كان السيد طلب في وجهي.
صاح في وجهي: "أليسَ لديكِ توقيت؟، تأتينَ متأخرة؟، ألا يكفي أنكِ تغيبتي عن العملِ بالأمس؟".
وهن: "أنا..".
السيد طلب: "هيا إلى عملك".
نظرتُ إلى طاولةِ السيد ديمسبر، كانَ مُلتفِتاً علينا، إتجهتُ إلى غُرفةِ الإستراحة، خلعتُ معطفي ثمَ إرتديتُ مريلتي، تبعتني سيما تحملُ قهوتها،
سيما: "آخ كم أنا مُتعبة".
نظرت سيما إلى وجهي،
سيما: "ما بِه وجهُكِ مُحمر".
وهن: "لاشي".
أسدلتُ شعري على وجهي ثُمَ خرجتُ من الغرفة،
سمير: "وهن هذا طلبُ ديسمبر، بالمناسبة أحببتُ شعرك هكذا".
أخذتُ الطلبَ دونَ أن أتفوهَ بشيءٍ، تقدمتُ ناحيةَ طاولةِ ديسمبر.
وضعتُ الطلبَ دونَ أن أقولَ شيئاً كان منسجماً في دفترهِ الذي يحملهُ معهُ كلما أتى إلى المقهى، نظرَ إليَّ كأنما ينتظِرُ شيئاً إبتعدتُ عن الطاولة، بل أني كُنتُ أقومُ بعملي دونَ أن أتفوهَ بشيء،
سمير لسيما: "ما بها وهن اليوم، على غيرِ عادتها".
سيما: "أنا أيضاً لاحظت، لا تبتسم، لا تتكلم، لم ترتبك وتوقع شيئاً، حتى أنها لم تقل شيئاً ساذجاً، ولا لطيفاً حتى".
سمير: "لم تتفوه بشيءٍ من الأساس".
سيما: "وهذا هو الغريبُ في الأمر".
أكملتُ يومي هكذا، إلى أن إنتهت ساعاتُ العمل، لبستُ معطفي وخرجت، كان البردُ شديداً جداً اليوم، وكان الوقتُ متأخراً ، حيثُ كانت الساعة العاشرةً والنصف، تفاجأتُ بوجودِ السيدِ ديسمبر متكِئاً على سيارةٍ سوداء، كان ينظُرُ في السماء ويشربُ كوبَ قهوة، لم أُعِر الأمرَ إهتماماً، ذهبتُ مُبتعِدةً عنه، مضيتُ في طريقي إلى المنزل، كُنت شاردةً في ذهني، عندما قاطعني صوتٌ قادِمٌ من ورائي أخافني، كان السيد ديسمبر.
ديسمبر: "مرحباً".
وهن بخوف: "يا إلهي".
ديسمبر: "أنا آسف".
وهن: "لا بأس".
ديسمبر: "أيمكنني أن أمشي معك؟".
وهن بتفاجئُ: "لماذا؟".
ديسمبر: " الحقيقة أسكن في هذا الإتجاه".
وهن: "حقاً؟ أين؟".
ديسمبر: "أيهُمك؟".
كم هو فظ.
عمَ الصمتُ بيننا،
ديسمبر: "ما إسمك؟".
وهن: "أيهُمك؟".
ديسمبر يبتسم.
في رأسِ ديسمبر ( أعجبني هذا).
عمَ الصمتُ بيننا طيلةَ النصفِ ساعة،
كانَ إما ينظُرُ إلى الأرض أو إلى الطريقِ ويداهُ داخلَ جيبه،
ديسمبر فجاءة: "لاحظتُ أنَ بِكِ شيئاً".
وهن بتعجب: "هاه، ماذا تقصد؟!".
ديسمبر: "ببساطة أنتِ شخصٌ لطيف، على عكسِ بقيةٍ الندل، أعتدتي على الترحيبِ بالجميع وقولِ كلامٍ لطيف، (ينظرُ إلى وهن)، أما اليوم فلم تبتسِمي حتى".
وصلنا إلى مفترقِ طرق.
وهن: "منزلي من هذا الإتجاه".
ديسمبر: "سأُوصلك..".
قاطعتُهُ بسرعة: "لالالا سأذهبُ وحدي".
وأنا في رأسي أُفكِرُ أن غجرية ستقتُلني.
ديسمبر: "حسناً".
ذهبت في طريقي، فجاءة قال لي: "يا ذاتَ الشعرِ البُني".
إلتفتُ له متعجبةً، نظرتُ له، رأيتهُ مُبتسماً أكملَ قوله: "إسمي زان".
إبتسمتُ له، ثُمَ ذهبت.
عدتُ إلى المنزل، إرتميتُ في فراشي مُتعبة، أخذتني الأفكار، لماذا تحدث معي وهل حقاً تحدثَ معي أم أني كُنتُ أتخيل؟، هل كان ينتظرُني أم ينتظِرُ شيئاً آخر، نبرة الصوتِ الخشنة مع تلكَ الإبتسامة أهي حقيقةَ أم خيال؟، زان، في لحظةٍ رُحتُ في الأحلام.
في صباحِ اليومِ التالي ياتُرى أكانَ يومَ أمسٍ حُلماً؟
نهضتُ من الفِراش وكالعادة مع مضايقاتِ غجرية وكلامِها المُعتاد، يا تُرى مُتى ستدعُنا في حالِنا،
ذهبتُ إلى العمل، روتيني المحفوظ ألين والأصدقاء والعمل وفي الليل ديسمبرالمريب ، أيضاً كان هُناك شاب أعتادَ مُضايقتي عند قدومي إلى العمل،
في الليل عندما أتى ديسمبر ووضعتُ الطلبَ في المنضدة إبتسمتُ له، نظرَ لي ثُمَ أنزلَ عيناه أمسكَ قهوته وأخذَ يرتشِفُ بصمت وهو ينظُرُ إلى النافذةِ على يمينه، إبتعدتُ وأنا كُلي تأكيد أنَ ما حدثَ بالأمسِ كانَ من نسجِ خيالي ليسَ أكثر، وإلا ماذا يُفسرُ صمتهُ، عندما أنهيتُ عملي وخرجت من المقهى كان ينتظِرُ في الخارج، ذهبتُ بعيداً في طريقي، فإذا بذلكَ الصوت الخشن يُنادي: "يا ذاتَ الشعرِ البُنيّ".
وقفتُ وإنتظرتُهُ حتى أتى، يمشي على مهل وروية، كأنما العالم لا يحوي ما يهمه،
ديسمبر: " مرحباً".
نظرتُ لهُ مُدةً مُتعجبةً، أعاد قولهُ مُجدداً.
ديسمبر: "مرحباً".
وهن بدون وعي: "إذاً لم يكن حُلماً".
ديسمبر بتعجُب: "ماذا؟".
وهن تُحاوِلُ التغطيةَ على نفسها: "ماذا تفعلُ هُنا؟".
ديسمبر: "أخبرتُكِ أن هذا طريقُ منزلي".
وهن: "أعلم ولكن مقصدي أنكَ خرجتَ مُنذُ ساعة".
ديسمبر: "هل أنتِ بخير؟".
وهن: "لماذا؟".
ديسمبر: "وجهُكِ شاحب".
وهن: "أنا بخير، أظنُ أني مُتعبةٌ قليلاً".
ديسمبر: "أتحتاجينَ إلى طبيب؟".
وهن: "لالا أنا بخير، فقط أحتاجُ إلى الراحة".
نظرإلى الكوبِ في يده.
ديسمبر: "سمعتُ أن هذا من صُنعك!".
وهن: "أجل".
ديسمبر: "إنهُ لذيذ".
وهن مُبتسِمة: "أشكرك".
ديسمبر بإبتسامة: "الشكرُ لكِ فقد أنقذتي نهايةَ يومي من القهوة بالحليب".
وهن: "أتعجبُ من طلبِكَ الثابت، على المرءِ التغيير من حينٍ لآخر.. (صمتتُ لحظةً أتداركُ نفسي) آسفة".
ديسمبر يضحك: "لا بأس، عبرتي عن رأيك".
وهن: "وصلنا إلى منعطفِ منزلي".
مرتِ الأيامُ هكذا وديسمبر يتمشى معي كُلَ يومٍ ونتحدث،
بعد أسبوعين.
كُنتُ في المقهى مع ألين، نتحدث ونضحك،
ألين: "نينا".
وهن: "نعم".
ألين: "أرى أن علاقتكِ بـ زان توطدت".
وهن: " ماذا تقصدين؟".
ألين: " هيا، لقد رأيتُكُما".
وهن تضحك: " لالا لقد فهمتي الأمرَ بشكلٍ خاطئ، كُلُ الحكاية أن طريقنا واحد".
ألين بتعجُب: "حقاً؟".
وهن: "أجل هذا كُلُ الأمر، ثُمَ من أينَ تعرفينَ زان؟".
قاطعنا سمير يقولُ أن طلب يُنادي ألين، خرجنا الأثنان هيَ ذهبت إلى مكتب طلب وأنا خرجتُ من المقهى أستنشِقُ الهواء، فإذا بالشابِ الأحمقِ الذي كان يُضايقُني وأنا في طريقي إلى المقهى دائماً، كان واقفاً قربَ المقهى مع أصدقائِه، نظرَ لي وإبتسمَ ثم أخذَ يُنادي، تجاهلتهُ دخلتُ إلى المقهى، دخلَ هو وأصدقائُه المقهى جلسوا وأخذوا يُنادونَ الندل، لم يكن غيري شاغلاً فسمير في الكاشير، و ألين ذهبت لطلب، و الباقون لم يأتوا بعد فقد إنتهى الدوام النهاري، وبدأ المسائي.
ذهبتُ وأخذتُ طلبهم، كانوا مزعجينَ يصيحونَ عالياً ويضحكون، جلبتُ لهم طلبهم وبدأتُ أنقُلُ الاكوابَ والأصحُن من الصينية في يدي إلى الطاولة، فجاءة أمسكَ الشابُ يدي، وقال: "أما من طلبٍ خاصٍ لزبونٍ خاص؟".
أفلتت يدي منه ووضعتُ الصينيةَ كُلها ف المنضدة وذهبت، وقفَ و أمسكَ ذراعي ولفتني دافِعاً إياي بقوةٍ حتى وقعت، قائِلاً: "ألا تسمعين؟ أنا أتكلمُ معك".
وقفتُ ومضيتُ في طريقي، أمسكَ ربطةَ شعري ورماها قائلاً: "أسدلي هذا الشعرَ أُحبُهُ هكذا".
إلتفتُ عليه وصفعتهُ في وجهه ثُمَ قُلت: "إلتزم حدودك".
رفعَ يدهُ يريدُ ردَ الصفعة فإذا بالسيد طلب يقفُ في وجهه، قائلاً: "إياكَ أن ترفعَ يدكَ على إمرأة، هذا مقهى مُحترم إما أن تبقوا هادئين أو تخرجوا، وأنا أطلبُ منكم بِكُلِ إحترام أن تخرجوا من مقهاي".
الشاب: "من أنتَ حتى تُخرجنا؟".
أحد الشباب مُخاطباً للشاب صديقهم: "مازن يستحسن أن نذهب فهذا طلب".
خرجَ الشباب من المقهى، كُنتُ أرتجف ويدي تُؤلمني من يدِ الشاب حتى أنها تركت أثراً، أمسكتني ألين وأخذتني إلى المقعد لأجلس، جلبت لي ماءً، سألتني "من هذا"،
فُتِحَ بابُ المقهى ودخل زان، فأجبتُها: "هذا الشابُ الذي أخبرتُكِ عنه، فقد إعتادَ مُضايقتي وكُنتُ أتجاهله".
ألين: "لا بأس إهدئي فقد ذهب".
نهضتُ وإتجهتُ إلى عملي، أخذتُ الطلبَ إلى زان، نظرَ مُدةً إلى الأثر في ذراعي، وضعتُ الطلبَ في منضدتهِ وذهبت،
في نهايةِ اليوم أغلقتُ المقهى أنا وألين وخرجنا سويةً، لم يكن زان في المكان الذي إعتادَ إنتظاري فيه، لا أنكر أنني أُحبِطت ولكن لا بأس، ودعتني ألين ومضت، مضيتُ في طريقي، أمشي وأنظرُ في الأرض، كان الوقتُ مُتأخراً ودخلتُ في شارِعٍ مُظلم لأختصرَ المسافة، ولكني سُرعانَ ما ندمتُ ودبَ الخوفُ في قلبي، أسمعُ نُباحَ الكلاب، وحركةَ القطط قُربَ النفايات، كان هُناكَ أضواءُ بُرتقاليةٌ خافتة ولكن لا يزالُ المكانُ مُخيفاً، سمعتُ صوتَ خُطواتٍ قُربي، قلبي كان في يدي وكُنتُ أمشي أُحاوِلُ أن أُسرع ولكنَ الخطوات إختفت، فإذا بـ زان يقولُ بِكُلِ بُرودٍ العالم ويداهُ في جيبه: "بو".
صرختُ ووضعتُ يدي في وجهي وجلستُ في الأرض.
أخذ يضحك ضحكة صغيرة هكذا كان ضحكه، أُظنُ أن كل ما في حياتهِ كان جديّاً.
قُلتُ له: "يا إلهي، لقد قطعت قلبي".
زان: "أنا آسف ولكنكِ بدوتِ مُضحكة".
وهن: "سيعاقِبُكَ الله على هذا فقد أخفتَ ضعيفاً حتى أن سقط قلبي أرضاً".
أكملَ ضحكه ثُم قال: "ما هذا في يدك؟".
وهن: "لا شيءَ مُهم، فقط شاب كان يُضايقُني (قلتُ بفخرٍ) ولكني أدبتُه".
زان بإبتسامة: "حقاً وماذا فعلتي".
وهن: "صفعته بقوة، أظنُ أنَ يدي تركت أثراً على يده، لأنها تُؤلمني الآن".
زان: "أريني".
وهن: "هاه!!".
أمسك يدي ونظرَ له، شعرتُ بالخجل أظنُ أنَ وجهي إحمَّرَ كالبندورا، كُنتُ أنظُرُ له مُتعجبةً وخجولةً في ذاتِ الوقت، تركَ يدي وقال: "ضعيها في الماءِ الباردِ مُدة".
وهن: "سأنعطِفُ من هُنا".
زان: "ولكن هذا ليس مُنعطفكِ المُعتاد".
وهن: "أعلم ولكن هُنا أقرب".
زان: "حسناً هل يُمكنني.."
قاطعتهُ قائلةً : " لالا منزلي قريب من هُنا".
إبتسمَ ثُمَ قال: "حسناً فلترافقكِ السلامة".
عدتُ إلى المنزل.
أنت تقرأ
ديسمبر الظالم | Unjust December
Randomكما المُعتاد مرحباً انا وهن ، فتاة ذات ثلاث وعشرون عاماً، تعيشُ في عالمِ ضيقٍ جداً، مُغلقٍ بزوايا حادة، لم تتخيل يوماً أن حياتها ستغدو نعيماً من بعدِ جحيم، ستغوصونَ معي في قصتي الغريبة، إذاً.. لنبدأ..