الفصل الخامس
اصطف (إياس) بسيارته في إحدى المناطق الشعبية الهادئة التي اعتاد القدوم إليها في الآونة الأخيرة، ألقى نظرة متوترة إلى تلك الجالسة تراقبه بترقب ثم حمحم بقوة وهو يغادر السيارة متمنيا ألا تأتي خلفه وترهق قلبهما أكثر من ذلك ولكن خاب رجاؤه وهو يستمع إلى باب السيارة الذي أغلق لتوه بقوة جعلته يدرك جيدًا كم المرارة التي تشعر بها، أغمض عينيه بعنف وهو يطرق الباب الحاجز بينه وبين عنائهما بالداخل، تلقائيًا وجد رأسه تلتفت إلى الخلف بعدما فتح الباب عله يوصل لها أن قلبه لا يعبأ بمن سواها إلا أنَّه شعر بجمرات مشتعلة تتدحرج فوق صدره ذهابًا وايابًا تكوي بلهيبها كل ما تمر عليه بقسوة طاغية، حاول أن يبعث إليها نظرات مطمئنة بعينيه إلا أن عينيها لم تلتقطها فهي قد وجهت كل حواسها إلى تلك الواقفة أمامها بطريقة جعلته يدرك جيدًا أنها تقوم بمقارنة ليست منصفة لها بينهما.
أراد أن يدفنها بين أحضانه، يقبل كل ما تقع عليه شفتاه كي يعيد إليها ثقتها التي فقدتها على يديه، أن يخبرها بأنَّها سكنت الفؤاد وتربعت بين أركانه منذ زمن بعيد وأن لا أحد يستطيع أن ينظر إلى فؤاده الذي سيبدو دميمًا مقززًا دونها ، أراد وأراد وأراد ولكن لم يسعهما الموقف وهو يستمع إلى استغاثة الأخرى التي أخبرته أن صغيرها مصاب بارتفاع الحرارة منذ يومان ولا تدري ماذا عليها أن تفعل بعدما جرعته من كل الأدوية
دلف إلى الداخل بهدوء بعدما جذب عائشة الشاردة من يدها ضاغطًا عليها بحنان ثم دلف إلى إحدى الغرف كي يرى الصغير غير عالما بالغيرة التي أشعلتها حركته التلقائية تلك بقلبها بعدما اعتقدت أنه لطالما يحفظ جميع أركان البيت هكذا إذًا فليست زياراته إلى هنا مجرد اطمئنان على حالهم كما كانت تظن غير مدركة بأنه لا يعلم بهذا البيت سوى غرفة من يأتي إلى هنا لأجلهم.
تركته منشغلًا بالصغير الذي لم تستطع ألا تشعر بالشقفة تجاهه بعد حالته المزرية وبدنه
الذي بدا لها شاحبا كالأموات هكذا، التفتت بقلبها قبل عينيها إلى تلك الباكية تتابع فحصها لها، لا تدري أهي بكل هذا الجمال التي تراها عليه أم أن قلبها الملعون هو من يهيئ لها ذلك؟ أعيناها دائما بلون البحر كما تراها أم أنها هكذا بسبب بكائها، وجنتاها دائمًا تسودهما هذه الحمرة التي تزيد من فتنتها أم أنهما هكذا بسبب قلقها على صغيرها، ظلت تتأمل شفتاها المكتنزة وبدنها الرشيق كالعارضات وسؤالًا يطفو على عقلها؛ أهو يراها بكل هذه الفتنة التي تراها بها الآن أم أن فؤاده لا ينظر لسواها كما كان يخبرها دائمًا؟أخرجها من شرودها صوته وهو يتحدث مع أحد الأطباء كي يقدم إليهم فظلت تتأمله قليلا قبل أن تشعر به يقترب منها جاذبًا يدها بحنان هاتفًا بفخر وهو ينظر إلى عينيها محدثًا الأخرى
- هذه هي دكتورة عائشة، زوجتيصعقتها ابتسامة الأخرى التي جعلتها تشعر بأن عقلها من أوهم لها استماع هذه الكلمات وأنه ما هتف بها ولكن حديثها التابع لحديثه أكد إليها ما استمعت إليه وهي تراها تقول بخجل من المرأة التي تظنها سرقت منها زوجها
- مرحبًا بكِ، أعتذر على إزعاجي لكم ولكن لم يكن أمامي سوى الدكتور إياس ليساعدني.
أومأت إليها عائشة بإيجاب دون أن تضيف شيء فتفهمت الأخرى موقفها متحاشية النظر إلى كليهما علها تستطع التخفيف عن قلبيهما اللذان لا تشفق سوى عليهما، جلست عائشة على تلك الأريكة المصفوفة بآخر الغرفة بجوار إياس وعيناها تتابع بصمت تلك التي جلست جوار صغيرها تمسح على رأسه بحنان انتظارًا للطبيب