اقتباس.

126 19 99
                                    


عاصِمَة فلسطين.. القدس:  البَـلدة القَديـمة.

دَخلت إلى الغُرفَة رائِحة الزيت والشَحم قَبل دخوله، فانكمشت ملامحها تلقائيًّا تُطالِع البَاب بنظراتِها الغزلانيّة، دخل بهدوءٍ متوجهًا إليها-بعدما كاد يدخُل غرفته- إلّا أنّه قد استثارَ ريبةً مِن إغلاقِها للبَاب، فيما يعزز ريبته تلك المصائب المتكرر التي تفتعلها من يوم يومها!

- شو..؟ سألت بهمسٍ ولاتزال تراقبه في عبوسٍ وملامحٍ مشمئزة، فرفع حاجبيهِ مستمتعًا بإغاظتها، بينما اشتعلَت وجنتاها من تدفقِ دمائها إثر انفعالها، يستمر بتجاهل أسئلتها، ليش دخلت؟ لا يفعل شيئًا إلا ابتسامة لزجة تزيد عصبيتها، مش هاي غرفتي؟.. لا شيء! تِلك البَسمة.. ضَحكة عنزة على باب مسلخ، نعم هذا المَثل الفلسطينيّ الذي سمعته كثيرًا مذ بُليت-كما بنظرها-ووطأت قدميها أرض القُدس المحتلّة.. وهي ممتنّة كثيرًا للمثل، لأنّه الأكثَرُ دقةً في وصفهِ حال كتلة السُخف الذي ينادونه يامِن.

أغلَقت كتابها بعنفٍ تنحي أقلامها، في حركاتٍ أفصحت عن عصبيتها التي وصلت ذروتها!

- انت شو بدّك؟
-ولا إشي حقيقي بس مش هادا بيتي ولا شو؟ قالها، ثم لَمح بطرفِ عينٍ عنوان الكتاب الدراسيّ، فتّش بلمح البَصر أرجاء غرفتها المُرتبة، فيما عدا تِلك الدُمى التي كانت ملقيّة هنا وهناك..هذه بَلاء وحَسب!

حاولت تجاهله، عادت تمسك بكتاب الفيزياء تناظره كأن محتواه سِحرًا وطلاسم، فكظم ابتسامته بصعوبةٍ محافظًا على لزوجة تعابيره المستفزّة، ثم تمدد بجانبها فانتفضت، وقد لاحظت-غير ملابسه المتسخة بالشحم-أن بيدهِ صينيّة تحوي فوقها صحن زيت زيتون، وحبّات زيتون.

-انت مقرف وهمجي، و ريلي(really) أنت مش إنسان. ألهجت وهي تقفز من جانبه، بينما بتمزجٍ كعجوزٍ يستمع لأم كلثومٍ أكل متجاهِلًا حديثها ونظراتها! فيما عدا تمتمه:همجي؟ وانتي مرت الهمجي ياغزالة، إلا أربيلك خاشمك المرفوع.

-يعني شوف كيف صارت الشراشف! صرخت بتزمرٍ، ثم استرسلت بغضب: ميكانيكي مصدِّي!

نظر نحوها لثانيةٍ فتسلل الخوف لقلبها الصغير، وعادت قطّة مبتلة، بنظرات غزال خائِف، بينما في نظراتِ من يضمر انتقامًا خرج، فأبعدت صينية الطَّعام سريعًا، ثم جذبت شراشِف السرير عدا أنه قاطعها-وقد صبغ الشَّحمُ كفيه-أن فَرك لها وجهها، بتلك الابتسامة الشامتة!

-طالع نااار ياحسن. نطقها مقهقهًا، أما عنها فَقد ارتخت ملامحها المُنصدمة متبددةً لذبولٍ منفجرةً بالبكاء، وهي تستمر بمسح وجهها بالشرشف الذي كان بين كفّيها الصغيرين.

شَعر بقليلٍ مِن الندم، والإنزعاج من صنبور بكائها الذي طَفح في وجهه كبالوعةٍ منسدّة!
، فحمحمَ ناطقًا بضيق:
- خلص خلص إيش فيك! يمّا شو مزعجة! اسمعي بجيب قزازة بنزين من برا بتسمحلك وجهك، مستحيل هيك ينظف بالقماشة اللي بإيديك!

عادت الصدمة تُشكِّل ملامحها التي كانت كالمحترق بالفَحم بهذا الشحم الذي زاد توسعه فركها المستمر له، فأثارت حنجرته لإطلاق ضحكاتٍ عالية.
-بنزييييين!! بدك تغسلي وجهي ببنزييين!! صرخت وهي تركض إلى الحمام، بينما لحقها بزجاجة حوت البنزين فيها، جلس على حوضِ الاستحمامِ يغسل يديه بهِ، بينما كانت هي أمام الحوض الصغير لغسل اليدين، لمحته بطرفِ عينٍ وقد رأته كائنًا فضائيًّا بعيدًا كل البعدِ عن العقلِ والمَنطِق ثمَّ بدأت تفرك بالصابون وجهها، تبعته بعدّةٍ مِن سوائل التنظيف،

وضَع البنزين جانبًا، ثم راقبها كيف بقيت نصف ساعة تستمر بوضع الكثير من تلك السوائل، مَلّ منها في نهاية الأمرِ وذهب يبدِّل ملابسه المتسخة، ثم عاد يجدها ترتّب سريرها بعدما أبدلت ملاءةً أخرى، تنهدَ ثم تحدّث بثقلٍ:
-وصال...؟

لَم ترد، قررت فعل مايفعل.. تجاهله!

-وصال؟ أعاد مناداتها، فعادت تتجاهله، فصاحَ بعصبيةٍ:
-إيليااااء!

-اسمي إِليا..قالتها بإنزعاجٍ، ثم استرسلت بتحذير: أو وصال، إيلياء هاي من وين اجت؟

- ايكسكيوز مي يابنت الأجنبيّة، ميكانيكي جاهل. هزّ كتفيه قائِلا بلا اهتمامٍ، مايجعله يتحمل هذا الدلال الفائض أنها ابنة عمّه
قَرص وجنتيها، فطالعته في عبوسٍ وقد ازعجها تغيّره.. كان حنونًا، هو يستمر بالتغيّر كهرمونات النِساء.!

- شو عملت؟ سألت بنبرٍ خانِعٍ، فناظرها باستغرابٍ: بإيش؟

- انت ليش هيك بتعاملني؟ سألت تسنُد وجنتها اليمنى على ركبتيها فانساب شعرها الكستنائيّ على جانبٍ واحدٍ كاشفًا عن رقبتها المرمريّة، بدت له رسمةً فنيّة تجاهلها الفنانون منشغلين بالموناليزا، بجمالٍ فَريدٍ يخلُط بين أصالةِ العربيّ ورِقة الأجنبيّ!

- كيف يعني؟ قبل شوي مزحنا معك فش فيها اشي ماتبالغي!. قالها ثم طَبع قبلةً حانية على خديّها، لن يستمر في معاقبتها، ليس مع نظرات الغزالة التي تنهال من أشجار الزيتون في مقلتيها!!!
ارتخت سريعًا، ثم عانقته في عفويةٍ طفوليّة، فضحك يأسًا منها، ثم أبعدها قليلًا فلاحظت ملابسه التي أوضحت نية خروجه، نظرت ناحية الساعة كانت الحادية والنصفَ مساءً!

لِمَ يتغيّب معظم الليلات؟ أين يذهب! كان يثير شكّها دائمًا تهرّبه المستمر من الأسئلة، غضبه من مراقبتها وتدقيقها!

****

- خلعنا منها! نطق زافرًا براحةٍ بعدما استبق أسئلة وصال بنظرة تحذيريّة خارجًا من المنزل.

ثم نظر إلى التي  بينَ يديه يحضتنها، هامسًا: ياحبيبتي في كل حين! هينا مرة ثانية اجتمعنا!

مجرد اقتباس صغير عشوائي...

• توقعات لمهائيّة الرواية؟
هل فعلًا يامِن خاين كما توقعات وصال؟؟
• ماعلاقة وصال ويامن يلي متخيلينها؟

وِصالُ وَطنينِ. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن