•|24: مطاردة

131 16 50
                                    

أنا لا أفهم ما الذي يجري بعد، ولكن يسعني الاستنتاج: السر فعلاً في الغابة.

غابة حقول الذهب ليست بغابةٍ عادية، ولعل بوسعي التعميم والقول: كل هذه المنطقة ليست بعادية، ولب المشكلة متموقعٌ في الغابة. بطريقةٍ ما، الجدة تعلم عن هذا. هي تعلم ماهية المشكلة، وفي الغالب تعاني منها بدورها، وتعلم حتى حلها، ولهذا، علي إيجاد التوت واطعامها إياه؛ وعندما تتحسن وتفيق ستشرح لي كل شيءٍ تعرفه. أملك عدة قطع مبعثرة من المعلومات، هي الوحيدة القادرة على لملمتها في مجموعة متكاملة ومنظمة وواضحة.

إنني أركض الآن وألمح البيت المهجور من بعيد. المطر مستقرٌ إلا أن الأرض موحلة تبطء الحركة. لم أهتم لكم البرك التي أعتب أو كم البلل الذي يصيبني، إنما سارعت بخطواتي قدر الإمكان؛ فمن يدري ثمن تأخري ولو بالثانية. سأجد التوت. ستشفى الجدة. 

لمحتُ عائلة الكلاب خارج البيت، يتبخترون في طريقهم نحو الحقل. دلفتُ الغابة ورحبت بي الأشجار نشيطةً، تحرك أغصانها ذات اليمين وذات الشمال. اتجهت غرباً ورحتُ أتوغل أكثر فأكثر، أسمع صوت قطر المطر على الأوراق، أسمع الحفيف، ولا شيء غير ذلك. في البداية، ظللت أبحث في المنطقة المعتادة والآمنة، لا أحذف احتمالية وجود التوت فيها ولو أن حدسي يُطلعني بأنه وإن وجد حقاً الآن وبمعجزة؛ فلن يكون إلا بالمنطقة المحظورة، المنطقة العجيبة. ومن يدري؟ لعل شخصاً ذا قدرةٍ هو من أثار الخوف حول هذه المنطقة، حتى لا يقربه الناس لخطورته بالفعل؛ وتم تناقله عبر الأجيال دون فهمٍ حقيقي لسببه.

أزعجت الشجيرات بوجودي، فإنني أزيحها مستقصياً بين ثناياها شجيرة توتٍ دخيلة، ولو حاولتُ تحسس مشاعرها؛ فسأتلقى بالتأكيد اضطرابها. استمررتُ بفعل هذا على طول محيطي، مستغرقاً في ذلك نحو الربع ساعة، كله دون جدوى، فلم أجد غير الشجيرات والنباتات الغابية المعتادة.

تنهدتُ ورفعتُ رأسي قلقاً نحو السماء، وهنا متى ما لاحظتُ طائراً يحملق بي. كان طير بوم، جالساً أعلى غصن شجرة، يحرك رأسه بخفةٍ وعيناه لا تتركانني البتة. إنه أول حيوان ألمحه مذ دخولي الغابة. وقفت بثبات وركزت قدرتي معه، لا أتلقى أي مشاعر، فقررتُ التشجع والسؤال:" توت؟ " وهنا، شرع شعورٌ بالتكون ضعيفاً. كان الحيرة. لعله لا يفهمني؟ " توت؟ أين؟ " سألتُ مجدداً، وهذه المرة استخدم يداي في تكوين إشارةٍ توضيحية.

ظل يراقبني، دون أي تغيير يطرأ عليه، فقررتُ تجاهله مع عدم استفادتي منه. شرعتُ بالمشي مرةً أخرى، أتفحص بعيناي أي نباتٍ ظاهر، وأهرول نحو أي نبات أشكك باختلاطه مع نوعٍ آخر. لكن، ومرةً أخرى، دون جدوى. ظل الطائر يلاحقني طوال هذه المدة، ومع تقبلي حقيقة أن غابة بلدتنا ليست بعادية؛ لم أستغرب فعله.

الفتى الذي استقرأ المشاعر.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن