الجزء الثاني عشر

2.1K 76 16
                                    

توقف نبض القلوب والأحساس بالزمن كما توقفت الكلمات في الحناجر ترقبًا وخوفًا عندما حانت اللحظة لسماع ما جاء في تقرير المعمل الطبي المعتمد الذي أجرى به يزيد فحص الحمض النووي لجيسي مع شعرة من شعر عمه عثمان والذي أخذها الطبيب من فرشاة شعره التي يحتفظ بها الشيخ همام منذ أن هرب أبنه لأنجلترا، فكلما أشتاق له أخرجها مع قميصه المستعمل من خزانته الخاصة يشتم رائحته فيهما ويضمهما لصدره يبكي عليهما حسرةٍ وندمٍ، أنتصب يزيد واقفًا يمسك المظروف الأبيض الخاص بالمعمل وأخرج الورقة منه وشرع في قراءة النتيجة بعينيه فقط دون أن ينطق لسانه وعندما وصل إلى كلمة تم تتطابق العينة الأولى مع العينة الثانية بنسبة ٩٩,٩% أي أن ياسمين تكون أبنة عثمان فعلا، رفع عينيه ينظر لجيسي التي وقفت بوجهًا شاحب وأعصاب ترتجف، ليجدها تنظر له وعيناها تلمع بعبرات متحجرة خوفًا من أن لا تتطابق عينتها مع عينة والدها فخوفها الأكبر نابع من فكرة فقدانها له ثم لتلك العائلة التي شعرت أنها تنتمي لها فعلًا خاصة جدها الشيخ همام وتلك العاطفة والحب اللذان يمدها بهما في نظرات عينيه فقط، فكيف سيكون الحال معه أن أثبت أنها حفيدته فعلًا، وظلت تسأل نفسها في الأيام الماضية هل سيحبها مثلما يحب نوارة أم لن تأتي من تنازعها حبه لها، زفر يزيد بقوة وألتفت ينظر لجده وأومئ له بنصف ابتسامة.

- تحليل الحمض النووي أثبت أن ياسمين تبقى بنت عمي عثمان فعلًا يا جدي.

ثم نظر لجيسيي وترجم لها ولولديها أيضًا، لم يكن يتخيل أحد أن ينهار الشيخ همام هكذا فقد أنفجر باكيًا يهتز جسده من شدة بكائه مما جعل من يحيط به يبكون تأثرًا به، رفع الشيخ همام ذراعيه بوهن وأشار لجيسي أن تقترب منه فلبت ندائه وأقتربت منه وهى تشعر بالخوف عليه من شدة بكائه فقد خشيت أن يصيبه مكروه نظرًا لكبر سنه وضعف صحته، ضمته وهى تبكي أيضًا فضمها بقوة يتنفس عبيرها وكأنه يضم ولده الراحل الذي طال غيابه، كره الشيخ قاسم أن يرى أحد والده في هذه الحالة وهو الذي لطالما كان ومازال قويًا ترتعش الأبدان من مجرد كلمة ينطق بها لسانه، فوقف وطلب من زوجته والبقية تركهما بمفردهما حتى تهدأ فورة مشاعرهما فخرجوا جميعهم إلا يزيد الذي ناداه جده.

- يزيد تعالى يا ولدي أني عاوزك متهملنيش وتطلع أول حاجة عشان أترجم ليا ولياسمنة، وكمان في حاجات هطلبها منك تعملها ليا.

أومئ له يزيد وأقترب منه صامتًا ووقف وسيطًا بينهما حتى يفهم كليهما الأخر، نظر علي جده وهو يلحف وجه جيسي بيديه ويقبلها من جبينها ووجنتيها وظل ينظر لعينيها بحب.

- أني كنت عارف وحاسس أنك بنت ولدي وكيف يكون لاه وعنين نوارة بطل عليا من وشك اللي كيف البدر ده، ورثتي أكتر حاجة حبيتها في حبيبة قلبي لأني لما كنت بطلع فيهم بحس أني طاير في سما صافية مفيهاش غيوم، بحس أن الدنيا حلوة ولسه بخير.

كنة الشيخحيث تعيش القصص. اكتشف الآن