فإنَّما الإنسانُ عثراتٌ تتشبَّثُ بعرين الاستقامة

19 2 0
                                    


إنسان بعد الواحدة
بقلم: رحاب يعقوب (مُور فِـيـنَا)
الحلقة الثانية

"فإنَّما الإنسانُ عثراتٌ تتشبَّثُ بعرين الاستقامة"

"السُعودية_ الطائف"

يجلسُ في منتصفِ السرير ويفركُ عينيه، ينظرُ للغرفةِ حوله بنصف وعي، يتثاءبُ بين الفينةِ والأُخرى ويضعُ أصابعه على فمه محاولًا إغلاقه، ثمَّ يتراوحُ وعيه بينَ الصحيان والغياب، حتَّى يشعر بماءٍ بارد اقتحم جسده؛ فينتفضُ مفزوعًا ويلتفتُ بعينيه المتكوِّرتين إثر الفزع إلى الناحيةِ الأُخرى من من سريره، وهي ناحيةُ الباب؛ فيجدُها تنظرُ إليه وهي تحاول كتم ضحكتها التي تُشبه صوت الفأر، كما يقول، ينظرُ إلى دلو الماءِ الفارغ بيدها في غضب، وينظرُ إليها بنظراتٍ تعلمُ ما معناها جيّدًا؛ سينقلبُ صباحها رأسًا على عقب، وضعت الإبريق في الأرض وهي تبتلعُ ريقها في خوف، تنظرُ إلى عينيهِ المليئتان بحُمرة الغضب، وإلى تنفِّسه السريع، تراجعت خطوتين إلى الوراء وملامح وجهها تتذبذبُ بينَ التوتُّر ومحاولةِ الابتسامة، ثمَّ راحت تنطقُ بالكلماتِ متمتةً:

_ قوم أمِّي قالت ليك نُمت كتير.
= وأنتِ دفَّقتي الموية فيني مالك يا مرام؟
_ ساي قالوا لي اصحِّيك كدا.. قوم يا مازن بتتأخَّر من شغلك.

وثبَ من السرير راكضًا تجاه «مرام»، وراحت هي تركضُ في أنحاءِ الغرفة هربًا منه، وأخيرًا استطاعت أن تُفلت عبر الباب لتركض إلى الخارج وهي تصرخُ: " أمِّييي"، ولكن هيهات لهُ أن يستسلم؛ ركضَ خلفها حتَّى استطاع أن يُمسكها من جُلبابها الواسع، ثمَّ حملها قسرًا ودار بها دورةً جعلتها تشعرُ بدوارٍ خفيف، ثمَّ توقَّف أخيرًا وقال وهو يلهث:

_ أجدعك وين بعد دا؟
_ دا شنو يا مازن؟

جاء هذا التساؤل بنبرةٍ عالية من جهته اليُمنى، فالتفتا تجاه صاحبةِ الصوت:

= أمِّي ألحقيني ولدك داير يرميني.
_ تاني بتعملي حركات الأطفال بتاعتك دي؟
= يا أمِّي قولي ليه ينزِّلني مُش أنتِ قُلتِ لي صحِّيه كدا؟
_ تقومي تمشي تبلِّيه بالموية يا ما نصيحة.
= هو ما بيصحى إلَّا كدا النوَّام دا.
_ تقولي لي قالوا ليك تعملي كدا؟
_نزِّلها يا مازن.
_ يا أمِّي أنزلها ولو ما...

قاطعته بلهجةٍ ناهرة:
_ قُلت ليك نزِّلها.

أخيرًا أنزلها على الأرض ثمَّ بدئا تبادُل نظراتِ الغيظ الواضحة على كليهما؛ فجاءَت أمُّهما (مروة) تجرُّ أذنيهما وتوبِّخهما:

_ أولاد الجلطة انتوا أولاد الجلطة.. مرام أنا قلت ليك أكشحي في أخوك موية؟ ولو جاه التهاب بسببك؟.. وأنت يا الكبير العاقل تقوم تشيلها وتجري بيها زي الشفّع؟ كان وقعتوا؟ طير طير اتجهّز أنا عملت ليكم الفطور أنت وهي تطير على جامعتها وأنت على شغلك، ريِّحوني منَّكم بالله.

إنسان بعد الواحدةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن