا: "ماذا قُلتي لها؟".
وهن: "١٥ دولاراً".
نظرت لي نوسا مُدةً بِصدمةٍ ثمَ ضَحِكت من كُلِ قلبها.
دخلت غجرية مرةً أُخرى نظرت لنا ثم قالت: "أتُرِدنَ التكاسل لأنني عاملتُكُنَ بِلطف؟، هيا إنهضن أيتها الغبيات".
وهن: "هذهِ هيَ غجرية التي عَهِدتُها".
نوسا: "الآن يمكِنُني إكمالُ يومي بسلامٍ دونَ الشعورِ بالغرابة".
عندما نظرتُ إلى الساعةِ التي كانت السابعةُ والنصف، نهضتُ من السريرِ بهلع، أسرعتُ الى الحمام.
وجد: "يالهي ماذا حدثَ لها؟".
نوسا: "أظنُ أنها تأخرت عن العمل".
نظفتُ أسناني بسرعة وإستحممتُ بسرعةٍ، بدلتُ ثيابي، وذهبتُ ركضاً إلى المكان، كان بعيداً قليلاً يبعدُ مسافةَ ٣٠ دقيقةً بالأقدام ولم يكن بِمقدوري ركوبُ حافلةٍ حتى لعدمِ وجودِ المال.
الحقيقةُ أني لم أركب يوماً الحافلة، ولم أُجرب أيّ شيءٍ آخرٍ أبداً.
ركضتُ حتى وصلتُ إلى مكانِ العمل، عندما وصلت كُنتِ بالكادِ أتنفسِ أنحنتُ أُمسكِ رُكبي وأُحاوِلُ التنفس، الحقيقة أني كُنت ألهث،
نظرتُ إلى الساعة كانت الساعة السابعة و ثمانٍ وخمسين.
قلتُ لنفسي وأنا ألهث: "يالهي لقد وصلتُ قبل الموعدِ بدقيقتين".
دخلتُ إلى المقهى، الحقيقةُ أنها المرةُ الأولى التي أرى جمالَ المقهى جيداً، فـ بالأمسِ لم أُعِرهُ بالاً.
تأملتُ جمالَ الديكوراتِ الشجيراتِ المُعلقةِ في السقف، الكراسي و الطاولاتِ الجميلة، وحتى الكراسي الفردية التي عند طاولةِ الطلبات، جمالُ الألوانِ المُتمازجة، البني مع الأسود والأبيض.
إستقبلتني إلين، وأعطتني المريلة، ثمَ قالت لي: "مرحباً بكِ بيننا".
ذهبتُ إلى الحمام، إرتديتُ المريلة، نظرتُ إلى شكلي في المرآة، ربطتُ شعري إلى أعلى، إبتسمتُ وقلت لنفسي:
"إنهُ يومُكِ الأول يا ذات الشعرِ البُني <قُلتُ ذلكَ وقد تذكرتُ السيدةَ التي لها الفضلُ بتوظيفي لأنه لولا الله ثُمَ هي ما كُنتُ قد قُبِلت> أنتِ لها يا وهن"، تأملتُ وجهي مُدةً ثُمَ خرجت.
بدأت إلين بِإرشادي، أخذت تريني ما علي فِعلهُ بالضبط، من تنظيف وترتيب، وتقديم.
سألتُها عن سيما، قالت لي: "فترتُها مسائية، أما أن معظمُ أيامي صباحية، ويومان أو يوم مسائية، بالأمسِ عندما أتيتي كانت بدايةَ الفترةِ المسائية".
وهن: "متى تبدأُ الفترةُ المسائية".
إلين: "عادةً الثالثة أو الرابعة وتنتهي العاشرة، أرى أنكِ إخترتي الفترةَ الصباحية".
وهن: "لا، إخترتِ الفترتين".
قاطعنا دخولُ السيد طلب يحمِلُ أوراقاً و يمشي كما لو أنهُ مشغولٌ بشيءٍ.
طلب: "إلين، هل علمتني الفتاة؟".
إلين: "نعم طلب"، نظرَ إليها مُدةَ فقالت: "سيد طلب".
فِعلتُهُ هذهِ أوضحت لي أنه شابٌ رسميٌّ جِداً.
لم يكن مقهىً فخماً ولكنهُ على قدرِ بساطتهِ و ديكوراتِهِ كانَ جميلاً جِداً، تعرفتُ على كُلِ العاملينَ، من صانعي الحلوى والمشروبات والندل،
لم يكن المقهى مُكتظاً بالناس، بل كان يحتوي على أشخاصٍ يُعدُونَ بالأصابع،
تعلمتُ كثيراً من الأشياءِ في يومي الأول بل كُنتُ أخدِمُ كلَ من يأتي بُكلِ حُبِ و إهتمام،
إنتهت فترةُ الصباحِ وأتت الفترة المسائية، وكُنتُ كُلما تأملتُ سيما وصمتها و سماعاتِ الرأسِ الكبيرةِ التي لم تكن تُفارقُ وجهها بل ثيابها التي توحيَ غموضاً تاماً، يزدادُ فضولي كُلَ يوم لمعرِفةِ ولو شيءٍ عنها، وكانت كُلما نظرت لي أبعدتِ نظري عنها بِسُرعة.
إنتهى اليوم وعُدتُ إلى المنزلِ مُتعبةً جِداً، إستقبلتني غجرية التي كانت تصرُخ غاضبة: "لقد تأخرتي جداً ما هذا العملُ الذي يجعلُكِ تعودينَ بعد العاشرة؟"
أمسكت فمها عليها عندما أعطيتُها ال١٥ دولاراً ومعها ٣دولاراتٍِ حصلتُ عليها كبقشيش.
دخلتُ إلى الغرفةِ وجدتُ أخواتي ينتظرنني، إستقبلنني  الصغيراتُ الإستقبال الجميلَ الذي عَهِدتُه <بالأحضان>، 
وذهبتُ لأستحم، خرجتُ وأنا أُجفف شعري بالمنشفة، وجدتُهنَ بإنتِظاري بِحماسٍ ولهفة، عندما جلستُ في السرير، تجمعنَ حولي عدا نوسا <كانت نوسا أكثرَهُن حنيةً، لكِنها كانت تدعي القسوة>، أخذُتُ أحكي لهُنَ عن يومي وعن كُلِ التفاصيل والمقهى وماذا يُعِدُ من حلوى ومشروباتٍ والأشخاصِ هُناك منهم السيء ومنهم الطيب،
كانت نوسا تدعي اللامبالاة ولكنَ أُذُنها كانت معنا بالتحديدِ عندما خفضتُ صوتي أهمس، فقربت أُذُنها لتستمع وعندمت نظرتُ لها إدعت التركيزَ في كتابها.
هكذا مرت أيامي، من العمل إلى المنزل،
أمضي وأتعلم، حتى تعلمتُ كيفَ أُعِدُ مشروباً ساخناً، كان مذاقهُ رائعاً لم أتوقعَ أنَ بِمقدوري فِعلَ ذلكَ، حتى أنَ السيد طلبَ أشادَ بهِ بل وقد وضعهُ في قائمةِ المشروباتِ الجديدة،
وكنتُ يومها في سعيدةً حتى أني لم أظُنَ أنَ العالم سيستطيعُ حملَ سعادتي،
عدتُ يومها من المقهى سعيدةً أحكي لأخواتي عما قُمتُ بِهِ،
حتى أني أخذتُهُنَ إلى المقهى في اليومِ التالي وعرفتُهُنَ على الأشخاصِ هُناكَ وعلى السيدِ طلب بل أنهُ قال لي أن أُعِدَ لهم مشروبي الخاصَ على حسابه،
كُنَ سعيداتٍ جِداً عندما غادرنَ، أوصلتُهنَ إلى الخارجِ وهُنَ في أشدِ سعادتِهن، وبالأخصِ ألما وكُنتُ أنا سعيدةً أكثر بسعادتِها،
مرت الأيامُ وأنتهى شهرُ نوفمبر، ودخل الشهرُ الأحبُ إلى قلبي، ديسمبر، شهرُ الشتاء القارس، بل كان قارساً جِداً في منطِقتِنا،
رغمَ أني كُنتُ أُحبهُ إلا أنهُ كانَ قاسياً علينا، على إخوتي، فكُنا نخرُجُ إلى الشارعِ نبحثُ عن مالٍ في عِزِ البردِ بِثيابٍ خفيفةٍ، والبردُ يكادُ يقتُلُنا، لكنَ الأيامَ كانت مُختلفة.
كان لديسمبر طعمٌ آخر، فالبردُ، وإضاءة المدينةَ في الليل، والموسيقى من المحلاتِ والمقاهي، كان جميلاً جداً.
من أولٍ يومٍ في ديسمبر لاحظتُ تغيّيراً طفيفاً جِداً بل لا يكادُ يُرى في سيما، فقد.. كانت.. لطيفة!،
أو أنها أخيراً وبعدَ مُحاولاتي الدائمةَ في الحديثِ معها حتى أني سئمتُ ذلكَ وتوقفت، قالت لي عندما قدُمت ورأتني أُنظفُ الطاولات "مساءُ الخير"، تعجبتُ لها بل أني أنصدمتُ لذلك، قلتُ لها بصدمة: "مساءُ الخيرِ لي؟"،
قالت وكما لو أنها خجولة تُلهي نفسها بِمريلتها: " لا لطلب، نعم لك، إن لم تكوني بحاجتها بغيركِ يحتاجُها".
وهن: "لالا لم أقصد، فقط أنا مصدومة".
إبتسمت لي وقالت: "أكملي عملك".
كُنتُ في أشد حالاتي صدمة، هل هذهِ هيَ سيما؟، هل ما حدثَ حقيقي، أم أني أتوهم، مهلاً هل إبتسمت حقاً لي، بل كانتِ إبتِسامةً من قلبها، ليست إبتسامةَ زيف، أُنظِفُ الطاولة وأُفكِر،
إنتبهت لي وضحكت من قلبها: "وهن، هذهِ الطاولةُ نظيفة، أتنوينَ تلميعها أكثر؟"
قُلتُ لها وأنا بكامِلِ تفاجُئي: " وتعرفين إسمي أيضاً؟!".
ضحكتُ وقالت: "نعم، أعرفهُ"، وأكملت ضحِكها.
قُلتُ لها: "ما المُضحك؟" ، قالت: "وجهُك" وأكملت الضحك، حتى أني ضَحِكتُ معها.
مر أولُ يومٍ من ديسمبر والثاني والثالث وأنا أُلاحظُ قدومَ شابٍ وسيمٍ، في نفسِ الزمنِ بالضبطِ من ليلِ كُلِ يومٍ، بل أنه يجلِسُ في نفسِ المكانِ ويطلبُ ذاتَ الشيءِ، تملكني الفضول، عندما قدمت لهُ النادلة مشروباً خاطئاً وخرج من المقهى دونَ أن يقولَ شيئاً، بل حتى أنَ طلب صرخَ في النادلة، أيكونُ شخصاً مُهماً حتى يفعل طلب هذا؟.
توقفتُ عن تنظيفِ الطاولة، نظرتُ إلى سيما وسألتُها <أصبحنا نتحدثُ في بعضِ الأحيان>،
وهن: "سيما من هذا".
أجابتني سيما: " ديسمبر".

صورة تقريبية لديكور المقهى

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

صورة تقريبية لديكور المقهى.

-يُتبع...

-آرائكم تهُمُني لأستمر..🤎🦋.

ديسمبر الظالم | Unjust Decemberحيث تعيش القصص. اكتشف الآن