٢

334 36 88
                                    

البيت هذا، ليس بيتنا القديم القذر، بل إنه مكان جديد واسع وهذا زاد من فضولي، كل شيء نظيف، أتذكر وجود أريكة مليئة بالثقوب السوداء بسبب رماد السجائر في بيتنا القديم لكنها اختفت وحل مكانها غرفة معيشة طبيعية جداً من الممكن أن يُستَقبَل فيها الضيوف دون الشعور بالحرج.

شاهدت طعام جاهز فوق المائدة كأنها كانت متأكدة من أني سأكون تحت هذا السقف اليوم، مكاني المعتاد على الطاولة لم يتغير رغم أن هذه أكبر من طاولتنا السابقة بكثير، جلست رغم عني، بينما هي اتخذت مكانها على يميني بتبسم وهي تقطع الطعام في طبقها، نظرت للأسفل حتى لا اضطر على كره صورة وجهها أكثر وأكثر.

"أستطيع تحضير شيء آخر إن لم يعجبكِ الطعام؟"

"لا! أنا آكل أترين؟" قلت ووضعت قطعة ما في فمي، أنا حتى لا أعرف ما هي ولكني ابتلعتها على كل حال. المكان هادئ جداً، كل ما أسمعه هو صوت غسالة الأطباق، تغسل، وتغسل، داخل عقلي.

جفلت عندما سمعت صوت ارتطام المفاتيح، رفعت رأسي ووجدت أمي تنهض وتقول باِبتسامة على وجهها "لقد وصل روبرت"

دخل رجل طويل من الباب وعانق أمي تحت نظراتي المستغربة، نهضت بدوري وعندها فقط لاحظت الخواتم التي يلبسونها، رجاءً أمي لا تقولي لي أنكِ تزوجتِ...

"ساڤيا أعرفكِ، هذا زوجي روبرت" قالت تلك الكلمات لتنحبس أنفاسي.

"سررت بمعرفتك ساڤيا أهلا بعودتك!" مد الرجل يده على الفور، كان يبدو في أواخر الأربعين وشكله عادي جداً وليس مثل الرجال السابقين الذين حاولت أمي خداعهم، يبدو غير ضار، وهذا ما يخيفني، ما الذي جمع رجل نظيف مثله مع أمي القذرة؟
الآن أدركت أن الطبق الآخر على الطاولة لم يكن لي في الأساس...

صافحته بتردد قائلة "أهلا... شكراً لك... لم أعرف أنكما_" قاطعتني أمي بنبرة مبتهجة "أجل، روبرت هو بطلي، بالمناسبة هو يحب الحيوانات مثلك ويجيد ركوب الخيل لذا أعتقد أنكما ستتفقان"

كانت أمي تتكلم عن انجازاته وتغوص بعالمها، ماتزال على نفس عادتها تنسى ما حولها أحياناً ولكن الرجل يبدو سعيد بترهاتها ولا يفلت أي تواصل بصري معها. من المفاجئ أني شعرت للحظة بأنهما فعلاً زوجان، ليس أن أمي خدعته لأجل أمواله، كانت تبدو فعلاً كأنها واقعة بالحب.

"أه آسفة لقد شردت مجدداً، سأعدّ طبقك إلى أن تغتسل"

"سأعود سريعاً" ابتسم لنا وغادر ما جعلني أقترب إلى أمي وأهمس لها باِنزعاج "لماذا لم تخبريني من البداية!"

تنهدت بتردد "لأني أعرف أنكِ تكرهين رؤيتي وسماع صوتي، اعتقدت أنكِ ستغضبين"

تنهدت ونظرت بعيداً للتخفيف من انزعاجي وعندها لاحظت صورة معلّقة على جدار غرفة المعيشة، عقدت حاجبي وضيقت عيني حتى أرى بشكل أفضل لأجفل مجدداً إثر قرع الجرس، أمي ذهبت بحماس مجدداً لتفتح الباب ما جعلني أقف مكاني بصدمة بعدما استوعبت عيناي تلك الصورة، لا أصدق...

حتى يفرّقنا الموتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن