يودُّ الشخصُ منّا لو يملك خارطةَ الزمان؛ ليمحُ تشوّهات قلبه ويسطر الحكايَا بحبرٍ

9 2 2
                                    


إنسان بعد الواحدة
بقلم: رحاب يعقوب (مُور فِـيـنَا)
الحلقة الرابعة

"يودُّ الشخصُ منّا لو يملك خارطةَ الزمان؛ ليمحُ تشوّهات قلبه ويسطر الحكايَا بحبرٍ سعيد"

تنظرُ عبرَ نافذةِ السيّارة إلى السماءِ المُلبَّدةِ بالغيوم القاتمة، عيناها مليئتان بالقلق، والتوتُّر يطغى على الجو، جمعت يديها ثمّ غطّت بهما عينيها غارقةً في الدُعاء، اخترقَ السائقُ قوقعة الصمت هذه وبنبرةٍ متهذّبة باشر بالسؤال:

_ وين تنزلين آنسة؟

= وين حاليًا؟

_ قريب من الموقع المطلوب.

= نحن جنب الفُندق؟

_ على بُعد قليل منه.. يمكن شارعين.

= طيِّب أنا ح أنزل هنا.

ترجّلت من السيارة تهرول سريعًا بعد أن دفعت أُجرة السائق، تتداخلُ أنفاسها في بعضها، صوتُ نبضاتها بدا وكأنّ دفوفًا تُدقّ في أضلعها إثرَ الخوف، وأخيرًا قد وصلت، وقفَت عند الاستقبال تسألُهم عن مكانِ الغُرفة رقم «...» ولم تنتظر أن يكمُل لها الموظّف وصفه، ركضت بسُرعةٍ تجاه ما كانَ يُشير بيده، لم تعي كيفَ تجاوزت السلالم أو كيفَ وصلت إلى هُناك، جالت بعينيها في سُرعةٍ حول الطابق تبحثُ عن رقم الغُرفة، أوه! لقد وجدتها، اندفعت نحو الباب اندفاعًا تطرقه، وبينمَا هي تطرقُه بقوةٍ وبشكلٍ مُتواصل انزلقت يديها إثر انفتاح الباب؛ ليظهر لها شابٌ ذا قوامٍ يميلُ إلى البدانة، وبشرةٍ بيضاء مُتشرِّبة بحُمرةٍ خفيفة، شعره أشعثٌ وحاجباه مبُعثران بشكلٍ مُخيف، ملامحهُ غير مُريحةٍ على الإطلاق، ابتلعت ريقها لتسأله في ثباتٍ مُصطنع:

_ فين سلوى؟

= ومين أنتِ؟

قالها بنبرةٍ غليظة ونظرته المُريبة لا تزالُ مُستقرَّةٍ على عينيه، بدا الخوفُ يتسلّل صوتها فعادت تسأله بصوتٍ أهدأ:

_ لو سمحت بقول لك فين سلوى؟

= وأنا بقول لك مين أنتِ؟

_ عايزة سلوى بسُرعة قبل ما أصرخ وألم فيك العالم وأعرَّفهم أنت بتعمل إيه.

= لك روحي مافي حد اسمه سلوى هُون أنتِ بتألفي حكي من رأسك؟

أحسَّت برعشةٍ خفيفة بعد أن علت نبرةُ صوته في كلماته الأخيرة، كادَ يُغلق البابَ في وجهها لولا أنّها استجمعت قوّتها ودفعت الباب لتدخل، صرخت في وجهه:

_ بقول لك فين سلوى؟؟؟

= أولك أنتِ غبيّة شيء بقول لك مافي حد اسمه سلوى اطلعي برّة.

لم تُبالي لصراخه في وجهها هذه المرّة وراحت تُنادي على «سلوى» وتبحثُ في أنحاء الغُرفة، وهو يلحقها يُحاول اقناعها بأنّه لا يعرفُ شخصًا اسمه سلوى، نادَت مرارًا ولكن لم يُجبها أحد سوى هذا المتعجرف، فتحت باب الحمّام تُريد الدخول، فقفز هُو أمامها فاردًا يديه على وسعهما ليمنعها من الدُخول، ألقى عليها كلماته بنبرةٍ حادّة مُمتلئة بالغضب:

إنسان بعد الواحدةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن