الفصل 01: رحلة إلى الأرجنتين

175 18 11
                                    

إنّها الساعة الخامسة مساءً وقد أنهيت دراستي في الجامعة و أنا متوجه لشقتي كالعادة فلا مكان آخر لأقصده مع أن دائرة معارفي محدودة جدا فلا أحب مخالطة العديد من الناس
تذكرت، لقد قمت بحجز تذكرة لرحلة على متن الباخرة من مدينة لندن التي أعيش فيها إلى مدينة بوينس آيرس في الأرجنتين وستنطلق السفينة بعد ثلاثة أيام، لا أعلم لماذا اخترت الارجنتين بالضبط لكني أريد تجربة شيئ مختلف فلم أكد أخرج من لندن طيلة حياتي و أعتقد بأني أحتاج إلى بعض التغيير و المغامرة، وربما السبب الحقيقي لرحلتي هذه هو الإبتعاد عن اوروبا كليا فقد بدأت الحرب بسبب تحركات ألمانيا ولا أريد أن يتكرر ماحدث في الحرب العالمية السابقة، بالمناسبة لقد كانت الموظفة التي حجزت لي التذكرة باهرة الجمال، يوجد العديد من النساء الفاتنات اللاتي التقيتهنّ في أوقات سابقة
لكني لا أعلم لماذا لا أريد مواعدة أيّة فتاة رغم أن عمري الآن25 سنة وأراه عمرا مناسبا للزواج.
وصلت أخيرا لشقتي و إذا بأحدٍ يناديني، اِلتفت خلفي و اذا به سعيد أحد جيراني
-قال"أهلا يا فرانك، أرى أنك لازلت تذهب للجامعة رغم أنك ذاهب في رحلة طويلة"
-أجبته"نعم، فلم أجد ما أقضي وقتي به"
-تنهد قليلا ثم قال"أتدري ماذا، لقد حجزت رحلة للأرجنتين مثلك فقد أمضيت وقتا كبيرا أدخر المال لمغامرة ما وبعدما سمعت عن رحلتك قررت أن أذهب معك، سنجول كل القارة الأمريكية الجنوبية أليس كذلك"
-قلت له"حسنا بعد ثلاثة أيام ستبدأ رحلتنا"
-قال"ثلاثة أيام؟ ألم تسمع بأنهم قاموا بتقديم موعد الرحلة، ستبحر الباخرة غدا على الساعة 12 ظهرًا"
-رددت قائلا"اوه حسنا، من الجيد أن ليس لي متاعا كثيرا أتعب في تجهيزه، وداعا سعيد نلتقي غدا"
افترقنا عندها و لم أتفاجأ كثيرا بخبر تقديم موعد الرحلة
دخلت إلى شقتي و شرعت في ترتيب حقائبي و نظفت شقتي و رتبتها وبعد أن تناولت العشاء خلدت للنوم
استيقظت في اليوم الموالي و أخذت متاعي و قصدت الميناء، لم يكن بعيدا بمسافة طويلة إلا أنني فضلت أن أذهب في عربة، وصلت للميناء وكان صاخبا بعض الشيئ
سألت أحد العاملين عن سفينة تدعى أتلانتيك فأشار بيده إليها، كانت السفينة التي سأبحر عليها، وقد كانت سفينةً ضخمة و تصميمها كان مبهرا
وصلت عند جسر صغير يربط بين السفينة و أرض الميناء و أعطيت التذكرة للعامل الذي قابلني مُرَحِّبا بي
دخلت للسفينة وكانت كبيرة جدا و فاخرة
الغرفة رقم 21 كانت غرفتي، وكنت قد حجزت تذكرة من الفئة المتوسطة رغم أني أملك المال الكافي لشراء تذكرة من الفئة عالية السعر حيث لم أكن أحب الظهور على أنني ثريّ.
فقد ورثت منذ زمن بعيد عن والداي أموالا طائلة لكن لم ألتقيهما منذ أن كنت طفلا صغيرا فقد توفيا بسبب قصف ألماني على مدينتنا في بلجيكا سنة 1915 كان عمري حينها سنة واحدة، نعم لقد كنت أعيش ببلجيكا لكن تم العثور عليّ حيًّا تحت الأنقاض بسبب القصف وقد نجوت بأعجوبة
ثم تم ترحيلي مع اللاجئين إلى بريطانيا و قد عشت تحت رعاية الجمعيات التي كانت مهمتها مساعدة اللاجئين، و بعد زمن من الحادثة علمت أني قد ورثت عن والداي أموالا كثيرة كانت بحوزتهم فقد كان والدي رجلا فاحش الثراء.
مع ذلك أحب الحياة البسيطة، فشقة في أحد الشوارع البسيطة في لندن كانت كافية لي للعيش في راحة لكن الآن أريد بعض الاكتشاف و المغامرة.
وضعت أمتعتي في غرفتي ثم خرجت قاصدا سطح السفينة لأتجول به قليلا وما إن سِرْتُ في الممر الذي بجانب غرفتي حتى سمعت شخصان يسخران من شخص آخر على لهجته الإنجليزية الركيكة، نظرت إليهم و إذا به سعيد جار سكني، فقد كان يعيش بالعراق و لم يتعود على نطق الإنجليزية منذ صغره
لم يكن في موقف يحتاج أن أساعده بشدة لذلك تركته و قمت بإكمال سَيْري، لكن لحظة كيف لسعيد الذي كان يقع في عثرات مالية كثيرة وعليه الكثير من الديون أن يتمكن من شراء تذكرة من الفئة المتوسطة، يبدو أنه ادخر المال لفترة طويلة و صعبة، يالصبره!
صعدت لسطح السفينة وجلست في أحد المقاعد أفكر لفترة، كان يراودني شعور بأنني لن أعود إلى لندن مجددا
كان الجو معتدلا و الشمس تتوسط السماء مع بعض الغيوم التي زادت السماء الزرقاء بهاءً، وكان يبدو يوما رائعا لانطلاق الرحلة فلم تكن هناك رياح قوية أبدا
و بعد زمن قليل، صعد كل الركاب إلى السفينة و قد قاربت الساعة 12 على الوصول
عندها بدأت التجهيزات للإقلاع و بدأ طاقم السفينة بالعمل و بعد لحظات تم رفع المرساة و علا صوت صفير الباخرة في كل الأرجاء، بدأت أحس بالسفينة تتحرك رويدا رويدا و سرعتها تزداد بانتظام
تجمع كل من بالسفينة إلى الجانب الأيسر منها المطلّ على الميناء وكانو يودعون أقاربهم و أصبح المكان صاخبا جدا بأصواتهم لكن سرعان ما بدأت السفينة بالإبتعاد و بدأت صورة البرّ تتقلص أمام أعيننا و أخيرا عاد الهدوء إلى السفينة و انتشر كل من بها في أرجائها و بدؤوا بالتجوال بها
إنه اليوم السابع من شهر أكتوبر عام 1939 و في تمام الساعة 12 ظهرا، انطلقت سفينة أتلانتيك من ميناء لندن قاصدةً مدينة بوينس آيرس في الأرجنتين ويبدو أن أمامها مسافة طويلة و ستمضي في ذلك وقتا طويلا.

أركادياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن