كُنا نجلسُ على إحدى طاوِلاتِ المقهى في جانبِ النافذة، كانتْ مِن الواضح أنها تتجنبُ النظرُ إلي، حاولتُ أن أعطيها الشعورَ بالامان حتى بدأتُ بالكلامِ معها - هل تعانينَ من وعكةٍ ما؟
يالي مِن احمقٌ، حاولتُ كَتمَ السؤالِ لكن فضولي يقتُلُني،
بدأت في حكِ رقبتها وقالت بشبهٍ من توتر - إنها إجراءاتٌ معتادة.
كنتُ بحاجة إلي اجوبة، ومع جملتها تلك عقلي بدأ بالحَ عليّ للتكلمِ أكثر، لكني فضلتُ الصمتَ على أن أدخل بما لا أنهيهِ معها.
إبتسمتْ باحراجٍ وأردفتْ محاولةً للتخلص من هذا الوضع - كُنت تجيدُ حقنَ الابرة، ستصبح طبيبًا جيدًا.
بادلتها الابتسامة وأنا أتمسك بكوبِ القهوةِ الذي وصلَ للتو، وقلتُ بقليلٍ من الشك - أتمنى أني لم ألمك.
جاوبتني وكانت قد عادت لطبيعتها - كانت خفيفةٌ حقًا!، إتسعت حقلتاها مكملة - حتى أني لم أشعر بها!
ضحكتُ هذهِ المرة مع دفعي للكوب ليكونَ مساوي لشفاتيّ وتأملتها وهي تداعبُ الرغوةِ في فمها.
أكملنا حديثنا حتى إنتهيت فترة أستراحتي وإستعذرت منها لتكملة مناوبتي للليلة، قبل أن أخرج أردفت لي في بعضٍ من التردد - لديّ سؤال!، هززتُ رأسي بأبتسامةٍ، لتكمل - هل شعرتَ يومًا أنكَ تحتاج أسئلة ما لراحتك لكن لا تجد منها شيئًا؟، جاوبتها وثغري يتسع - هذا حديثٌ شيق لبدأه المرة القادمة، لا أحمل الكثيرَ من الوقتِ الان.
كان من الواضح أنها أسطنعت الابتسامة ولاحظتُ أنها أختفت بخروجي.
أكملتُ مناوبتي تلكَ الليلة وعدتّ إلى منزلي مرهقٌ ومتشوقٌ حتى أرميَّ نفسي على وسادتي القطنية منذُ أختفائها مِن أعوامٍ، صرتُ أتحمس لسباتي الليليّ لعلي أراها مرةً أخرى بِمنامي، بعدَ أختفائها كُليًا مِن ما بدأناهُ معًا.
ومثلَ أيِ يومٍ أستيقظُ بهِ وأعودّ مجددًا لأهدافِ يومي، راسلتُها صباحًا لعلنا نُكمل ما لم ننهيهِ أمس، لم أتلقى ردٌ في الساعاتِ الاولى وحالما ما أدركتُ وجودها في المكتبةِ، لانها قد قالت لي سابقًا أنغماسِها الشديدِ هناك.
توجهتُ لها، وأنا أمسكُ بكتابِ التمنيةِ بيدي.
تمامًا كأولَ مرةً أراها بها، ليست في أنبلَ إطلالاتها.
- شمس! صِحتها وانا اقترب.
إبتسمتْ حتى إفتتحَ ثغرها جيدًا - أنتَ هُنا!، أمالت رأسها بينما تتصنع إستغرابها بأني موجودٌ.
أرادت أن تشدُ ذراعي حتى نشغلُ مكانًا ما، لكن سرعانما ما لفت ذراعيها خلفَ ظهرها وقالت - لنجلس.
أخذنا مكانًا في مكاننا المُعتاد، وتربعتْ في حماسٌ لتَجريَّ في مُحادَثاتِها، وانا تارةً أبادلها الكلام وتارةً أتضاحكُ معها.
لم أعلمُ كم قضينا على تلكَ الحالةَ، لكن ما قَطعنا هي موظفة الاستقبال معلنة لنا أن المكتبةَ سَتُغلق.
كُل واحدٍ منا تمسكَ بأغراضهُ ولازِلنا مكملينَ الاحداثَ بيننا، وصلنا على حافةِ الدرج، حتى قالت بأستنكار - لم أكلُ شيئًا بعد..
دعوتها على مقهىً قريب وأخذنا بعضًا من الطعام لناكُلهُ بينما نواصل ما لم ينتهي بعد.
أخذنا نفسينا حتى خارجِ المقهى مُكملينَ لمحطةِ القطار التي تُفرقنا دومًا، وأكملتُ انا طريقيَّ إلى نُزلي.
حينما تربعتُ على سريري مسكتُ ذلك الدفتر، الذي لطالما حملَ كُل ما في قلبي، وشهدَ على كُل حدثٍ طرئ على حياتي.
لاعودُ بالصفحاتِ قليلًا، عندما كُنتُ أدونُ عشوائيًا عن فتاةٌ إسترقتني كُليًا، تركتني حينما كانَ قلبي لها متعطشٌ، ومنها لجئتُ إلى الله، حتى أنني عاهدتُ نفسي أن لا تكونُ خطوتي حرامٌ، إنما تكونُ بالشرعِ فقط.
أقفلتهُ لافكرَ قليلًا إذ أنني نسيتُها أم تناسيتُها، عامينَ قضيتُها تحتُ سَقفها، تداعِبُني بأحضنِها، أثملُ بشفتيها، أقتربُ على عتبةِ الثلاثين، ولازلتُ لا أنسى ما أضعتهُ مِن حياتي معها.
وإذ بأحلامي تأخذُني معها لسباتٍ لا أستيقظُ منهُ إلا صباحًا.
أنجزُ ما في يومي بِعجلةٍ حتى المكتبةَ، لكي أخذَ ما تبقى لي من الدوبامين الذي تمدُ لي أياه.
إنتبهتُ أنها لازالت في عفسَتها تبحَثُ عن أسألتها، وفورًا ما تذكرتُ سؤالها الذي لم أجب عليه قط، لم أقترب منها، فَمن الواضح أنها عادت لتشويشِ عقلها.
بتُ أتذكرُ الماضي بالاواني الاخيرةِ، لربما بسببِ وجودِ أخرى ممكن أن تكونَ وسيلةً ثانية لاعادتي لمَ خرجتُ منهُ وانا شبهُ حيّ.
لكن فتاةٌ المكتبةَ بِدورها قد كانت طاهرةً ونقيةً، فقد لاقيتُها بأكثرُ مكانٍ تتبعثرُ بهِ الافكار وتعودُ لمكانِها، ونحلقُ بسماءِ مخيلاتنا ونصلُ لمَ لمْ يصلهُ أحدٌ قط، ومكانٌ نوعى بهِ ونكبُر دونَ الاحساسِ فيما تغير.
أتت أمامي وهي هادئةً قليلًا، جلستْ لترفعُ رأسها للاعلى وهي تنفخُ الهواءَ مِن فمِها، لم نتحدث، فكُلٍ منا منشغلٌ بما يحلُ به مِن حربٍ داخليّ.
زفرتُ ما تبقى من هواءٍ بِجوفي، وكَفتيّ ترتفع لفركِ مؤخرة عُنقي وجَلّستُ نفسي حتى وصلتْ ذراعيّ إلى ركبتيّ.
قالتْ وهي تغطي وجهها بكلتا يديها - أهنالكَ ما يشغلكَ؟
هززتُ رأسي وعدتُ لها السؤال - وانتِ؟، أبعتدتْ أيديها وربعتها على صدرها مُجاوبة - وأنا أيضًا.
- إذًا، أهنالكَ خططًا للأمسيةَ؟، سألتها وأنا أديرُ رأسي نحوها.
تنفستْ الصعداء حتى قالتْ - فقط لا، لا أستطيع التحدث، فالأصوات لا تهدأ بِعقلي.
أرجعتُ جسدي للرفِ بجانِبها - أتفقُ معكِ.
بقينا على حالنا بضعَ دقائق حتى سألت سؤالٍ عشوائيّ - نحنُ ماذا؟
رفعتُ حاجبي مجاوبًا لها - أصدقاء؟
أقربت وجهها أكثر وقالت لي - لا ابادلكَ هذا، فأنتَ كَدفترُ يومياتي أخرجُ كُلِ شيءٍ بكَ، أنتَ مُستمعٌ جيد، لكني لا أعرفكَ جيدًا.
- أنا قد أظهرتُ لكِ كُل ما أعيشهُ الان.
- ألم يكن لديكَ قصة؟، سألتني وهي تضعُ أعينها أرضًا.
- تخليتُ عنها، ولا أحبُ أعادة أحيائها، وهذا ما يجعلني الان مشوشًا بها.
سكتُ قليلًا وقلتُ لها - وانتِ.. ما قصتكِ؟
صمتْ لبرهةٍ أطول حتى أردفت - أرى أن العالمُ غيرُ منطقيّ.. كانت سَتكمل، لولا المكالمة التي إستوقفتها من الطبيبُ هاني.
دقائق معدودة حتى عادت وهي تلمُ أغراضها - سأذهب، موعدٌ ضروريّ، سنكملُ لاحقًا!
دائمًا ما أنهينا حديثنا بأن نكملَ لاحقًا، وبكلِ مرةٍ لا ننهي ما تَشوقنا لاجله.
عدتُ لحجرتي، جررتُ بيدي طبقًا مِن الصفائحَ الفائتة، أكلتُ البعض وأنا أفكرُ بما حلَ بي وفي تشددي الدينيّ.
لم أكمل طبقي لاني توجهت مباشرة للمرحاضِ أغتسل حتى أصلي كُلَ الفائت، فهذا حالي منذُ مجارَيَتُها، صلاواتٌ فائتةَ، أسميتُ هذا بدايةً في الفتور، لكن ما حلَ بي ليسَ فتورًا بل تقصيرٌ دينيّ.
لحسنُ حظي، كانَ بيتُ اللهَ دائمًا مَفتوحًا لاجلي، صليتُ وخشعتُ فيما سَمحتلي نَفسي، وحتى إستلقيتُ على أرضيةِ الجامع، مُسندًا رأسي إلى يديّ، رفعتُ رأسي للاعلى وأخذتُ أتذكر فيما مررتُ مِن حوادثٍ ولطالما كانَ اللهُ معي دومًا.
لازمتُ الحرامَ مراتٍ عدةَ، وعلاقاتٍ غيرِ شرعيةً ملازمَها فواحشٌ كثيرةٌ، لكن إنا لله وإنا إليهِ راجعون.
كانتْ ساعةٌ متأخرة لمراسلةِ أحدٌ، لكن رسالتها موجودة على شاشةُ قفلي.
كالمعتاد، أعتذرت عن ذهابها المفاجئ الذي لم تكملُ منهِ كلامها، وكَعادتي جاريتُها.
إستلقيتُ على سريري وسمحتُ لأفكاري لتنهض، وصباحًا لم أكونَ كَنفسي أبدًا، راسلتها وخرجنا معًا كأصدقاءٍ الان.
وجهتنا إلي مكانٍ خالٍ وصافٍ، الشاطئ يناسبُ كُل ما أذكرهُ وأكثر.
وبعدَ مداعبةٍ مطاولةَ، وحديثِ كلما يزدادُ حماسًا وتعمقنا ببعض في كُل محادثة، وأخيرًا، رددتُ لها عن سؤالها ذاك.
- لا، لا أحصلُ على إيةِ أجوبةٍ لراحتي، فَراحتي هي عقيدتي التي تكونُ حضنٌ وقتَ التشويش، فاللهُ أحنَ مِن أن يتركُ عبدهُ تائهًا.
سكتُ لأنظرُ للاعلى مبتسمًا - بالتأكيد أنتِ على درايةٍ بذلك، صحيح؟
حكت رقبتُها وقالت بتوتر - أنا.. أنا مِن طائفةٍ أخرى، أكملت بعدها - يُدعى إني مسيحيةٌ.______________________________________
Tiktok - gourbook.
Insta - GoUrbook.هل تم التخمين شو كانت علاقة كيراس القديمة؟
حاولت أشرح عنها ببضعةَ أسطر 💗.
أنت تقرأ
فتاةُ المكتبةَ 🌸.
Historia Corta"حتى إلتزامي، وقعَ لها". - كيراس. عندما يكونَ مارًا بِهذا مِن قبل، وكسرهُ أدى إلي رجوعهِ إلى مذهبهُ الحقيقي، وهي تُرجعهُ إلى ما خرجَ مِنهُ منكسرًا. أما بعد، فَماذا سيكونُ خيارهُ؟