استيقظتُ على صوت ضربٍ بالمطرقة مصدره خارج الخيمة، لم أجد جورج ومارتن بجانبي فعرفت أنهم في الخارج
رفعت ستار الخيمة حتى قابلني جورج يغرس أعمدة من الخشب حول الخيمة و يحاول ربطها ببعض الأحبال و يضع كل ما يسد الطريق بينها، يبدو أنه يحاول صنع سياج لحماية الخيمة.
-قلت له"صباح الخير، يبدو أنك باشرت بالعمل مبكرا"
-رد عليّ"مرحبا فرانك، نعم فلا وقت للخمول و الكسل أبدا في هذا الوقت"
-سألته"ألم ترَ مارتن؟ لم أجده في الخيمة"
-قال"لقد ذهب ليتجول قليلا في الغابة، لكنني حذرته من ألا يبتعد كثيرا، قد يتوه وسط الغابة كما أننا لا نعرف ما تخبئه لنا هذه الجزيرة"
-قلت"اوه حسنا، مالعمل الذي يتوجب عليّ فعله اليوم؟"
-أجاب"سنقوم برحلة استكشافية في الجزيرة و ربما ستدوم هذه الرحلة لأيام، لكننا لن نذهب جميعا طبعا
فابنتي فايوليت لا يمكنها التحرك كثيرا و إرهاق جسدها. ويجب أن يبقى معها شخص ما"
-قلت"سنذهب أنا و أنت فقط و سيبقى الجميع معها هنا"
عندها قاطعتني اوليفيا التي تسللت من خلفي و لم أشعر بها "سأذهب، لا أريد أن أبقى هنا، أريد أن أكتشف ما على الجزيرة فعلا"
-قلت"إذا سنذهب نحن الثلاثة ونترك سعيد و مارتن مع فايوليت ليعتنيا بها"
عندها تفقد جورج المكان من حوله وتأكد من عدم وجود مارتن بجانبنا وقال"لايمكنني أن أثق بمارتن أبدا، تصرفاته تثير ريبتي منذ أن التقيته كما أن فايوليت لا ترتاح له أبدا على عكس سعيد الذي لن أنسى أنه رسم الابتسامة على وجهها ليلة أمس، سيذهب مارتن معنا!"
-قلت"حسنا فليكن ذلك، سنبدأ بتحضير ما نحتاج ونبدأ رحلتنا بعد قليل، و سأوصّي سعيد بفايوليت خيرًا و لن يرد هذا الأمر أبدا، إنه صديقي وأكثر شخص أثق به"
بدأنا بجمع ما نحتاج من زادٍ وبعض الأدوات، قمنا بحشو البنادق التي كانت معنا خوفا من اعتراض طريقنا من قِبل أي كائن غريب، حرص جورج على أن يخبر سعيد بأن يهتم بابنته جيدا وطمأنه سعيد بفعل ذلك.
في هذه الأثناء وصل مارتن من جولته و كنّا سننطلق في رحلتنا، حضّر كلٌّ من جورج و أوليفيا نفسيهما و حتى مارتن، كانت رحلتنا ستدوم ربما لبعض الأيام لكن ماتركناه من ماء و طعام سيكفي سعيد و فايوليت بالطبع
قمت بحمل حقيبتي على ظهري وودعت سعيد و بدأنا رحلتنا في استكشاف الجزيرة.
كان الوقت ظهرًا حينها، والشمس الساطعة تتوسط السماء، بدأنا بالسير في الغابة وكانت تحتوي على أصناف من النباتات و الحشرات لم أرها في حياتي مسبقا
حتى النباتات التي تستعمل في الطب ولم أقرأ عنها سوى في الكتب كانت موجودة هناك
-قال جورج"بما أننا في منطقة استوائية فلن نجد مشكلا في نقص الطعام أبدا، ثمار الأشجار هذه تبدو شهية لكن احذروا فهناك ماهو سامٌّ منها"
صحيح من الجيد أني قرأت العديد من الكتب عن النباتات و يمكنني تفريق السامّة منها.
تابعنا سيرنا بين الأشجار و كنا قد قطعنا مسافة طويلة حتى سمعنا صوتًا غريبًا غير متقطع، إنه خرير الماء!
وجدنا وسط الغابة نهرًا يجري بماءه الصافي و العذب
اغتسلنا منه و شربنا و قد كان ماءً حُلوًا.
من المهم أن نجعل بيتنا قريبا من هذا النهر، فسيسهل علينا نقل الماء
كنا قد تركنا علامات على طول الطريق كَيلا نضلّ و نتوه
بدأنا بالسير بجانب النهر و نتبع جريانه حتى وجدنا أنه يصب في إحدى البحيرات.
لقد كان المكان باهر الجمال، و الماء العذب الذي يتدفق في البحيرة عبر شلال صغير زاد المكان روعةً وبهاءً
وكانت هناك مساحة خضراء كبيرة بجانب البحيرة جلسنا لنستريح فيها قليلا و نفكر في أي طريق سنسلكه.
و نحن جالسون نتمتع بجمال المنظر الذي أمامنا حتى قال جورج"لتسريع عملية استكشافنا سننقسم لمجموعتان، سأذهب أنا و مارتن لنكتشف الجزء الجنوبي من الجزيرة، أما أنت يا فرانك فسترافق أوليفيا و تتجهون نحو الجبل الذي يتوسط الجزيرة، عليكم بالإلتفاف حوله و سنلتقي في نفس هذا المكان بعد 3 أيام"
-قلت"3 أيام هذا وقت طويل ربما سنموت قبل أن نكمل رحلتنا"
-قال"ليس عليك أن تكون جبانا يا فرانك، أنت تعرف كيف تستعمل البندقية أليس كذلك"
-أجبت"نعم فلقد تعلمت ذلك أثناء الخدمة العسكرية"
قال"حسنا خذها معك ستحميكم من أي كائن غريب، تزودوا بالماء من هذه البحيرة أما الطعام فيمكنكم الأكل من الغابة لكن احذروا ماهو سام من الثمار، بهذه الطريقة سنكتشف نصف الجزيرة فقط، يمكننا استكشاف النصف الآخر في وقت لاحق فهذه الجزيرة كبيرة جدا"
افترقنا عندها و ذهب مارتن و جورج اتجاه الغابة أما أنا و أوليفيا كان علينا التوجه للجبل، بالطبع سأحميها بحياتي من أي خطر يواجهنا كما أنها لم تكن تبدو خائفة أبدا بل تقدمت بكل شجاعة في طريقنا.
كان قد بقي وقت قصير حتى يحل الليل، وكان علينا إيجاد مكان للنوم.
فكرت في أفضل مكان ووجدت أنه يمكننا النوم أعلى شجرة ما، فقد كانت فروع الأشجار سميكة و قوية
بدأنا بالسير وسط الأشجار حتى وصلنا لشجرة رأيتها مناسبة، قمت بمساعدة أوليفيا على الصعود حتى وصلنا إلى ارتفاع مناسب، كان الظلام قد بدأ يخيّم على المكان
كنّا جالسين على أحد جذوع الشجرة الواسعة و السميكة و يبدو أنه مكان جيد للبقاء عليه، لكنّ أوليفيا قالت بنبرة قلق وخوف"فرانك أنا أخاف أن أتقلب و أنا نائمة حتى أجد نفسي ساقطة على الأرض"
-قلت"لا بأس لدي الحل لهذا، سنربط أنفسنا بالحبال جيدا مع جذع الشجرة، هذا سيكون حماية لنا عند السقوط"
حرصت على ربط الحبال جيدا مع الجذع ومع ذلك كانت أوليفيا لا تزال خائفة فقمت بضمّها إليّ فارتاحت أكثر.
وخلدنا إلى النوم.
في صباح اليوم التالي استيقظنا و لم يحدث لنا أي مكروه، نزلنا إلى الأرض و بدأنا بالسير مكملين رحلتنا الاستكشافية
و نحن نمشي بين الأشجار حتى خرجنا على صخور كبيرة، تقدمنا نحوها فوجدت فتحة كبيرة على هذه الصخور، قرعت جدار الصخرة بيدي حتى سمعت صدى الضربة، هذا يعني أنه يوجد فراغ في الداخل.
قمت بضرب الجدار بقدمي و قد تكسر لأجزاء صغيرة فلم يكن صلبا أبدا، أحدثت فتحة يمكننا الدخول منها و قمت بإشعال النار على طرف أحد الأخشاب لنتعمله كمصدر ضوء، تقدمنا إلى الداخل وقد كان واسعا جدا
يبدو بأنه كهف كبير!
ونحن نتقدم سمعت صوتا غريبا، و في لحظات طارت باتجاهنا طيور سوداء قاصدة مخرج الكهف ، لقد كانت كثيرة جدا و قد أرعبتنا فعلا. انسدحنا على الأرض حتى خرجت كلها و قد تبين أنها خفافيش
تجولنا قليلا في الكهف و كان واسعا جدا لكننا لم نعثر على أي شيئ بداخله.
خرجنا و أكملنا طريقنا، مشينا حتى وصلنا إلى أسفل الجبل لكننا كنا مرهقين فجلسنا لنرتاح و نتناول بعض الطعام
كان يبدو أن صعود الجبل سيكون مرهقا أكثر لكننا بعد أن نصعده يمكننا رؤية كل الجزيرة و سيكون منظرا رائعا حقا.
بعدما استعدنا عافيتنا بدأنا بصعود الجبل، و قد كانت طريقه وعرة و صعبة وكنت حريصا على مساعدة أوليفيا في الصعود، استغرقنا وقتا طويلا في صعوده وكنا نرتاح في كل مرة نشعر فيها بالتعب.
لم يبق وقت طويل حتى نصل للقمة كما أن الشمس ستغرب بعد قليل، كنا في مكان خطر فلو أخطأت في وضع قدمك على الأرض بشكل صحيح ستنزلق إلى أسفل الجبل و سيكلفك ذلك حياتك.
بعد طريق صعب و شاق و صلنا أخيرا إلى قمة الجبل
كان كل شيء على الجزيرة تحتنا و كان منظره رائعا
بدأت أنظر في كل جزء من الجزيرة حتى لمحت شيئا ما على الجهة المقابلة للجهة التي استقرينا عليها
كان يبدو وكأنّه بيتٌ من صنع إنسان لكن الإرهاق الذي كنت أشعر به جعلني أتخيل ذلك، فلا يمكن أن يصل بشريٌّ إلى هذا المكان أبدا.
جلست أتأمل غروب الشمس مع أوليفيا
-فقالت"أتتذكر عندما كنّا نشاهد غروب الشمس على السفينة معا، من كان يتوقع أن كل هذه الأحداث ستحدث"
-قلت"نعم أتذكر ذلك جيدا، وما أتذكره أكثر هو صوت عزفكي الرائع الذي كان مبهرا "
ردت عليّ"نعم لكنني أفسدت ذلك في النهاية، لقد كنت حمقاء فعلا"
-قلت لها"بما أننا أمضينا وقتا كثيرا في الأيام السابقة فلن ترتبكي منّي بعد الآن فلست شخصا غريبا عليك أليس كذلك"
-أجابت"نعم بالطبع، لو خرجنا من هذه الجزيرة أحياء وعدنا إلى بلدنا أعدك بأني سأعزف لك على الكمان في أي وقت تحب"
وهي تقول ذلك قمت بإخراج الكمان من حقيبتي و قلت وأنا أبتسم"لِمَ لا يكون ذلك الآن"
تفاجأَتْ فعلا من أنني أحضرت كماني حتى في تلك الأوقات العصيبة، لكنني حملت حقيبتي عندما انفجرت السفينة دون أن أشعر و لحسن الحظ كان داخلها.
ناولتها الكمان و بدأَت بالعزف عليه، كان عزفها متناسقا و رائعا، شعرت أن روحي تغادر جسدي من روعة عزفها مع المنظر الخلاب الذي كان أمامي و تساءلت لوهلة"هل أنا في الجنة"
طربت أذناي لنغمات الكمان المذهلة و اقشعر جسدي أمام روعة ما أسمع،فطر عزفها قلبي و استسلم له فؤادي نظرتُ إلى أوليفيا و قد كانت أجمل من منظر غروب الشمس نفسه، كانت بيضاء البشرة و لها شعر ذهبي منسدل على كتفيها و لها عينان بنيّتان حادتان أرى الدنيا فيهما.
لم أشعر بجسدي وهو يتحرك نحو أوليفيا، اقتربت منها و ضميتها إليّ و لم أتمالك نفسي وقمت بتقبيلها.
غربت الشمس و توقف العزف و عمّ السكون في الأرجاء
و في لحظة صامتة قلت"أوليفيا، أنا أحبك"
أنت تقرأ
أركاديا
Adventureانطلقت رحلة سفينة اتلانتيك في السابع من اكتوبر 1939 من مدينة لندن قاصِدةً مدينة بوينس آيرس في الأرجنتين لكنها تتعرض لحادثة غير متوقعة في طريقها تغير مجرى حياة ركابها و بالأخص السيد فرانك براون