سافرت (هياء) مع أبيها و(حليمة)، وانتقلت للعيش في بلاد غربية بعيدة، والتحقت بأرقى جامعة في تلك البلدة.
كانت تلك البلاد باردة معظم أيام العام، لم تنس خلالها (أمين)، وكانت تكتب له رسائل بشكل منتظم تخبره فيها عن كل ما كانت تقوم به وعن حياتها الجديدة وأيامها الأولى في الجامعة، وعن نوعية الكتب التي كانت تقرؤُها، وكيف بدأت تتعلم وتتقن لغة جديدة.
كانت الرسائل َملأى بأدق التفاصيل عن حياتها اليومية، لكن وبعد عدة رسائل شعرت (هياء) بالقلق؛ لأن (أمين) لم يكن يرد عليها برسالة واحدة، فطلبت من أبيها أن يُرسل أحدا من موظفيه كي يطمئن عليه.
وبالفعل تلقى أبوها اتصالا في اليوم نفسه أخبره فيه الموظف بأنه مر بمنزل (أمين)، وكان بصحة جيدة وأبلغه بأنه تسلم جميع رسائل (هياء).
استغربت (هياء) من هذا الكلام عندما أخبرها أبوها به، وتساءلت عن سبب عدم كتابة (أمين) أي رد لها، فأجابها أبوها بالقول: "لعله مشغول... ثم لِم اخترت هذه الطريقة البائدة في التواصل؟"
(هياء) وهي تقضم أظفارها بتوتر:" هو من اقترح تلك الطريقة وليس أنا؟... هناك أمر ما يمنعه من مراسلتي، أنا متأكدة من ذلك."
(الأب):" على أي حال، الموظف الذي أرسلته أكد لي أنه بخير، وأنه تسلم جميع رسائلك."
(هياء) بريبة:" هل ستستاء مني لو قلت لك يا أبي إني لا أصدقك! "
(الأب) وهو يجلس أمام المدفأة في بيتهم الجديد ويشعل غليونه:" لا تصدقينني إذا... "
كانت (هياء) في واقع الأمر تصدق أباها، ولم تشك بكلمة واحدة من كلامه، لكن حيرتها من عدم رد (أمين) على رسائلها دفعتها لقول ما قالته.
وخلال تفكيرها قال أبوها وهو يدخن غليونه ويشاهد ألسنة اللهب في المدفأة:" لا تقلقي،... سيكتب لك قريباً "
(هياء) وهي تبتسم:" هل تصدق يا أبي أني لم َأر أسلوبه وخطه في الكتابة قط؟ "
(الأب):" عجيب... كل هذه السنين ولم تريه يكتب من قبل؟"
(هياء) وهي تبتسم بحزن:" كانت القراءة تأخذ كل وقتنا. "
مضت الأيام والأسابيع وتحولت لأشهر وسنين، أكملت فيها (هياء) دراستها الجامعية، وتُوفي خلالها والدها لترث كل أملاكه، لكنها لم تعُدْ لموطنها؛ لأنها كانت لا تريد العودة دون الحصول على شهادة عليا تتباهى بها أمام (أمين).
أوكلت (هياء) مهام إدارة أملاكها التي ورثتها لأحد الموظفين الكبار الذين كان أبوها يثق بهم، وكانت تتواصل معه من وقت لآخر كي تطمئن على (أمين) أولا، وعلى بقية الأمور الأخرى لاحقاً، وكانت في كل مرة تطلب من الموظف أن يوصلها بـ(أمين) هاتفياً لكنه يخبرها بأنه كان يرفض ذلك بشدة، وحتى عندما طلبت منه أن يسأله عن سبب عدم مراسلته لها أخبرها الموظف بأنه لا يرد، ويكتفي بالابتسام له فقط قبل أن يغلق الباب.

أنت تقرأ
وهج البنفسج
Fantasyالعلم الثابت ماهو إلا خيال أصابه الجمود ... هنا اجتمع الخيال مع عالم الكتب والمكتبات فكانت النتيجة رواية رائعة تحمل الكثير من المتعة والعبر. ونقتبس: " القراءة غفوة كبيرة عن عالم اليقظة " " المتعة قد تكون بالرحلة وليس بالهدف منها " " كل كتاب مهما...