السجن

15 3 1
                                    

عادت الأميرة دُرة، وجعلت حياتها جحيمًا كما توقعت، وأوصت رئيسة الخدم عليها، وجعلتها تقوم بجميع الأعمال الشاقة ليلاً ونهارًا، وعلى أقل الأخطاء تقوم بمعاقبتها بالعمل طوال الليل، حتى فكَّرت مليكة في أن تهرب من القصر، وتعود إلى مزرعتها البسيطة التي كانت تعيش فيها، تزرع وتحصد وتأكل وتبيع مع مَن تحبّهم، ولكن كيف وهم الذين تخلَّوا عنها؟!

    وبعد ثلاثة أسابيع من العذاب طلبت الأميرة درة حضورها في غرفتها، تركت مليكة كل شيء كما أمرتها رئيسة الخدم، وذهبت إلى غرفة الأميرة، كانت كغرفة العرش كبيرة جدًّا، لا ينقصها شيء من الفخامة والجمال، في وسطها كرسيٌّ طويل مُرصّع بالألماس خصيصًا لها، ولكن لم يكن هذا كافيًا ليُرضي غرورها وساديتها المفرطة، كانت تقف أمامه وحولها الخادمات، نظرتها كذئبٍ ماكرٍ ينتظر فريسته، وعندما وجدت الفريسة أمامها، جلست على الكرسي بهدوء محاولة أن تُخفي غضبها، ثم أشارت بيديها إلى مليكة لتقترب حتى صارت أمامها مباشرةً، وقالت بتسلّط:
ماذا فعلتِ معه؛ ليسأل كل يومٍ عنكِ؟

فسألتها مليكة بتلقائية:
مَن هذا؟
فابتسمت درة بسخرية:
تدّعين البراءة؟
   ثم أمسكتها من معصمها بعنف وتابعت:
أنتِ مجرد خادمة، لماذا يهتم لأمرك؟ ماذا حدث عندما كنتما معا؟
 
  سحبت مليكة يديها بقوة بعد أن أفاقها الغضب من ضعفها، وبعد أن فاضَ بها، ثلاثة أسابيع من الذل والإهانة، فنهضت درة من مقعدها ثم صفعتها:
كيف تجرُئين يا وضيعة؟

    لم تتحمّل مليكة أكثر من ذلك، وكان ينقصها شعلة ليشتعل السخط في داخلها، فردَّت الصفعة على الفور، ولكن سرعان ما استوعبت ما فعلته، خفقت دقات قلبها بسرعة، وأحسَّت بأن المكان حولها يدور، وضعت يدها على صدرها، وتَماسكت وصاحت بصوتٍ عالٍ:
أنتِ لا تملكينني، تحمَّلتُ ما يكفي منكِ، وأفضِّل الموت على أن أتحمَّلك أكثر من هذا، أنتِ لا تستحقّين ما أنتِ فيه، التواضع صفة النبلاء، أمَّا أنتِ فتستحقّين كلمة وضيعة وبجدارة.
أصيب الحضور من الخادمات بالصدمة؛ فلا يمكن لأحد تصديق الموقف؛ خادمة تصفع أميرة، وتُلقّنها درسًا أيضًا!
صرخت درة :
كيف تجرُئين؟ سأعذّبكِ حتى الموت.

ونادت على الحراس، وأمرتهم برميها في أسوأ زنزانة من دون طعام أو شراب مع جلدها كل يوم عشرين جلدة، وبالفعل فعل الحراس ما أمرتهم به الأميرة؛ قاموا بجلدها ووضعها في السجن من دون طعام أو ماء، ترتجف من البرد والخوف، تتلوى من الألم والجوع، اختلطت بالظلام حولها، وأصبحت كأنها جزءٌ منه، عادت ضعيفة أضعاف ما كانت ذي قبل، تتوسّل إليها لترحمها، وهي تستمع بتعذيبها، استعانت بالجلّاد؛ ليجلدها كل يوم أمام عينيها وفي غرفتها، ثم يُعيدها إلى السجن.

استمرَّ هذا التعذيب ثمانية أيامٍ متواصلة، حتى وجدت نورًا خافتًا يقترب منها بخطوات ثابتة، فظنَّت أنَّه الجلاد جاء؛ ليجلدها أو يأخذها إلى الأميرة ليجلدها من دون رحمة أمامها، فبكت بصوتٍ عالٍ:
لم أعد أتحمَّل... أرجوكِ.
    اقتربت الخطوات أكثر وأكثر، والنور يزداد، ثم سمعتْ صوتًا مألوفًا لها من وراء القضبان القاسية:
أختي.
فقالت بلهفة وهي تُحاول أن تقترب:
كاميليا إنها أنتِ! ولكن كيف؟
صرخت درة :
كيف تجرُئين؟ سأعذّبكِ حتى الموت.

المملكة المنسية Where stories live. Discover now