الباب الثاني (لكن ملامِحك تُثبت عكس ذلك)

2.4K 90 24
                                    

نهضت "حياء" من منامِها فزعًا مما رأتهُ، كابوسٌ جعل قطرات العرق تتصبب من جبهتِها، بدأت تأوهاتُها تتعالى حتى نهضت وجلست أعلى الفراش مُمسكةً رأسها برفق،
بدأت تبكي بهدوءٍ حتى قطعها دخول الطبيبة "هنا" وهي تتقدم نحوها على مهلٍ، فربتت على يديها ثم أردفت برفق:
_ أعلم أن الأمرَ صعبًا عليكِ، لكن كُل ذلك سينتهي قريبًا.
حاولت "حياء" أن تلتمس الاطمئنان من حديثها لكن دون جدوى، فأتاها صوت "هنا" ثانيًا وهي تقول:
_دعينا نتحدث قليلًا.
أومأت "حياء" وهي صامتة، لا تُريد التحدث قط، فدخل "نوح" وهو ينظر إليها ولمعالم وجهها ليُردف قائلًا:
_كيف حالك اليوم يا حياء؟
أشاحت "حياء" نظرها إليه وهتفت:
_بخير.
حمحمت "هنا" وقالت:
_ سأخرج وآتي بالفطور لكِ.
خرجت "هنا" وتركت "نوح" ينظر إلى "حياء" التي يبدو على ملامحها الإرهاق الشديد فأردف باطمئنان عليها:
_هل أنتِ بخير!
_هل ما أنا بهِ الآن يدل على الخير!

زفر "نوح" وقال:
_أعلم كُل ما تشعُرين بهِ، وما يؤكد ذلك أنني هُنا لِأُخرجك من تلكَ القضية يا حياء.
ابتسمت "حياء" بسخرية لتقول:
_الآن أنا داخل مستشفى للأمراض العقلية وتُتابعني طبيبة لأنها تظُن أنني مجنونة، وأنتَ هُنا لأنني أيضًا مُوجه إليَّ تُهمة قتل شقيقي، يا لها من أضحُوكة!
_أعلم إنكِ تشعُرين بالإنكسار كونك نجمة ساطعة وتم اتهامك بجريمة قتل والجنون، لكن ليست جميع الأيام تبتسم لكِ وتُطيع أوامرك، ولن تتلبى رغباتكِ بطاعة دائمًا، يجب أن يأتِ يوم وتقعي في الوحل، والحل أن تنهضي مرةً أُخرى ليسَ الاستسلام!
فقط أُريدك أن تُساعدينا لنُخرجك من كل ذلك.
_حسنًا يا نوح، كيف سَأُساعدك؟
_أُريدك أن تقُصِي عليَّ ما حدث يوم الثُلاثاء الموافق بتاريخ العاشر من فبراير الساعة الثامنة مساءً.

حاولت "حياء" تذكُّر ذلك اليوم، يوم ذكرى وفاة شقيقها "يوسف" المقتول، حاولت مرةً واثنين تذكر تلكَ الساعة بالكامل، لكن خانها عقلها، لتشعر بالتشتت الشديد، أمسكت رأسها وهي تحاول أن تُجمع كل ما حدث، لكنها فشلت، لتقول:
_لا أتذكر ما حدث تلكَ الساعة، قد أنهيتُ حفلة غناء في الساعة الخامسةُ مساءً وخرجنا أنا وأرسلان لنجلس في مطعم "كازوني الشطبي" ورحلنا على السابعةِ مساءً، خلدتُ إلى النوم ولا أتذكر أي شيء سِوىٰ إنني أحمل السكين ويوسف غارقٌ في دمائهِ أمامي.
كان "نوح" يكتب كُل ما تتفوه بهِ "حياء" وهو يصوب أنظارهِ على معالم وجهها ويُدقق على كُل حركاتها، فسأل مُتعجبًا:
_من أرسلان؟
صمتت "حياء" لثواني وهي تُحدث نفسها: "من هو أرسلان!" كانت عاجزة عن الرد ولكنها أخرجت أنفاسها بهدوء وأردفت:
_مَن أُهرول لهُ من العالم ليكون هو عالمي.
_أُريد أن أعرف أكثر عن علاقتك بهِ.

بدأت تقُص عليه علاقتها بـ "أرسلان":
_بعد وفاة أمي وأبي كان هو رفيق دربي، أتىٰ فجأةً من اللا وجود ليكون كُل الوجود، تعلمت معهُ معنى أن يُحب المرء، تذوقت الحنان الذي أفتقدهُ وسلبته مني الحياة، هذه علاقتي بـ أرسلان.
اندهش " نوح" قليلًا، كيفَ يكون بينهما تلكَ المشاعر ولم يأتِ ليطمئن عليها، لم يتناقش معها في ذلك الموضوع لكنه نهض مع دخول الطبيبة "هنا" ليقول:
_الآن يجب أن تأكُلي ولا تقلقي يا حياء سَنجد حلًا.
ذهب إلى مكتب "هنا" التي وضعت الطعام أمام "حياء" وذهبت إلى "نوح" التي قال عقب دخولها:
_هُناك شيء غريب يا هنا، كيف أن تكون حياء تُحب أرسلان ولما يأتِ مرةً!
_لا أعلم يا نوح، لكن يمكنك أن تحاول العثور عليه، لم يكن هُناك شخصًا مُقربًا من حياء حتى يوسف لم يكن مُقرب لها، لكن أرسلان سَيُفيد القضية، يجب العثور عليه.
سألها "نوح":
_لماذا وجوده سَيُفيد القضية؟
_لأن حياء مريضة انفصام، وبالتأكيد هو كان يعلم ذلك، لمَ لم يذهب بها لعيادة طبيب ويحاول أن يُعالجها؟ أعراض الأنفصام واضحة على حياء، وهي: الشك، الارتباك، التوتر الزائد، عدم الثقة، الرهبة والخوف، حياء تخشى الصوت العالي يا نوح، كُل ذلك لن يعلمهُ سِوىٰ شخصٌ مُقرب منها.
_ولماذا لم يكتشف يوسف ذلك! هو يعيشُ معها في منزلٍ واحدٍ، لا يفصل بينهما سِوىٰ غرفة!
_لأن يوسف كان يتعاطىٰ المُخدرات، هل سيشغل عقلهِ بحياء التي تُنفق نُقُودها عليه؟! بالطبع لا، وإن لاحظ ذلك فلن يفعل شيء.
أخذ "نوح" يُفكر في حديث "هنا" هيَ حقًا مُحقة، تأفف عِدّة مرات من تلكَ القضية المُعقدة لتقول "هنا" فجأة:
_هُناك زائِر لحياء.
سأل مُتعجبًا:
_من!
_رفيقةٌ لها تُدعى عنود، هيَ تنتظرني في الخارج لِأُدخلها إليّها.
_دعيها تأتي هُنا أولًا.
أومأت "هنا" لتخرج وتأتي بها إلى نوح الذي ظل ينظر إليها ويحاول تحليل شخصيتها بدقة، لتهتف هيَ مُتسائلة:
_متىٰ سأدخل إلى حياء؟ 
أردف "نوح" وهو يبتسم:
_بعد قليل، لكن هل يُمكنُني أن أطرح عليكِ سؤال!
_بالتأكيد.
_أين أرسلان؟
صُدمت "عنود" مِن سؤالهِ وبدأ التوتر يظهر على معالم وجهها لتقول برفق محاولةً أن تُخفي توتُرِها:
_في عمود السواري.
قال نوح مُتعجب:
_هل تمزحين معي!
حاولت "عنود" أن تستعيد شتات خُلدها لتُردف:
_لا، لا أمزح معك، قد توفى أرسلان من عامين ودُفن في مقابر عمود السواري.
اندهش "نوح" و"هنا" التي قالت مُسرعة:
_كيفَ وكان هُناك لقاء بينه وبين حياء يوم مقتل يوسف!
ابتسمت "عنود" لتهتف:
_أنتم الذين تمزحون معي حقًا، كيف سَـ يتم لقاء شخصٌ ميت مع شخصٌ على قيد الحياء!
قال "نوح" وتزال علامات الإندهاش ساكنة في ملامحهِ:
_لكن حياء قالت كذلك.
_حياء مريضة، وأنا كُنت أعلم ذلك، بعد وفاة أرسلان وهي لا تصدق أنه حقًا قد مات، رسمت في عقلها أرسلان جديد لم يمُت، خيالُها المريض هيئ لها ذلك.
كانت تلكَ كلمات "عنود" التي نزلت على مسمع الاثنين بصدمة، حقًا حياء مريضة إلى هذا الحد! لكن سألتها "هنا" بتعجب:
_ولماذا لم تذهبِي بها إلى طبيبٍ لتُعالجِيها؟
"عنود":
_قد فشلتُ في ذلك، حاولت عدة مرات لكن كانت نهايتها الفشل وعدم قُبول الحقيقة، لذلك لم أحاول مرةً ثانية.
نهضت وهي تحمل حقيبتها وقالت:
_والآن عليَّ الرحيل وسآتي إلى حياء مرةً أُخرى.
سمح "نوح" لها بالخروج وجلسَ يُفكر ويهتف داخل رأسهِ:
_كُل الدلائل تقول إنكِ القاتلة، لكن ملامحك تُثبت عكس ذلك، كيف ليداكِ أن تحمل سكينًا وتقتل؟ يا اللّٰه لا أُريد أن أظلمها، وأيضًا لا أُريد الردم على الحقيقة.
نهض وهو يقول:
_سأذهب إلى حياء.

خرج إلى غرفة "حياء" بينما "عنود" تسير في شوارع الأسكندرية وهي تتحدث في الهاتف قائلة:
_لا لم أرها، سيطر التوتر عليَّ، يبدو أن هذا الضابط خبيثًا، قد سألني عن أرسلان.
قال الطرف الآخر من المُكالمة:
_وماذا قُلتِ؟
_قُلت أن أرسلان توفى منذ عامين وأن حياء مريضة حقًا.

يتبع..

إلى هُنا ونكون انتهينا من سرد البعض من القصة، والآن سَأُودعكُم وداعًا مؤقتًا حتى نلتقي مرةً ثانية لنُكمل قضية قُبُلات عارية.

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Oct 10 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

قُبُلات عارية. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن