الرجل المبتسم

17 5 0
                                    

مرت سنوات طويلة منذ ذلك الحادث..

على نفس الكرسي اجلس اراقب نفس الاطفال الذين يلعبون في الارجاء ،كانت ابنتي واحدة منهم فيما سبق.
أشعر بالحزن كلما اتذكر اني لن أستطيع رؤيتها مجددا..لا هي و لا ساتولين.
تلك الكرة اقتربت و اصطدمت بقدمي ،اقترب مني طفل في السابعة او ربما الثامنة لا اعلم...لكنه قصير ...هو طفل في النهاية.

"يا عم ايمكن ان تبعد قدمك"

انتبهت اسفلا...كانت قدماي لااراديا تريد أن الاحتفاظ بها،تركته ياخذ لعبته و يغادر.

النساء من خلفي لا يزلن يثرثرن و النميمة لا تفارق افواههن.

هذه المرة كان الموضوع حولي ، انا هدف جيد للسخرية.

"استبقى جالسا هنا لمدة اطول...اليس لديك عمل تقوم به؟"

قهقهت ،سخرت من السؤال الذي لا حاجة لاجابته طالما أنه واضح...لم انظر للسائل لكنه يأتي كل مرة ليسألني نفس الشيء كل يوم.
"دعني انا اسالك هذه المرة...الى متى تخطط تكرار سؤالك؟...فأنا لن اجيبك"

هذه المرة هو من اطلق ضحكة..ضحكة صفراء مزعجة ،لا اعلم لما لا احد اندهش من فضاعتها ،بدت كصوت اختناق ضفدع.

"اتريد سجارة ؟"سالني

"انا لست مدخنا" اجبته.

"يمكنك تغيير ذلك"

صمت..تركته يتحدث بهراءه ككل مرة،سيتعب ثم يرحل و انا اعود لتأملي.

"ما الذي تخافه جورج ؟" نظرت نحوه...لاول مرة ارى وجهه او اي ما كان ذاك...سقطت خوفا على الارض...ابتعدت ادراجي شيئا فشيئا حتى اصطدمت بنفس الطفل.
"ما الذي تفعله يا عم؟"
"الا تراه ؟!"
كان الجميع هادئا...و كاني الوحيد الذي اراه ،اخذ يقترب مني و انا اتمسك بالفتى ،والدته صرخت و نادتني بالمنحرف،الرجال بدؤوا بضربي...لكن اعيني لم تزغ عنه..ترفض ذلك ،كان ذلك الظلام المشوه يلتهمني كانه ثقب اسود...حتى بدأت افقد القدرة على فتح عيناي.

....

فتحت عيناي ،كل شيء ابيض عكسه...اصوات ضجيج في الخارج...دلو به قيء مقزز..مسحت فمي فتبين لي أنه لي..

"ما الذي اوصلني لهنا...؟"
"ما الذي اوصلني لهذه الحالة"
بدات بالبكاء ،و اشتد علي الالم في بطني لكني استمررت.
وسط تصفيقه و كاني احقق انجازا بكشفي لضعفي امامه.
كان جالسا على الكرسي المقابل للباب..اتسعت ابتسامته الصفراء...كل سواد العالم فيه.
"اتريد سجارة يا جورج ؟" كرر سؤاله السابق

"قلت اني لا أريد"

"هل اقلعت بسببهما؟" سالني و ابتسامته تزداد اكثر.

"و من انت كي تقول هذا؟!"

"لكن التدخين ليس ما قتلهما...كان حبك لعالمي.."
"اي عالم ؟"
"العالم الذي اخذتك اليه تلك الحبوب "

"و اقلعت عنها..."اجبته بانفعال

  اختفت ابتسامته فجأة..

"اسئمت من عالمي ؟"

اشتد توتري..بدأت الرعشة تتملكني،فقدت القدرة على التحكم بجسدي.

"انت خائن يا جورج...لكنك لم تخني ،لا احد يفعل..."

"اخرج من رأسي!"

"انت خنتهما فقط..انت اخترتني"

"لا لم افعل!!"

"بلى..فعلت و انا بدوري استقبلك بين ذراعاي...اخذك لعالمك الجميل و لن تخرج منه مجددا "

"كل ما اردته فرصة ثانية"

"لدي صديق يعلمك السحر...ربما لتعيدهما "
"حقا!".. سالت و كل امل.
ابتسامته شقت وجهه ،حتى كدت ارى ما يوجد داخله.

"كنت اعلم انك لن تتوب..انت تغرق اكثر فاكثر جورج "
"لا..لم اقصد ..انا..حقا نادم،اريد فرصة معهما!"
"اذا لما الاقراص موجودة معك الان"
نظرت لحجري فإذا بها موجودة.
"اهذه احد حيلك ؟" سالت بدموع متالمة حارقة.
"نحن لا نستعمل الحيل...نحن نخرج ما في نفسك جورج..نحن نوقظ الحيوان الذي يقبع داخلك"

"انت اناني ، افكرت فيهم و لو لحظة؟"

"انت طمعت في امراة بالكمال الذي تبحث عنه ،لكنك لم تبذل جهدا لتكون الرجل المناسب لها"

"انت تجاهلت احتياجات ابنتك و زوجتك فقط لتدفع ثمن مهلوساتك"

"انت تخليت عن كل شيء من اجلي و انا لا انسى المعروف...لذا سارده لك يا جورج و ساخلصك من عذابك "

بمخالبه و اسنانه الصفراء هجم على جسدي الذي لا يقوى على الحراك ،اردت المقاومة لكنه كان أقوى..شعرت بجسدي ينهش و يقطع..اعضائي كلها تخرج من داخلي و هو يبتسم ابتسامته الصفراء ،لونها دمي..

دقائق حتى فتحت عيناي ببطء،اصوات اكتظاظ في المكان..لم يكن هنا انما رجال بملابس تشبه الاطباء،صوت جهاز قياس دقات القلب كان مزعجا...

سمعتهم يقولون مثل هذا الكلام...سنفقد المريض اسرعوا..قلبه بدأ يفقد حيويته..
استوعبت ما يجري،ابتسمت ابتسامتي الاخيرة و الدموع في عيني،هم لم يروه لكني رايته...كان يبتسم ابتسامته الصفراء التي لن انساها ما تبقى من حياتي..التي كانت بمقدار ثانيتين...

اعتذر لك ساتولين ،اعتذر عزيزتي كاثرين..اعتذر لنفسي لاني قتلتها بيدي.

هذا ما كتب على  يده...كانت جراحا غريبة لكنها ارتسخت في جسده المتعفن.

قصص قصيرة متنوعةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن