"ماذا لو.. اخترت نهايتي؟"

6 0 0
                                    

_ بعد أن عمّت الفوضى في المكان، وتحولت الحفلة الي حفلة دماء قاتم.. كنت انتظر تلك اللحظة التي كنت أشك انها الأخيرة، هذا يكفي.. لا مزيد من صبغ الأيدي بالدماء اكثر..
حتى اني اردت ان أسبق ذلك الشرطي النحيل في قولها عندما هتف :

- توقف.. انت رهن الاعتقال اخيرا !
- مهلاً.. كنت سأقولها قبلك بالفعل..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*_ عند الساعة 7:33م في احد شوارع دبي:*

- اخترت منزلي هذه المرة في احد الأحياء الهادئة، التي من شدة هدوءها قد تسمع شجار القطط فيها بين الازقة مساءً .. لطالما كانت هذه المدينة تنبض بالحياة بشكل مزعج.. ربما لن يعم الهدوء فيها الا اذا تم إبادة جميع هؤلاء البشر الصاخبين، كانت تروق لي هذه الفكرة .. وتتسلل إلى عقلي بعمق، إذ كانت تبدو فكرة لذيذة في بعض الأحيان، لكنني سرعان ما اتناساها ..
- خرجت من المنزل في مساء الهادئ، أغلقت منزلي بإحكام.. ورميت المفتاح عالياً فوق أسقف المنازل.. بعيداً جداً وكأني أودعه.. واودع نفسي معه للأبد..
اخترت ملابس بسيطة للخروج، بنطال جينز أسود وتشيرت اصفر مرسوم عليه كلمات انجليزية بالاسود.. ساعة يد عادية .. وتسريحة شعر مسالمة.. هكذا فقط.. كأنسان عادي بسيط طبيعي.. ، سرت في شوارع هذا الحي الهادئ بخطوات بطيئة.. أحببته.. وألفته.. ومكثت فيه أكثر من أي مكان آخر.. ستة أشهر!.. طويلة جدا بالنسبة لشخص مثلي..
مع كل خطوة كنت اخطوها.. كنت اخرج من حيّي الأليف، اخرج من منطقتي الساكنة شيئاً فشيئاً الي الصخب، إلى النشاط المزعج.. الي الحيوية المفرطة،تظهر الأصوات وترتفع كأنك ترفع صوت التلفاز تدريجياً.. فأنزعج !

- اتمشى في الضوضاء الآن.. بين ابواق السيارات.. واحاديث المارّة المختلطة.. وأصوات خطواتهم .. بلا وجهة معينة.. بل انا اكذب، هناك وجهة ، لكني أحاول تعويد اذناي عليها، غالباً ما كنت أخرج في الوقت الذي يقارب منتصف الليل.. وقت الهدوء المبالغ فيه داخل الأحياء، وقت خروج الأشباح والعفاريت ومصاصي الدماء، اتخير شيئاً اتسلى به ثم أعود.. كلا نسيت.. هذه المرة لا اريد ان أعود !

بعد التمشي قليلاً وجدت مقاعد خشبية على جوانب الطريق، لم يكن فيها احد.. لم يشأ أحد أن يمكث هنا قليلاً، العالم يدور.. والجميع مشغول.. لم يخترها احد، لكنني اليوم اختارها..
جلست بسكون في مكاني اراقب الجميع، الجميع بلا استثناء، ولد .. بنت.. جماد.. حيوان.. نبات.. حيوان.. الخ ، مهلاً.. من يريد ان يلعب هذه اللعبة الآن ؟..
فجأة وبين تأملاتي رفعت رأسي للسماء، تبدو جميلة بترصعها هكذا بالنجوم المتلألأة.. مظلمة لكن بهيّة.. قاتمة لكن منيرة.. لم أكن اتأملها كثيراً في حياتي.. مع ان تناقضاتها هذه تشعرني بالمواساة.. فهل أبدو مثلها أنا؟

- بعد مدة من تأملي.. مرّ من أمامي رجل طاعن في السن.. وتلك العصا الغليظة تتوسط قبضة يده ويسير ببطء، عكس الجميع هنا.. وعندما أصبح أمامي مباشرة التفت بوجهه الأشيب لي، بوجهه المريح جدا وكأنه نظر الي شخص يعرفه، ثم بدأت ابتسامة مشرقة مطبقة بالظهور على محياه..
جدي العزيز.. ارجوك لا تبتسم هكذا، لا تبتسم لي.. انا لا استحقها.. لا استحق ابتسامتك الرائعة هذه، هل تعرفني؟.. كلا لا تعرفني ابدا.. أراهن انك لو علمتني ما كنت لتبتسم ابتسامتك الودودة هذه..
اتعلم؟ ، قد اغرز فيكَ شئ يوقف نبضاتك.. ويوقع عصاتك.. ويخفي ابتسامتك.. حالاً !
ولكن بما انك منحتني مبسمك.. على جثتي ، لن أمسّك أبداً.. فقط اذهب.. بعيدا.. بعيدا جدا عني ، انا من يجب أن يباد، انا شرٌ على المجتمع.. انا الخطر، انا سئ يا جدي.. بل أنا الأسوء..
- هااه من الجيد أنك ذهبت الآن سريعاً.. وآسف.. آسف لاني لم ابادلك ابتسامتك.. لاني لا أستطيع، فأنا لا أُبادل الأشياء الجميلة ..!

"من الفضولِ ما قتل"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن