إنّه اليوم الثالث منذ انطلاق رحلتنا الاستكشافية، و قد عدت مع أوليفيا إلى البحيرة المكان الذي جعلناه نقطة تجمعنا مع جورج و مارتن
لم يحدث الكثير خلال طريق عودتنا إلى هنا لكن كثرة الحشرات في الغابة قد أزعجتني بالفعل.
بعض الغيوم التي بدأت تتجمع في السماء و زيادة سرعة الرياح لم تكن إلا نبأ لقدوم عاصفة، كنت جالسا على مرتفعٍ مقابلٍ لمساحة خضراء كبيرة بجانب البحيرة، أشاهد أوليفيا وهي تركض وكأنها طفل صغير فوق البساط الأخضر و بينما هي كذلك تعثرت فسقطت على قدمها، أسرعت إليها لكن لم تكن إصابتها بالشيئ الخطير فقلت لها"ليس عليكِ أن ترهقي نفسك، طريق عودتنا لا يزال طويلا"
عندها لمحت شخصان قادمان من جهة الغابة، إنهما جورج و مارتن، لقد وصلا أخيرا
لكن لحظة، لا يبدوان على طبيعتهما أبدا، كان جورج ممسكا بيده و تعتلي ملامح الخوف و القلق وجهه وكذلك مارتن
وصل إليّ جورج ثم قال"أنت طبيب يا فرانك،صحيح؟"
-أجبته"لازلتُ طالب طب ولم أتخرج لكنّ لي خبرة في هذا المجال"
-قال"هذا جيد، تفقد ما بال يدي فإني لا أكاد أشعر بها، استيقظت صباح اليوم على وجع شديد في يدي لم أعرف مصدره"
جلس على الأرض و رحت أتفحص يده حتى لمحت ثغرتين صغيرتين على جانب يده و بعد ذلك اكتشفت أنه على طول يده يوجد انتشار للسم
الاستنتاج الذي وصلت له كان مرعبا ولم أعرف كيف أطرحه على جورج لكنني تشجعت وقلت له"لقد تم لدغك من قِبل أفعى سامّة و قد انتشر السمّ على طول يدك، يمكنني أن أحضّر مضادا للسم من الأعشاب و النباتات على الجزيرة لكن ذلك سيستغرق وقتا، سيكون عندها قد انتشر السمّ في أنحاء جسدك ومصيرك الموت"
-قال بخوف شديد"وما الحل إذًا!"
-قلت له"يجب أن تُبتر ذراعك"
صُعِق الجميع بما سمعوا ثم أردفت قائلا "أنا آسف يا جورج لكنها الطريقة الوحيدة التي يمكن إنقاذك بها"
شحُبَ وجهه أكثر ثم قال"حسنا أنا موافق"
أمرت أوليفيا بالإبتعاد لأن المشهد لن يكون جميلا أبدا
و أخبرت مارتن أن يساعدني.
كان جورج يعلم مدى الألم الناتج عن هذا الأمر لكن له شخصية قوية،فلم يتردد أبدا في ذلك.
قمنا بربط الحبل بشدة على كتف جورج لمنع سريان الدم
و أحضر مارتن سكينًا كبيرا و لحسن الحظ كان حادًّا
-قال جورج صارِخا"فلتفعل ذلك بسرعة"
بصراحة لم أستطع فعل ذلك فتركت الأمر لمارتن بينما قمت بشد الحبل على كتفه و الحرص على ربطه جيدا
وضّحت لمارتن المكان الذي يقطع منه وكانت ستبدأ عمليتنا.
أغمض جورج عينيه وأمسكت به جيّدا، رفع مارتن يديه حاملا السكين وقام بضرب المنطقة المحددة على ذراع جورج لكنها لم تكن كافية لقطع ذراعه، بدأ جورج يصيح من الوجع و يتخبط على الأرض ثم صاح مارتن عليّ"أمسك به جيدا يا فرانك"
قمت بذلك و بدأ بالمحاولة مرات عديدة حتى قُطِعت يده أخيرا.
صرخات جورج دوّت في السماء عاليا حتى ظننت أن حلقه سينفرج، انسكب الدم في كل الأرجاء وكان علينا تضميد الجرح.
قمت بربط قطعة قماش نقية بعد غسلها على يده حتى يتوقف النزيف، كان يستند عليّ و يقول في كل مرة"أنا لن أموت أليس كذلك؟ يمكنني أن أرى فايوليت مرة أخرى"
أشفقت على حاله فعلا، كان يجب علينا العودة إلى خيمتنا لذلك قمنا بمساعدة جورج على المشي و قصدنا منزلنا، كانت أوليفيا تبكي طول الوقت فقد أحزنها ما رأت.
شققنا طريقنا في الغابة و لحسن الحظ كنا قد تركنا علامات على طول طريقنا سابقا، ساعدنا ذلك كثيرا كيلا نتوه عن وجهتنا.
بعد طريق طويل و صعب وصلنا أخيرا إلى الشاطئ لكن ماكان بانتظارنا لم يتوقعه أحد
نظرنا إلى الخيمة ووجدنا أنها مخربة بالكامل و لم يكن بداخلها لا سعيد ولا فايوليت، جاء في ذهني للمرة الأولى أن حيوانات مفترسة قد هجمت على المكان لكن الآثار المخلفة لم تكن آثار حيوانات أبدا، بعد تفتيش في المكان وجدت أنّ صناديق الأكل و العتاد قد اختفت أيضا
توالت عدة أفكار عليّ ولم أجد جوابا لما حدث، حتى تذكرت شيئا مهما و ربطته مع الحادث.
التفت إلى من كانوا معي وقلت"عند صعودي إلى الجبل مع أوليفيا لمحت على الجانب الآخر من الجزيرة منزلا وسط الأشجار بدا لي أنه من صنع البشر، كذّبت عيناي حينها لكن ما أراه الآن يجعل ذلك ممكنا.
-قال مارتن"كيف يمكن لبشريّ أن يتواجد في هذا المكان المعزول في المحيط الأطلسي"
-قلت"لا أعلم، ليس قبل أن نتفقد الأمر"
كان حالنا يزداد سوءا، ولو كنت مكان جورج لجُنِنت حقا.
أضرمنا النار على الشاطئ و جلسنا بجانبها نأكل ما جلبناه من ثمار من الغابة، كان علينا أن نرتاح جيدا.
لم تُسرق الأغطية من الخيمة لذلك كان بإمكاننا النوم عليها هذه الليلة.
رغم حالة جورج المزرية إلا أن حِسّه في اكتشاف تقلبات الطقس لا تزال قائمة، فقد عرف أنه في حلول الغد ستكون هناك عاصفة قوية جدا وعلينا أن نغيّر مكان سكننا.
فكرت قليلا ثم قلت"اكتشفنا في رحلتنا أيضا أحد الكهوف، كان واسعا و يبدو جيدا للسكن"
-قال جورج"و أين يقع"
-أجبته قائلا"ليس بعيدا عن البحيرة الكبيرة"
-قال"حسنا سننتقل إليه غدا، ومن بعدها سنبحث في أمر اختفاء فايوليت و سعيد"
حلّ الليل و تجمعنا في الخيمة بعد أن أصلحناها لكنني لم أستطع النوم أبدا و بقيت مستيقظا طول الليل و يبدو أن الجميع كذلك مثلي
طلعت الشمس لكنّ ضوءها كان ضعيفا بسبب كثرة الغيوم في السماء كما أن الرياح بدأت تصبح أقوى أكثر فأكثر.
جمعنا متاعنا و قصدنا ذلك الكهف الذي وجدته في رحلتنا السابقة، مشينا على طول الغابة و مررنا بالبحيرة الكبيرة و اخترقنا مجموعة كبيرة من الأشجار حتى وصلنا إلى المكان.
كان مكانًا هادئا محوّطا بعدد من الأشجار و النباتات
و للكهف واجهة كبيرة بارزة أمامنا، دخلنا إليه وقد أعجب جورج و قررنا أن نجعله بيتنا الجديد.
قمنا بتنظيف المكان ووضعنا أمتعنا داخل الكهف، بعدها خرجت أنا و مارتن للبحث عما نقتاته من الغابة وكذا جمع بعض الأعشاب و النباتات المفيدة.
قمنا بجمع بعض العشب الذي يمكننا استعماله مكان الأسرّة لكي ننام عليها حيث يمكننا ترتيب العشب فوق طبقة من الرماد ويعمل ذلك كرادع للآفات، لأن الحشرات لا تستطيع الزحف عبر نسيجها الناعم، كما أنها تُجففها، وتمنع تنفسها.
كما أخبرني مارتن أنهم عثروا في رحلتهم على حقل لنبات القطن، سيكون ذلك مفيدا جدا، جمعنا كذلك بعض الخضر و الفواكه وعدنا إلى الكهف
كانت أوليفيا تعدّ لنا العشاء خارج الكهف بينما جورج كان جالسا بالداخل و يبدو غائسا في التفكير بعمق.
جلست بجانبه و قلت له"لا تحزن على فايوليت، سنستعيدها بالطبع"
-قال"يجب علينا أن نخطط جيدا لحركتنا القادمة، بالمناسبة أين رأيت ذلك المنزل بالضبط"
-قلت"كان وسط الغابة في الجانب الآخر من الجزيرة لكنني لم ألمح أيّ بشريّ بجانبه"
ردّ قائلا"يبدو أنهم استغلوا وقت خروجنا في رحلتنا حتى هجمو على الخيمة، إنهم يعرفون المكان جيدا، هم أبناء هذه الجزيرة حقا"
-قلت"نحن نملك البنادق و التي سنوجهها أمامهم و لن يكون لهم خيار سوى الخضوع لنا"
-قال"ليس عليك أن تتسرع في هذا أبدا، كما أخبرتك علينا التجهيز جيدا قبل التحرك"
و في هذه الأثناء بدأت الأمطار تسقط بغزارة و احتمينا داخل الكهف و لحسن الحظ كان واقيًا لنا من الرياح و الأمطار بشكل فعّال.
كما أننا علقنا قماشا على واجهة الكهف كي تَحُلّ محلّ باب للكهف، كما اعتمدنا على النار لإضاءة المكان.
جلس كل شخص إلى مكانه و صوت الرعد يضرب بقوة على آذاننا وكان تفكيري كله يصبو لإيجاد خطة للوصول إلى سعيد و فايوليت.
أنت تقرأ
أركاديا
Adventureانطلقت رحلة سفينة اتلانتيك في السابع من اكتوبر 1939 من مدينة لندن قاصِدةً مدينة بوينس آيرس في الأرجنتين لكنها تتعرض لحادثة غير متوقعة في طريقها تغير مجرى حياة ركابها و بالأخص السيد فرانك براون