1_الهزيمة

60 6 7
                                    

عاد الخير من حلبة الصراع منهزما ، و قد غطت وجهه الكريم كدمات و جروح عميقة ،مشى مترنحا نحو بيته على قمة جبل الشمس شمال مملكة لاموريا ، تاركا وراءه قطرات من الدم ليستدل بها و يهتدي بها المنقادون خلفه من البشر الاخيار ، فكل من يسعى الى اتباع خطى الخير يعتبر انسانا خيرا و ان فعل عكس ذلك فهو شرير ، اثر انتهاء المعركة الضروس التي وقعت بين هاذين العملاقين ، تجمهر البشر من الاشرار حول الشر ، يهتفون بإسمه بأعلى صوت و يصفقون له ، انه يوم عيد بالنسبة لهم فجميعهم سوف يقومون بتخصيص جزءا هاما من أموالهم لاقامة الاحتفالات في كامل أرجاء المملكة ، و سيشعلون النيران و يجتمعون حولها لشواء لحوم البقر و الخنازير على ألسنتها المتراقصة ، و الاصطلاء بها ، و الرقص على الدفوف و نعيق المزامير و معاقرة الخمور ، لو رأيتهم عن بعد أمتار في سكرتهم لظننتهم حفنة من الشياطين قد زحفوا من عالمهم السفلي لنشر رسالة الشر ، بينما يقبع الخير داخل بيته المتواضع طريح الفراش و قد أحيط به عدد قليل من الخدم لمعالجته و الاعتناء به ، في الحقيقة ، لم يكن للخير عدد هائل من المحبين و الاتباع كذاك الذي يحضى به غريمه الشر ، بل كان شبه وحيد ، يجول الشوارع دون حشد يرافقونه، في ثياب رثة لا تكاد تستر جسده كاملا او تبعث فيه و لو القليل من الدفئ، لم تكن رقبته متوقة بسلالسل الذهب و الفضة ، و لم تكن تتدلى من اذنيه اقراط من اللؤلؤ ، و لم يحط وسطه حزام مطعم بالجواهر و الزمرد و الياقوت ، او يرتدي أجمل الاطالس و ابهاها كما يفعل الشر ، كلاهما متناقضان و هذا أمر بديهي ، كذلك أتباع كل منهما نجدهم في غاية التناقض ، كما ان صوته الوقور لم يكن مسموع بقدر مايتميز به صوت الشر الجهوري الغليظ ، و ليس لانه خفيض لا يخترق الأذان بل لانهم عادة ما يقومون بدس أصابعهم في أذانهم عمدا و خشية من نبال الحكمة و الوعي أن تخترق أفئدتهم المتحجرة و تبعثها من مرقدها الى الحياة ثانية ، انهم أشد حرصا على الالتزام بسلك طريق الظلال من الشر نفسه ، فما الشر سوى داعية يدعو الى اتباع منهجه ، و ليس بحاكم او سلطان يفرض قوته و جبروته عنوة ، كذلك الخير ، كلامهما لا يمتلك في حوزته زمام الامور ، كلاهما رسولين ، أحدهم يدعو الى الجنة ، و الآخر يدعو الى الجحيم ، لكن علينا الاقرار بأن البشر هم من يمنحون القوة لكلاهما عبر التصويت و التأييد ، بعزيمتهم جعلوا من هذا الكوكب الجميل الخصب ، ساحة للقتال ، فقد اضرموا النيران في اوراق الشجر ، و أهدروا المياه ، و سفكوا الدماء و أزهقوا الارواح الطاهرة .

يتبع ...

العدالة تتربع على عرش القضاء دوما Where stories live. Discover now