أولَ مرة.

75 7 1
                                    

كُنت أرتدي سماعاتي وقتها، غير مبالٌ بما يجري حولي، كنتُ شادًا إنتباهي نحوَ حاسوبي، وإذ عيني تلمحُ طرفَ جسدها مِن جانبي، دخلتْ بسرعةٍ إلى صفوفِ الكتُبِ لِتختفي فيها.
هذهِ اولَ مرةٍ تلفتُ إنتباهي أنثى، لم أكن مهتمًا بهنَّ أنذاك، والاغربُ مِن ذلكَ أنني توجهتُ خَلفها باحثًا عنها وراءَ عدساتي الطبية.
تُقلِبُ كِتابًا ويليه الاخر، كَأنها تنتظرُ لِيسقُطَ كتابًا لامعًا لِتأخذهُ.
وأخذتْ تنتقلُ بخفة بينَ جميعِ الصفوف، وأنا أراقبها من بعيدٍ، لستُ متأملًا، بل مُستغربًا، كانت ذي شعرٍ مرفوعٍ، في "كعكةٍ" وعصًا تُثبتها بالمنتصف، مع عداساتُها الزجاجية التي تَرفعها كُلِ قليلٍ، وملابسها الفضفاضة.
مِن نَظراتُها للكتبِ شككتُ بداخلها كلامًا وقصصًا مثيرةً للاهتمام.
وأنا سارحٌ بتفكيري لألاحظ أنها تحركتْ مِن مَكانها، مَشيتُ نحوها مِن الجهةِ المقابلةَ وبمجرد أنها سحبتْ ذلكَ الكتاب، تقابلنا وجهًا لِوجه.
كانت ملامحها نادرة، مع شامةٌ صغيرةٌ في منتصفِ خَدٍها.
أبتسمت لي، بعدَ أن إنتبهتْ أنني أحدقُ بها، لم أردَ لها الابتسامة لهذا سألتني بفمٍ مفتوحٍ - أهنالكَ شيءٌ تبحثُ عنه؟
عدتُ لِرشدي قائلًا - لا، فقط.. كنتُ..
هذهِ أولَ مرةٍ أرتبكُ فيها امامَ أنثى، لم أعرف بماذا كنتُ سأردَ بالتحديد، تبعثرت الكَلماتُ من جُحري فجأةً.
قالت بينما ترفعُ عدساتها للاعلى - لا بأس، سأذهب.
أبتسمت وهي تشدُ الكتابَ بأحضانها مكملة - لن أزعِجُكَ، أكمل براحتك.
بمجرد ذهابها أخذتُ أنفاسي كأني كنتُ مكبوتًا فجأة.
جلست على إحدى المقاعدِ مسندةً ظهرها إلى مجموعةً من الرفوف، تفتحُ الكتابَ وتنغمس فيه.
أكملتُ طريقي نحوها، لها جاذبيةً غريبةً عليّ، وقبلَ أن ألمسُ طرفِ قميصها إستقامت قاصدةً مكتبِ الاستقبال.
لم أكمل معها، وذهبتُ لِأكملَ أعماليَّ التي كنتُ قد تركتها بِسَبَبُها.
إنغمستُ بما كنتُ قد تركته، إنتهيتُ وأخذتُ أشيائي إلى نُزلي، إرتميتُ على سريري رافعًا رأسي للاعلى ملخصًا أحداثَ يومي كُله لِتقعُ على ذاكرتي، فتاةُ المكتبة.
تذكرتُ محادثتنا التي لم تستغرق إلا ثوانٍ، وملامحها التي لم أرى مثلها مِن قبل، في طبيعتي كَرجلٍ محافظٍ أغضَّ البصرُ دائمًا عنهنَّ، لكن هذهِ الفتاةُ جعلتني أنظرُ إليها رغمًا عن إلتزامي.
كنتُ ملازمًا للمكتبة، لهذا توجهتُ لنفس المقصد مرةً أخرى باليومِ التالي.
رأيتُها أيضَا، كانت أقل بعثرة مِن الامس وأقل عشوائيةً، لم أقرب نحوها، بل بقيتُ جالسًا في مكاني أتمعنُ بها، إلتقطت كتابًا وضمتهُ لصدرها وأكملت لِتأخذَ مكانًا للجلوسِ به.
لم تنتبه لي، مع أننا كُنا متقابلينِ، كنتُ أختلسَ النظرَ لها مِن فينةٍ إلى أخرى، حتى إنشغلتُ قليلًا لِتختفيَّ مجددًا.
تركتُ ما بِيدي ومشيتُ بينَ الرفوفِ باحثًا عنها، في قسمِ كتبِ التنمية، وجدتُها ممسكة بكتابِ توماس إريكسون -محاطٌ بالحمقى-، قد قرأتُ هذا الكتابَ مِن قبل، وكانَ حقًا حديثًا مشوقًا لِبدأهُ معها.
كُنت سأندهها لولا حركتها البيدهةَ لِأخذِ الكتاب والتوجه لمكانٍ أخر.
لم أنجحَ ذلكَ اليومِ للحديثِ معها، لكنني أيقنتُ أنها ستأتي اليومَ المقبلَ وسَنتبادلَ أطرافَ الحديثِ معًا.
لم أتوقع أنها هي من ستبادرُ بالكلامِ معي أولًا، هذا ما حدثَ بالفعل باليومِ التالي، أتت نحوي بِأبتسامةٍ خفيفةٍ على وجنتيها، أخذت مكانًا بجانبي قائلة بِكُل طاقةٍ إيجابية أرسلتها نحوي - أتدرسَ الطب؟
رمشتُ عدةَ مراتِ متتالية، رردتُ عليها في نعمٍ، مع إستفهامٍ بسيطٍ عن كيفَ عرفت ذلك.
إردفت على سؤالي والابتسامة لا تزالُ عليها - رأيتكُ تُجري بعضَ الفحوصاتِ بالمشفى، ومن البطاقة على قميصكَ، كانت إشارة واضحة.
أسندتْ ظهرها إلي رفٍ خلفها مادةً يَدها إلي - انا شمس.
وضعتُ يدي على صدري قاصدًا الاستعذارَ منها على عدمِ مبادلتي السلام - أدعى كيراس.
- كيراس؟، أعادت الاسمُ بأستفهام.
- أعلم أنهُ غريبٌ قليلًا لكن هذا تابعٌ لأصولي المختلفة.
- هذا مشوق، شعرتُ أنكَ تحملُ الكثير في نظرتي الاولى لكَ.
أنزلتُ رأسي مع إبتسامةَ حياءٍ ظهرت عليّ - في الواقع.. شعرتُ أيضًا أنكِ كائنٌ مثير في لقائُنا الاول.
إبتسمت أيضًا، لكن هذهِ المرةَ مع أظهارِ أسنانها البيضاء،
- هل يمكنني دعوتكَ على قهوةٍ في وقتٍ ما؟
- بما أننا مثيرانِ للاهتمام لما لا.
وضحكنا معًا على كلماتي هذهِ، تبادلنا الارقامَ في تلكَ الجلسةِ، وتراسلنا بعضَ الرسائلِ عن خطتنا بالخروجِ معًا.

______________________________________

دعمٌ لِأوائلِ أعمالي 💗.

Instagram- gourbook
Tiktok - gourbook

فتاةُ المكتبةَ 🌸.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن